صيغة مختلفة لسورة الفاتحة

د.آرثر جيفِري (بروفيسور في اللغات الساميّة, معهد الدراسات الشرقية, القاهرة)
إن السورة الأولى من القرآن تحمل في صورتها الدليل على أنها لم تكن في الأصل جزءا من النص, بل دعاء قد ألف لأجل أن يوضع في بداية المصحف المجموع, ولكي يتلى قبل قراءة الكتاب, وهي عادة نجدها غير غريبة إن نظرنا إلى الكتب المقدسة الأخرى للشرق الأدنى. إن الأسلوب القرآني, من بداية القرآن إلى نهايته, يصور الله مخاطبا الإنسان, كما هو معروف جيدا . إلا أنه في الفاتحة نجد أن الإنسان يخاطب الله, والتفسير الشائع الذي يقول أنه يجب أن تفهم كلمة "قل!" في بدايتها هو , وبشكل واضح, ناتجا عن الرغبة في جعل هذه السورة منسجمة مع أسلوب باقي القرآن. بالإضافة إلى ذلك, فإننا عندما نفحص السورة, نجدها , بشكل أو بآخر, مختارات من الاأفكار والتعابير المأخوذة من أجزاء أخرى من القرآن. بالطبع, إن من المحتمل أنها كدعاء قد صيغت من قبل النبي نفسه, إلا أن استخدامها وموقعها في قرآننا الحالي يعود إلى الجامعين, الذين وضعوها هناك, ربما على الصفحة الواقية (البيضاء في أول الكتاب. المترجم) من المخطوطة القياسية. إن تقسيمها إلى سبع آيات حسب التقليد الإسلامي "القويم" قد أسس للفكرة التي تقول أنها ألفت كنظير إسلامي للصلاة الربانية (صلاة "أبانا الذي في السماوات" المسيحية,  المترجم).




 لقد لوحظت الطبيعة المميزة للفاتحة من قبل الباحثين الغربيين(1) منذ نولدكه فما بعده, إلا أنه ليس رأيا غربيا معاديا فحسب, لأن فخر الدين الرازي(2) قد ذكرأن أبي بكر الأصم (313)(مصدر3) كان يقول أنه لا يعتبرها (الفاتحة) جزءا من القرآن ويبدو أن أقدم التفاسير تبدأ بسورة البقرة. إن من المعروف أيضا أن الفاتحة لم تضم إلى مخطوطة ابن مسعود(4). ويقال أن بعض المخطوطات الكوفية المبكرة للقرآن قد وجد أنها تستهل بالسورة الثانية, وأنها إن كانت تحتوي الفاتحة فإنها توجد في النهاية فقط, إلا أنني لم أرى إطلاقا مثالا على ذلك.
إذن  يجب علينا  أن لا نتفاجأ إن وصلتنا سورة الفاتحة بأشكال مختلفة نوعا ما. أحد هذه الأشكال المختلفة قد تناقلته المصادر الشيعية لفتارة طويلة. ففي كتاب "تذكرة الأئمة" لمحمد باقر المجلسي (طبعة طهران, 1331, ص. 18) نجد:

نُحَمِّدُ اللهَ ربَّ العالَمِينَ* الرَحمَنَ الرَحِيمًَ* مَلَّكَ يَوْمَ الدِينِ* هَيَّاكَ نَعْبُدُ وُوَيّاكَ نَستَعِينُ* تُرْشِدُ  سَبِيلَ المُسْتَقِيمِ* سَبِيلَ الذينَ نَعَّمتَ عَلَيهِمْ* سِوى المَغْضُوبِ عَلَيهِم ولا الضَالِينَ*

