تحتل إشكالية العلاقة بين الدين والدولة مكانة هامة في
مجال التفكير والبحث العلمي، مما يثير مجموعة من الأسئلة: هل ثمة ضرورة
لعلاقة ما بين الدين والدولة ؟ وإذا كان الجواب بنعم كيف تكون ؟ وما هي
تجلياتها ومحدداتها وحدودها وإيجابياتها وسلبياتها ؟ وأية سلطة ستنشأ يساهم
فيها الإسلاميون، وبالتالي أية ديمقراطية ؟ وما مدى قدرتهم ورغبتهم في
احترام الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ؟ هل يكون الإسلام قابلاً للمواءمة مع
الحداثة السياسية ؟ هل يعترف الإسلاميون بأنّ ليس في الإسلام كل ما نحتاج
إليه، بل أنه يحتاج إلى ما نحن فيه وما ننتجه وما نبدعه وما ننجزه ؟ هل يعي
الإسلاميون أنّ الدين يلزم ألا يكون مصدراً لمشاكلنا ومعقِّداً لقضايانا ؟
ما الذي تريده حركات الإسلام السياسي ؟ ما الذي تسعى إلى تحقيقه على صعيد
ماهية الدولة والمواطنة وطبيعة الحكم ؟
وفي سياق هذه التساؤلات يجدر بنا أن نعلم أنّ الفيلسوف الألماني هابرماس قد أطلق على المجتمعات الغربية عبارة " المجتمعات ما بعد العلمانية "، حيث أوضح أنه لم يعد من الممكن إقصاء الدين من الحوار العمومي حول القيم المدنية الضابطة للشأن الجماعي. إنها العودة إلى مشروع كانط في كتابه المثير " الدين في حدود العقل "، حيث ذهب الفيلسوف الألماني الكبير إلى الدعوة للفصل بين الجانب الوضعي في الدين (المنظومة العقدية) والمضمون القيمي والأخلاقي الذي يمكن أن يكون مادة ثرية للتعقل ومصدراً لا غنى عنه لتوطيد الواجب الأخلاقي.
كما أنّ التساؤلات السابقة تفترض دراسة معطيات الواقع الاجتماعي – الثقافي – السياسي في العالم العربي، فرغم أنني من أنصار الدولة العلمانية القائمة على أسس الديمقراطية الحديثة ومبادئها في الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان والمواطنة، إلا أنّ واقع صعود التيارات الإسلامية السياسية في عالمنا العربي يفرض عليَّ، انطلاقا من موضوعية قراءاتي للتحولات الاجتماعية والسياسية، ومن انخراطي في شجون الشأن السوري والعربي العام، ضرورة دراسة هذا الواقع والاهتمام بتطوراته الإيجابية والسلبية والمساهمة في ترشيدها.
إنّ الحالة الإسلامية، سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، هي جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي العربي، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل البعض، كما لا يفترض بهذه الحالة الإسلامية أن تقدم نفسها على أنها الحل الأوحد والحاكم الوحيد وأنها لا تستطيع أن تحكم إلا بمفردها. كما أنّ أسطورة التعاطي مع الإسلاميين كتيارات دينية وأيديولوجية جامدة من دون النظر إليهم كحركات اجتماعية أو قوى سياسية تؤثر وتتأثر بما يدور حولها، يحرمنا من إمكانية استشراف مستقبل هذه الظاهرة وقراءة تحولاتها المستمرة.
فلربما كانت الشعوب العربية، بفعل ثوراتها، تمتحن فكرة مفادها أنّ الإسلام السياسي قد يكون أكثر قابلية من التيارات الفكرية والسياسية الأخرى للتعايش مع الديمقراطية. وإذا كان للفرضية هذه نصيب من الصحة، أمكن أن نتوقع واحداً من اثنين: إما أن يتغير الإسلاميون في اتجاه تبنّي الديمقراطية، أو أن تطويهم الديمقراطية تلك. خاصة وأنّ تاريخ الفكر السياسي الإسلامي اتسم بالفقر والتسطيح، حيث انشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة. بل أنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية حمل كثيراً من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدراً كبيراً من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل.
فقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنّ هنالك أزمة بنيوية للفكر والخبرة الإسلامية في تحديد خطوط الاتصال والانفصال بين الدين والدولة. مما يطرح مجموعة عناصر، من أهمها:
- الحاكمية في مواجهة الأمة، باعتبارها الوعاء الذي ينتظم في إطاره الأفراد، ويتآلفون في كنفه على " تقوى الله والإيمان بـه ". ويحيل هذا المفهوم للأمة على أسئلة مركزية، في سياق النظر في علاقة الحركات الإسلامية بالمجال السياسي، لعل أبرزها معيار الانتماء لديها: هل هو عَقَدي ديني محض ؟ أم سياسي ؟ أم ثقافي قيمي ؟ أم كل هذه العناصر مجتمعة وإن اختلف ترتيبها في سلم الأهمية ؟
– الدولة المدنية، حيث تظل الأسئلة الأساسية التي يثيرها الحديث عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية بلا إجابة، ومنها: كيف يتم تجسيد المرجعية عملياً ومؤسساتياً، ومن يعبر عنها وكيف ؟
إنّ التحدي الكبير الذي يواجهه الإسلاميون يتجسد في مفهوم المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أي معطى آخر: ديني، أو طائفي، أو قومي، أو سواه، وبالتالي موقفهم من العلمانية، باعتبارها ليست ديناً ينافس الإسلام على الوجود والأتباع، ولا فلسفة تعادي الدين ولا تعادي المسلمين، وإنما هي فلسفة في فهم الإنسان نفسه بحرية وعقل أولاً، وفلسفة في فهم الناس مقوّمات الدنيا التي يعيشون فيها علمياً ثانياً. مما يستوجب التساؤل: هل يمكن بناء نوع من " العلمانية المؤمنة " في مجالنا المعرفي العربي – الإسلامي ؟ وهل يقبل الإسلام العلمنة كآلية إجرائية ؟ وهل تقبل العلمنة الإسلام كدين دنيوي له دور اجتماعي وسياسي ؟
وفي سياق هذه التساؤلات يجدر بنا أن نعلم أنّ الفيلسوف الألماني هابرماس قد أطلق على المجتمعات الغربية عبارة " المجتمعات ما بعد العلمانية "، حيث أوضح أنه لم يعد من الممكن إقصاء الدين من الحوار العمومي حول القيم المدنية الضابطة للشأن الجماعي. إنها العودة إلى مشروع كانط في كتابه المثير " الدين في حدود العقل "، حيث ذهب الفيلسوف الألماني الكبير إلى الدعوة للفصل بين الجانب الوضعي في الدين (المنظومة العقدية) والمضمون القيمي والأخلاقي الذي يمكن أن يكون مادة ثرية للتعقل ومصدراً لا غنى عنه لتوطيد الواجب الأخلاقي.
كما أنّ التساؤلات السابقة تفترض دراسة معطيات الواقع الاجتماعي – الثقافي – السياسي في العالم العربي، فرغم أنني من أنصار الدولة العلمانية القائمة على أسس الديمقراطية الحديثة ومبادئها في الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان والمواطنة، إلا أنّ واقع صعود التيارات الإسلامية السياسية في عالمنا العربي يفرض عليَّ، انطلاقا من موضوعية قراءاتي للتحولات الاجتماعية والسياسية، ومن انخراطي في شجون الشأن السوري والعربي العام، ضرورة دراسة هذا الواقع والاهتمام بتطوراته الإيجابية والسلبية والمساهمة في ترشيدها.
إنّ الحالة الإسلامية، سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، هي جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي العربي، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل البعض، كما لا يفترض بهذه الحالة الإسلامية أن تقدم نفسها على أنها الحل الأوحد والحاكم الوحيد وأنها لا تستطيع أن تحكم إلا بمفردها. كما أنّ أسطورة التعاطي مع الإسلاميين كتيارات دينية وأيديولوجية جامدة من دون النظر إليهم كحركات اجتماعية أو قوى سياسية تؤثر وتتأثر بما يدور حولها، يحرمنا من إمكانية استشراف مستقبل هذه الظاهرة وقراءة تحولاتها المستمرة.
فلربما كانت الشعوب العربية، بفعل ثوراتها، تمتحن فكرة مفادها أنّ الإسلام السياسي قد يكون أكثر قابلية من التيارات الفكرية والسياسية الأخرى للتعايش مع الديمقراطية. وإذا كان للفرضية هذه نصيب من الصحة، أمكن أن نتوقع واحداً من اثنين: إما أن يتغير الإسلاميون في اتجاه تبنّي الديمقراطية، أو أن تطويهم الديمقراطية تلك. خاصة وأنّ تاريخ الفكر السياسي الإسلامي اتسم بالفقر والتسطيح، حيث انشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة. بل أنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية حمل كثيراً من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدراً كبيراً من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل.
فقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنّ هنالك أزمة بنيوية للفكر والخبرة الإسلامية في تحديد خطوط الاتصال والانفصال بين الدين والدولة. مما يطرح مجموعة عناصر، من أهمها:
- الحاكمية في مواجهة الأمة، باعتبارها الوعاء الذي ينتظم في إطاره الأفراد، ويتآلفون في كنفه على " تقوى الله والإيمان بـه ". ويحيل هذا المفهوم للأمة على أسئلة مركزية، في سياق النظر في علاقة الحركات الإسلامية بالمجال السياسي، لعل أبرزها معيار الانتماء لديها: هل هو عَقَدي ديني محض ؟ أم سياسي ؟ أم ثقافي قيمي ؟ أم كل هذه العناصر مجتمعة وإن اختلف ترتيبها في سلم الأهمية ؟
– الدولة المدنية، حيث تظل الأسئلة الأساسية التي يثيرها الحديث عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية بلا إجابة، ومنها: كيف يتم تجسيد المرجعية عملياً ومؤسساتياً، ومن يعبر عنها وكيف ؟
إنّ التحدي الكبير الذي يواجهه الإسلاميون يتجسد في مفهوم المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أي معطى آخر: ديني، أو طائفي، أو قومي، أو سواه، وبالتالي موقفهم من العلمانية، باعتبارها ليست ديناً ينافس الإسلام على الوجود والأتباع، ولا فلسفة تعادي الدين ولا تعادي المسلمين، وإنما هي فلسفة في فهم الإنسان نفسه بحرية وعقل أولاً، وفلسفة في فهم الناس مقوّمات الدنيا التي يعيشون فيها علمياً ثانياً. مما يستوجب التساؤل: هل يمكن بناء نوع من " العلمانية المؤمنة " في مجالنا المعرفي العربي – الإسلامي ؟ وهل يقبل الإسلام العلمنة كآلية إجرائية ؟ وهل تقبل العلمنة الإسلام كدين دنيوي له دور اجتماعي وسياسي ؟