الكآبة وانواعها ومخاطرها


الكآبة والحزن والضيق الدائم والسوداوية أوجه لعملة واحدة هي الاكتئاب، ذلك المرض الذي لم يكن يخيل إلينا يومًا أن يتحول إلى وباء عالمي ها هو يكشر عن أنيابه ويتخطى التوقعات فتتنبأ الإحصائيات أنه سيكون المسبب الأول للعجز والوفاة المبكرة في عام 2030، فالكآبة بالنسبة للغالبية العظمى تعبر عن استجابة عادية تثيرها خبرة مؤلمة كالفشل في علاقة أو خيبة أمل أو فقدان شيء مهم كالعمل أو وفاة إنسان غالي. وما يميز هذا النوع العادي من الكآبة أنه يحدث لفترات قصيرة قد لا تزيد على أسبوعين، كما أنه عادة ما يكون مرتبطًا بالموقف الذي أثاره. أما الاكتئاب المرضي فعادة يكون أكثر حدة ويستمر لفترات طويلة تعوق الفرد عن أداء نشاطاته وواجباته المعتادة، كما أن الأسباب التي تثيره لا تكون واضحة أو متميزة بالشكل الذي قد نجده عند الناس بحيث نستطيع اعتباره حالة مزاجية مضطربة يصاحبها شعور باليأس والحزن الشديد، مع عدم الانتظام في النوم والطعام، وفقدان الطاقة واللجوء إلى العزلة، وقد يتطور الأمر في بعض الأحيان إلى الانتحار، وذلك في مراحله المتأخرة، فإن لاحظت تلك الأعراض توجب عليك اللجوء للطبيب النفسي.

 

وطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن مرض الكآبة أصبح ثاني أوسع مرض انتشارًا بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، وأوضحت الإحصائيات أن النساء يصابن به ضعف الرجال، و أن عام 2020 سيكون عام إكتئاب المرأة ، فقد وجد أن منظمة الصحة العالمية تقيس خطورة الأمراض بما يسمي "داليس" وهو عبء المرض. وأوضحت إحصائيات المنظمة أن 20 - 25% من النساء وأقل من 15% من الرجال يعانون الاكتئاب، أما انتشاره عالمياً فيتراوح بين 4:6 من مجموع أي شعب، ففي مصر الآن حسب تحليل منظمة الصحة العالمية سيكون لدينا مليون مصري تقريبًا مصابون به.
وعلى الرغم من ذلك نجد في عالمنا الثالث أن الاكتئاب يعد مرضًا غير مكشوف عنه لذا لا يمكن معرفة إحصائيات ثابتة ودقيقة، فالرجال يعتبرون الاعتراف بالحزن والعزلة نوعًا من اهتزاز لرجولتهم، والنساء ينسبن الأمر غالبًا لتواتر ظروف الحياة ولا يكون السعي لديهم للعلاج بما يؤثر على المحيطين بهم، فهو لم يعد ظاهرة فردية.



وقد وجد أن تزايد حالات الطلاق في مصر؛ والتي تصل نسبتها إلى 40% في السنة الأولى من
الزواج؛ يكون سببها الأول اكتئاب المرأة، وإذا أمعنا النظر في طبيعة دول العالم الثالث من الفقر والتلوث والإحباط والبطالة وتفسخ العلاقات الأسرية والتوتر المستمر وانهدام مفهوم الأسرة الواسعة المتصلة مع عدم القدرة على التوازن بين مستوى الدخل والاستهلاك والرغبة في الأفضل الذي أصبح مستحيلاً وتزايد نسبة الأمية وتعرض المرأة للقمع جسديًا ونفسيًا؛ لفهمنا لماذا تبدأ الأعراض بالظهور ولماذا تنتشر بتلك السرعة، وكل تلك العوامل كفيلة بتفجير الاستعداد الوراثي للإصابة بكل أنواع الاكتئاب.

 

ولقد تحدث العلماء عن نوعين من الاكتئاب كخطين عريضين ؛النوع الأول الوراثي يصاب به الفرد نتيجة لتعرضه لأبسط الظروف الضاغطة وهذا النوع يتكرر على فترات ويتم التعامل معه عن طريق العقاقير الطبية التي تنظم المزاج. بينما النوع الآخر يكون تفاعليًا نتيجة التعرض للضغوط النفسية الشديدة، مما يولد صراعًا قويًا داخل الفرد، وهو ينتهي بانتهاء الموقف الضاغط مع بعض المساعدة الطبية.