لقد صادفت في الصيف الماضي في القاهرة نسخة مختلفة بشكل مشابه. لقد كانت موجودة في كتيب في الفقه, كانت بدايته مفقودة, للأسف, لذلك ليس بإمكاننا أن نعرف اسم المؤلف. إنه مختصر غير مهم لفقه الشافعي, قد كتب قبل حوالي مائة وخمسين عاما, أو قبل ذلك بقليل, إن كان من الممكن أن نغامر فنحكم بذلك اعتمادا على طبيعة الخط,, وذلك خط النسخ, وقد كتبت النسخة المختلفة على الغلاف الداخلي تحت عنوان" قراءة شاذة للفاتحة." إن المحطوطة توجد في مجموعة شخصية, ومع أن المالك كان راغبا في السماح لي بنسخ العبارة, واستخدامها إن وجدت ذلك ملائما, فقد كان غير راغب في أن يُفصح عن اسمه, لئلا واجه خلافا مع جيرانه المحافضين دينيا لكونه قد سمح لشخص غير مؤمن بأن يرى مثل هذه النسخة غير الشرعية من السورة الإفتتاحية لكتابهم المقدس.لقد صادفت في الصيف الماضي في القاهرة نسخة مختلفة بشكل مشابه. لقد كانت موجودة في كتيب في الفقه, كانت بدايته مفقودة, للأسف, لذلك ليس بإمكاننا أن نعرف اسم المؤلف. إنه مختصر غير مهم لفقه الشافعي, قد كتب قبل حوالي مائة وخمسين عاما, أو قبل ذلك بقليل, إن كان من الممكن أن نغامر فنحكم بذلك اعتمادا على طبيعة الخط,, وذلك خط النسخ, وقد كتبت النسخة المختلفة على الغلاف الداخلي تحت عنوان" قراءة شاذة للفاتحة." إن المحطوطة توجد في مجموعة شخصية, ومع أن المالك كان راغبا في السماح لي بنسخ العبارة, واستخدامها إن وجدت ذلك ملائما, فقد كان غير راغب في أن يُفصح عن اسمه, لئلا واجه خلافا مع جيرانه المحافضين دينيا لكونه قد سمح لشخص غير مؤمن بأن يرى مثل هذه النسخة غير الشرعية من السورة الإفتتاحية لكتابهم المقدس.

إن نص هذه النسخة المختلفة فيه تشابه مع نص النسخة المذكورة آنفا, حيث يقول:

بِسْمِ الله الرَحمنِ الرَحِيمِ* الحَمْدُ للهِ سَيِّدِ العالَمِينَ* الرزّاقِ الرَحِيمِ* إنَّ لكَ نَعبُدُ وَإنَّ لكَ نَسْتَعِينُ* أرْشِدنا سَبِيلَ المُسْتَقِيمِ* سَبِيلَ الذِينَ مَنَنتَ عَلَيهِمْ* سِوى المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وغَيرِ الضالّينِ*

