تصليح اخطاء الخلق

بعد عشرة سنوات من التجارب تمكن الباحثون من النجاح في تصليح الاخطاء الخلقية بواسطة المعالجة الجينية. اليوم يستطيعون تصليح الاخطاء الجينية المؤدية الى أمراض جدية مثل العمى وامراض جهاز المناعة ونقص الدم وامراض الدماغ من خلال إزالة الخطأ الخلقي من الحامض النووي للمريض.

كان الاطباء الفرنسيين هم الرواد عندما نجحوا في معالجة طفل ولد بجهاز مناعة لايعمل. من خلال إعطائه جين جديد تمكنوا من إصلاح جهاز المناعة واستطاع الطفل ان يحيا. عام 2002 تمكن الاطباء الايطاليون من معالجة طفل اخر من المرض نفسه. لفترة أعتقد الاطباء انهم وصلوا الى العلاج السحري إلا ان احد الاطفال الفرنسيين المعالجين تطور لديه سرطان الدم. فيما بعد ظهر سرطان الدم لدى اربعة اطفال اخرين وأحدهم مات. بسبب ذلك جرى حظر على العلاج في اوروبا واميركا، إلا أن الحظر جرى رفعه سريعا بسبب انعدام الخيارات الاخرى.

اليوم اصبحت المعالجة الجينية ضد مرض فقدان المناعة تحظى بنجاحات كبيرة. ثمانية من عشرة اطفال يتمكنون من العودة الى الحياة الطبيعية بدون ادوية تماما. حتى الان تمكنت المعالجة الجينية من مساعدة 86 طفل من مختلف انحاء العالم.

عند معالجة اطفال مصابون بنقص المناعة قام الاطباء بإستخلاص جين سليم من خلال نخاع العظم ووضعه في فيروس الرشح ثم حقنه في الشخص صاحب الجين الخاطئ. الباحثون استخدموا ريتروفيروس ليضع الجين الصحيح في الحمض النووي للخلية لتبدأ بعدها الخلية في انتاج البروتينات التي يفتقدها الطفل. الريتروفيروس يحافظ على بقاء الجين منشطا طول العمر ويعمل على نشره في الخلايا الجديدة عند الانقسام الخلوي. بالطبع توجد إمكانية لوقوع " التصليح" في المكان الخاطئ وعند ذلك ينشأ سرطان الدم كما حدث لدى بعض الاطفال الاوائل.

تمكن الباحثون من العثور على فيروس اقل خطورة في ذات الوقت الذي طوروا فيها استراتيجية جديدة تقوم على عدم حقن الجين في خلايا المريض في المختبر. عوضا عن ذلك يجري حقن الجين مباشرة في العضو المصاب بالخطأ. بذلك يجري تنشيط الجين في المكان المناسب مباشرة. هذه الاستراتيجية اثبتت تفوقها في معالجة العمى الوراثي ومرض Lebers kongenitala amauros, والذي يصيب الاطفال. الاطباء قاموا بحق الفيروس مع الجين مباشرة في الشبكة العينية مما أدى الى إعادة بناء الغشاء جزئيا وعودة البصر.

الباحثون الامريكان، قاموا منذ فترة قصيرة، بحقن فيروس يحمل جين معالجة في دماغ المرضى بمرض باركينسون. إحدى اسباب هذا المرض ان الخلايا العصبية في الدماغ ينتج كمية قليلة من هرمون GABA.
بفضل المعالجة الجينية تنخفض الرجفات ويزداد تحكم المريض بحركته بنسبة 23%.

لفترة طويلة كان الاطباء يحلمون بمعالجة النزيف الدموي المزمن. سبب المرض هو خطأ خلقي في المورثات يؤدي الى عدم كفاية العوامل التي تعمل على تخثير الدم عند حدوث جرح. واليوم يمكن معالجة هذا الخطأ عن طريق حقنة كل يومين او ثلاثة. ولكن ذلك يكلف مبالغ طائلة سنويا للمريض والمجتمع على السواء. عام 2011 تمكن فريق امريكي-بريطاني من معالجة مجموعة من المرضى بالعلاج الجيني. كان أفراد المجموعة تعاني من مرض نادر يسمى hemofili B. الجين المفقود عند المريض يجري وضعه في فيروس غير ممرض ثم يجري حقن الفيروس في ذراع المريض. بدوره يقوم الفيروس بإصابة الكبد وهناك يقوم بالتكاثر وانتاج عامل التخثر المفقود. على مدى ستة عشر شهرا من العلاج لم يحتاج المصابين اية حقنة من حقن المعالجة التقليدية. والان يسعى الباحثون الى تطبيق العلاج على الشكل الشائع لمرض النزيف الدموي المسمى Hemofili A.

قريبا سيمكن استخدام المعالجة الجينية لاخطاء الخلق في مجال الامراض الاكثر شيوعا مثلا نقص الدم لاسباب وراثية، beta - thalassemi, وهو مرض شائع على الاخص في اسيا وحوض المتوسط. وسبب المرض هو النقص بما يدعى beta globin, وهو جزئي مركزي في الكريات الحمراء. اليوم ينحصر العلاج بنقل الدم مدى الحياة مما يؤدي الى إضعاف الصحة ويزيد من احتمالات الموت شابا. فريق بحث امريكي - فرنسي تمكنوا، على الاغلب، من معالجة المرض من خلال استخراج عينة خلايا جذعية من نخاع العظام وأعادوا تصحيح تصميمهم الجيني ثم أعادوا زرعهم. لقد انتجوا بيتا غلوبين فعالة. وعلى مدى سنتين لم يحتاج المريض الى تبديل دمه.

التجارب والنجاحات تظهر ان معالجة جميع اخطاء الخلق، والامراض المتنوعة والمزمنة المترتبة عليها، تملك آفاقا هائلة من خلال تكنيك المعالجة الجينية. والان يتأمل الاطباء تقليص انتشار عدد كبير من الامراض الوراثية.