هل الحياة عبث؟

العبث هو عمل لا تؤسسه غاية محدّدة. في العادة كلّ عمل نقوم به لنا منه غاية من أجله نعمل. وهذه الغاية هي التي تضفي قيمة على العمل. فقيمة العمل ليست في العمل نفسه. ولم يكن العمل في يوم ما هدفا في حدّ ذاته. وإذا أصبح العمل هدفا في حدّ ذاته، كان ما يقوم به الإنسان عبثا. فالعبث هو عمل لا جدوى منه ولا نعلّق على الإتيان به أملا ما نرجو تحقيقه. إذا يمكن أن نحكم على عمل ما بأنّه عبث أو ذو قيمة بالبحث عن الغاية التي تؤسسه. فإذا كان الأمر كذلك، فما هو حكمنا على الحياة إذا نظرنا إليها كنشاط متواصل أو عمل مستمرّ؟ ما هي الغاية من الحياة والحياة الإنسانية بشكل خاصّ؟ أي في نهاية المطاف لماذا يحيا الإنسان؟ ما هي الغاية الرئيسية التي تجمع كلّ الغايات الظرفية؟

يرفض الإنسان أن تكون حياته عبثا لذلك يحاول أن يضفي عليها قيمة وذلك بخلق هدف لحياته مثل تحرير البروليتاريا أو إكتشاف دوء لمرض معيّن... صحيح أن هناك أهدافا نبيلة يمكن أن للفرد أن يوقف حياته عليها ويخلّصها من العبث، ولكن أن تكون هناك أهداف معيّنة لحياة بعض الأفراد لا يعني أن الحياة برمّتها لها هدف سام وشامل وبالتالي لها قيمة. فمهما كان الهدف الذي سيُوقف الفرد حياته عليه فلن يكون هدفا للحياة وإنّما سيكون هدفا في الحياة.

أضف إلى ذلك فإن الإنسان وإن كان قادرا على أن يخلق هدفا لحياته فإنّه من الناحية المنطقية غير قادرعلى أن يخلق هدفا للحياة، وغير قادر على أن يؤسّس قيمتها إن لم تكن لها. فنحن نعرف أن كلّ شيء لا تكون له قيمة إلاّ إذا أسّسه هدف إنساني له قيمة بمعايير إنسانية. فنقول عن هذا الدّواء أن له قيمة لأنّ الإنسان صنعه لغاية العلاج. والعلاج له قيمة لأنّ الإنسان يولي قيمة كبيرة للصحّة. ولو يندثر الإنسان من على وجه الأرض، فلن تكون للذهب قيمة وسيكون مرميا مثل الزبالة. فمعيار القيمة نفسه تؤسّسه مصلحة الإنسان، ولا يمكن الحديث عن القيمة خارج إطار الحياة الإنسانية. فوجود الإنسان يسبق كلّ القيم. وطالما أن الحياة سابقة على الوجود الإنساني فلا يمكن أن تكون لها قيمة في ذاتها. وحتّى وإن كانت لها قيمة في ذاتها فهذه القيمة تحدّد طبقا لمعيار آخر غير إنساني لا يهمّ الإنسان. فإذا وضعنا كشرط مفاده أن الحياة لاتكون لها قيمة إلا إذا كان لها هدف مسبق، فإنّنا نقول أن لا قيمة لها، لأنّ وجود هدف لها يتطلّب وجود وعي سابق عليها، ضبط الغاية من وجودها قبل وجودها. ومن غير المعقول طبعا أن يكون الإنسان هو الذي حدّد الغاية من الحياة، وبالتّالي قيمتها لأنّ ذلك يقتضي أن يوجد قبل الحياة وهو أمر مستحيل. إنّ الإنسان يريد في الحياة ولا يريد للحياة لأنّه لا يسبقها. وهذا يعني أن مشروع الحياة بما في ذلك غايتها، يخرج عن نطاق الإنسان.

هل يعني ذلك أن الحياة عبث؟
طالما أن الحياة لا تكون لها قيمة إلاّ إذا كان هناك وعي سطّر لها الغاية التي من أجلها وُجدت، وطالما أن هذا الوعي لا يمكن أن يكون وعيا إنسانيا، لا يبقى أمامنا إلا أن نفترض وجود كائن واع هو الذي سبق الحياة ووضع لها الغاية التي من أجلها وجدت. هذا الكائن الواعي هو ما أُصطلح على تسميته بالإله. لكن هل بإفتراض وجود إله يحلّ الإشكال ونفصل بين الحياة والعبث؟

الواقع لا. والسبب في ذلك أن وجود الإله هو فرضية يسلّم بها البعض وينكرها البعض الآخر. فهناك من يرى أن الحياة لا يمكن أن تكون عبثا ولا بدّ من وجود عقل عظيم قضى وقدّر منذ الأزل ما ستكون عليه، ولكن هناك شقّ آخر يرى أن هذا الإله أشبه ما يكون بالعدم. فنحن نسلّم بوجوده لا لأنّه موجود بالفعل ولكن لأنّه يجب أن يوجد من وجهة نظرنا. بتعبيرآخر نحن نرى أنه يجب أن يوجد، فنقول عنه أنّه موجود. حسب المنطق الإنساني الله يجب أن يوجد ولكن ألأنّه يجب أن يوجد، هو موجود؟

ماذا يعني كلّ هذا؟
يعني أن هناك حججا تبرّر وجود الله وهناك حجج أخرى تنفي وجوده. لذلك إنقسمت البشرية إلى صنفين: إلى مؤمنين وملحدين. وعلى العموم ،فالشيء الثابت هو أن وجود الإله، هو محلّ جدال وليس حقيقة علمية تسلّم بها كلّ العقول وهذا يعمّق عبثية الحياة ولا يلغيها. لقد جيء بفكرة الإله ليقع حلّ مشكل عبثية الحياة فإذا بنا نضيف إلى مشاكلنا مشكلا آخر وهو الصراع بين من يعتبر الله حقيقة ومن يعتبره وهما. وهذا الصراع يشكك في قيمة الحياة وجدواها. لقد جيء بفكرة الإله ليكون للحياة معنى، فإذا بهذه الفكرة تزرع الشقاق بين الإخوة. وهذا الشقاق مظهر من مظاهرعبثية الحياة. يقول الشاعر: لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتّى الفِكر.