فالكآبة هي مرض في المخ بالدرجة الأولى ومن أكثر الأمراض ألمًا بدرجة جعلت نسبة 15% من المصابين بها يقدمون على الانتحار، وتنتج عن خلل في كيمياء المخ، والتشخيص الأول نسميه نوبة الاكتئاب العظيمة تستمر في تأثيرها ما بين 6 و12 شهرًا، مما يعني أن العلاج لابد أن يستمر طوال هذه الفترة وألا تحدث خلال الأربع أشهر الأولي نكسة أو عودة الأعراض، ويتم التدرج في ترك العقاقير لأن التوقف الفجائي يؤدي للتعب مع التنبيه علي المريض والأهل بضرورة الملاحظة الجيدة في الفترة التالية تحسبًا لتكرار للنوبة.



ويحدث الاكتئاب في أحيان كثيرة دون وجود أسباب خارجية واضحة؛ ويسمى بالاكتئاب الداخلي؛ وينظر الأطباء إليه على أنه أكثر خطرًا من النوع التفاعلي وتكون خطة علاجه مزيجًا من العلاجات النفسية والعضوية يستخدم فيها العقاقير المضادة للاكتئاب وربما بعض الجلسات الكهربائية. وربما يجيء في شكل دورات تتلوها أو تسبقها حالة من الاهتياج والهوس والنشاط الزائد؛ وهو ما يسمى بالاضطراب الدوري؛ وينظر لهذا النوع على أنه أشد خطرًا لأنه يصيب كثيرًا من قدرات الإنسان الأخرى كالتفكير السليم وعلاقاته الاجتماعية وتشويه إدراكه لنفسه وللعالم المحيط به. ويصبح المريض خطرا على نفسه بسبب إهماله الشديد لحاجاته الإنسانية وربما ينتحر كنتيجة مباشرة للعجز واليأس، وقد سمعنا عن حالات كثيرة من انتحار الشباب بمصر مؤخرًا نتيجة لعدم قدرتهم على الارتباط بمن يحبون وهذا مؤشر يدل على تفشي الاكتئاب نتيجة اليأس والفقر.



وتقول الدراسات إن هناك نحو 25 إلي 30 % من سكان أي بلد في العالم يعانون من أمراض نفسية، من بينهم 10% يرضخون للأمر الواقع ويتحملون الألم حتى الموت، و20% يلجأون للعلاج، من هذه النسبة يلجأ نحو 50 إلى 60 % إلى العلاج بالخرافات .



ويظهر الاكتئاب الموسمي في المجتمعات الغربية شتاءً و يجيء في شكل رغبة في الانعزال والحزن مع ميل شديد للأطعمة الغنية بالدهون والكربوهيدرات. وأسبابه غير معروفة، وننصح الشخص المعرض للإصابة أن يأخذ قسطًا وافيًا من أشعة الشمس في الفترات السابقة على الغروب، ونجد الشركات هناك تبيع أجهزة تشتمل على لوحات كهربائية تصدر أشعة ضوئية مماثلة للشمس فيتمكن الفرد من البقاء معرضًا لها خلال المساء.



كما يوجد نوع من الاكتئاب يعقب الولادة عند السيدات وعادة ما تظهر أعراضه بعد حوالي الأسبوعين من الولادة
ويختلف التعبير عن الكآبة باختلاف اﻟمجتمعات. ففي الغرب يغلب التعبير عن الأحاسيس المرتبطة بالذنب ولوم النفس بينما تغلب الشكاوى الجسمية والعضوية في اﻟمجتمعات العربية، ومن ثم فإن المريض في مجتمع عربي كمصر يلجأ بداية للطبيب البشري شاكيًا من الآلام البدنية أو اضطرابات النوم والشهية أو فقدان الرغبة الجنسية. مما يدفعنا للقول بأهمية الوعي الطبي والنفسي بالطبيعة الخداعية للأمراض النفسية علما بأن كارثية الاكتئاب تأتي من كونه مسببًا لأكثر الأمراض العضوية فهو السبب المباشر لمعظم الأمراض التي تتعلق بالمناعة الذاتية للجسم كالأورام السرطانية والسكر وضغط الدم وأمراض الكبد والإعاقة الذهنية