تحت النص نجد العبارة التالية: "رواية أبي الفتح الجبّعي عن شيخه السوسي النهرزواني عن أبي سعدة الميداني عن المرزباني عن الخليل بن أحمد"
سنلاحظ بقرائتنا النصين: أن استبدال "سيد" ب "رب" هو مجرد حالة من استبدال بمرادف, لقد استخدمت كلمة سيد في سورة يوسف: 25 للدلالة على سيد يوسف في مصر, وفي سورة آل عمران: 39 للدلالة على يوحنا المعمدان, والذي وصف بأنه سيد, وحصور, ونبي, واستخدمت الكلمة بالجمع في سورة الأحزاب: 67 للدلالة على الرؤساء الذين اتبعهم الكفارفضلوا. إلا أنها لم تستخدم للدلالة على الله.
"الرزاق." قد ذكرت كاسم من أسماء الله في الذاريات: 58 "إن الله هو الرزاق."
"مَلَّك." هي قراءة تنسب إلى القاريء الكوفي الثالث من بين القرّاء اليبعة, وهو القيسي (180), أنظر كتاب "روح المعاني" للآلوسي, الجزء الأول, ص. 78 و "البحر" لأبي حيان, الجزء الأول, ص. 20. من المثير للاهتمام أن كلا النصين المختلفين يتفقان في هذه القراءة. ربما تكون "مَلَّك" أكثر دقة من تركيزا من الأشكال البديلة مَلِك, مالِك, مَليك, والتي يعتبر الأولان منها الأكثرثبوتا, والثاني هو القراءة المقبولة.
"إن لك."  إن هذه الكلمة, بالإضافة إلى هِياك, ووِياك, وأياك, وإياك التي تعتبر القراءة المقبولة, تبدوا كلها محاولات مستقلة لتفسير الصيغة الهيكلية غير المشكلة أوالمنقطة التي كانت في المخطوطة الأصلية. إن هَياك وهِياك كانت قراءة أبي السوار الغنوي (180) وأبي المتوكل (102), وقرئت "وِياك" و"وَياك" من قبل رجاء (105).
"أرشدنا" تعني نفس ما تعنيه كلمة "إهدنا" في القراءة المقبولة وكانت قراءة مخطوطة ابن مسعود (الزمخشري, وابن خالويه ص. 1),إن صيغة الأمر هذه لا توجد في مكان آخر من القرآن, إلا أن أشكالا أخرى من الجذر استخدمت بشكل شائع, والشكل الشيعي المختلف قد استخدم النوع غير التام من الشكل الرابع.
"سبيل" هي كلمة أكثر شيوعا من"صراط" المستخدمة في القراءة المقبولة, وهي أكثر استخداما بكثير في القرآن, بالرغم من أن كلا الكلمتين أجنبيتان, مقتبستان من الآرامية. إن اعتبار "سراطَ المستقيمِ," إضافة, حيث تعتبر "المستقيم" إسما لله, هو قراءة أُبي, وجعفرالصادق, وعبد الله بن عمر, لذلك فللتعبير شهادات مبكرة وجيدة لوجوده. إنها قراءة ممكنة ومناسبة, بالرغم من أن "مستقيم" ليس واحدا ن أسماء الله التسعة والتسعين. إن من المثير للاهتمام ورود تعبير "سراطَ المستقيمِ" في كلا النصين.
"مَنَنتَ" و "نَعَّمتَ" هما بديلان بسيطان استخدما كمرادفين لكون ذلك لا يؤثر على المعنى. إن الصيغة الرابعة من المصدر الثلاثي "نعم" هو أكثر استخداما من الصيغة الثانية, والتي استخدمت مرة واحدة في سورة: الفجر: 15, إلا أن "منَّ" التي تحمل نفس المعنى هي أكثر استخداما من ذلك.
"سوى" و"غير" هو استبدال مشابه مرادف, بالرغم من أن "سوى" لم تسنخدم في موضع آخر في القرآن.
"غير" بدل "لا" كانت قراءة عمر, وعلي, وأُبي, وابن الزبير, وعكرمة, والأسود من بين القراء المبكرين, وقد دعمت من قبل جعفر الصادق وزيد بن علي, لذلك فللكلمة الحق في أن يُدعى أنها القراءة الأصلية مدعومةَ من سلطان ذات مكانة. وهي لا تغير في المعنى.
يلاحظ أن معنى سورة الفاتحة هو نفس الشيء بالضبط سواء استحدمنا القراءة الأصلية أو أي من هذه القراءات المختلفة. ليس هنالك من سبب محدد للقراءات المختلفة. هي ليست تغييرات وجدت لصالح صياغة نحوية أكثر دقة أو من أجل الوضوح, كما أنها لا تحتوي على أي مغزى عقائدي. إنها فقط الصيغ المختلفة التي يتوقعها المرء خلال نقل دعاء قد حفظ في البدء بشكل شفهي , ومن ثم ثبّت عند جمع القرآن.
إن الصيغة المختلفة الثانية قد أتتنا عن طريق الخليل بن أحمد, والذي, باعتباره قارئا, كان منتميا إلى مدرسة البصرة بالرغم من ما يقال عن كونه قد أخذ الحروف من عاصم الكوفي وابن كثير المكي, من بين القراء السبعة, بل أنه قد ذكر أنه من نقل الصيغة المختلفة "غير" من ابن كثير (ابو حيان, "البحر", 298. ابن الجزري, "الطبقات,"ج. 1, ص 177, 275. ابن خالويه, ص. 1). إلا أنه قد عُرف أنه قد نقل عن عيسى بن عمر (149)(ابن خلكان, ج. 2, ص. 420) وأنه كان تلميذا لأيوب السختياني (131), وكان كلاهما بصريبن ومعروفين بنقل القراءات الشاذة. لذلك فمن المحتمل جدا أنه قد كان للخليل منفذ إلى تقليد قديم جدا في قراءة الفاتحة. لا استطيع الاستفادة من باقي الإسناد من الخليل إلى الجُبَّعي, ومن الممكن أن يكون بعد الخليل بكثير.