تقديم لكتاب الزمان والفكر لعبد الصمد الكباص


ما العالم؟ إنه لحظة تغدو فيها الصيرورة ممكنة، وهو بهذا أفق زمني صرف. يبدأ العالم حين تنفتح الصيرورة.
    ليس العالم مجموع الوقائع التي تستند إليها القضايا كأساس مرجعي. ولا هو الكلية التي تتجمع فيها كل الإمكانات ولا الفكرة التي تقيم في حاضر مطلق بدون مستقبل أي الأبدية. ولا الوحدة التي تضم الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. إنه بالأحرى بعد زمني. وأن نحدد وجودنا باعتباره انتماء للعالم معناه أساسا أننا لا نتحدد ككائنات إلا من حيث كوننا أفقا زمنيا تتحدد فيه الصيرورة. والتفكير في العالم وفي أي شيء ينتمي إليه هو بالضرورة تفكير في الزمان.
    إن جعل الفكر ينفتح على الفضاء الإشكالي المشترك للزمان والتقنية هو في حد ذاته إعادة الفكر إلى الإشكال الأنثروبولوجي الذي تتحدد انطلاقا منه الصيغة الوجودية التي تضع التقنية والطبيعة والمعرفة في مركب متوثر وغير منسجم.
فالتقنية كما قال بول فريليو في أحد حواراته، هي تأويل للسرعة والسرعة هي تدبير للزمان تتيحه الطبيعة. والطبيعة هي ما استحوذت عليه المعرفة كمجال للتسخير والاستحواذ. وخلف كل هذا ينتصب وجود ملتبس يشتغل كموقع مشترك للطبيعة والمعرفة والتقنية يطلق عليه اسم : الإنسان.
    لقد غدا المصير بالنسبة للإنسان رهينا بالتسوية المستقبلية لأطراف هذا المركب المتوثر. فالاستحواذ التقني على الزمان جعل الإنسان أمام صيغة جديدة للكونية تنقض الصيغة التي كانت تحددها انطلاقا من مفارقة (تعال) تضع العالم تحت سطوتها وتسخره لإرادة صماء لكائن يقيم في الأبدية.