الخطاب الاخلاقي بين الذاتية والنزعة الاجتماعية

إلى أي شيء تدعو الأخلاق؟ تدعو الأخلاقُ الفردَ إلى أن يكون شخصا نموذجيا،مثاليا، ذا أخلاق عالية يُؤثر غيرَه على نفسه حتّى ولو كانت به خصاصة. هذا المطلب طوباوي فيه إنكار لحقيقة الذات كذات لها مطالب فردية وفي نفس الوقت إعلاء لما هو إجتماعي أي تغييب للفردية في نهاية المطاف.
إن أخلاقا بهذا الشكل لن تكون ناجحة لأنها تطالب الفرد بأن يتنكّر لذاته ويقف ضدّ مصلحته. وربّما من أسباب تفشي النفاق والخداع في المجتمع هو عجز الفرد عن إتباع هذه الأخلاق مع عدم إمتلاك القدرة على التصريح بذلك. وكان بالإمكان توظيف المصلحة الذاتية في خدمة الأخلاق. ويبدو أنّه لا تقدّم لمجتمع ما، دون إعتبار المصلحة الفردية الأساس لكلّ عمل فردي إبداعي.
ومن جهة أخرى فإن الأخلاق في مجهودها الدعائي، عندما تسلّط الضوء على شخصية مشهورة، تُبرزها وكأنّها خارجة عن التاريخ، غير خاضعة لضغوط ذاتية فردية أو كأنّها عدوّة لمصلحتها. تصوّرها لنا شخصية مثالية إتخذت من المصلحة العامة هدفا وشعارا. لا ننكر أن هناك شخصيات ناجحة قدّمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ولكن ليست كلّ شخصية بهذه الصفات وقفت ضدّ مصلحتها. فكم من شخصية تاريخية خدمت الإنسانية بخدمتها لنفسها. إن الأخلاق السائدة تنظر للمصلحة الفردية كعدوّ يجب محاربته في حين أنّها المحرّك للعمل. يمكن للمجتمع أن يتقدّم خطوات هامّة إذا غيرنا الخطاب الأخلاقي وذلك بأن نجعله يعترف بالمصلحةالذاتية. فأي السّبِيليْن يختار الأبٌ ليؤثر في إبنه كي ينجح في دراسته ،أن يقول له عليك أن تدرس لأنك بنجاحك توظّف أحسن الوظائف وتلبس أحسن لباس و...و...أم يقول له عليك أن تدرس لأن هذا واجبك طالما أنني أصرف عليك مالا وفيرا وأيضا لتكون مفيدا لوطنك. لا شك أن السبيل الأوّل هو الأقرب إلى ذهنه وهو الذي يحفّزه على الدراسة وهو بنجاحه في الدراسة يكون آليا مفيدا لغيره. إن الأخلاق التي تدعو الأفراد للتضحية والإيثار هي أخلاق تولّد النفور والتكاسل أي أنها تولّد عكس ما تطالب به.