اهمية احلام اليقظة


الغالبية تنظر الى احلام اليقظة بطابع سلبي، الا ان الدراسات الجديدة اكتشفت اهمية فريدة لها. منذ ان يصبح الدماغ غير مضطر للتركيز على عملية محددة يبدأ بالنشاط في " احلام اليقظة". عندما يحدث ذلك، يجري تنشيط شبكة عصبية تقوم بإستهلاك طاقة اكبر من اي منطقة عصبية اخرى. هذه الشبكة يمكن ان تكون مفتاحا لعلاج العديد من الامراض.

نحن نعرف المشاعر التي تنشأ عندما تبدأ رحلتنا بين الافكار. من المحتمل ان نبدأ بالحلم عن العطلة الصيفية القادمة او حب بنت الجيران او الحلم بانك ناجح ومشهور. هذا الامر كما لو ان الدماغ في عطلة عمل يسبح مع الزمن. هذه الظاهرة تسمى " احلام اليقظة".

البروفيسور Giulio Tononi, من جامعة ويسكونسي الامريكية يصف الشبكة كأنها " قارة جديدة" في الدماغ واحد اكثر الاكتشافات اهمية في السنوات الاخيرة. شبكة احلام اليقظة وبالانكليزي تسمى "default network", ظهر انها تستهلك 30% طاقة اكثر من المناطق الاخرى في الدماغ.

احد المراكز الرئيسية في الدماغ هو منطقة ميديالا بريفرونتالا mediala prefrontala cortex, ويهتم بتثمين الامور والاحداث وتقديرها بناء على استنتاجات هرمية. اذا اراد الانسان ان يختار وصف يعتقد انه ينطبق عليه اكثر من بين عشرات الاوصاف، يقوم عندها بإستخدام هذا المركز. كل الشبكة مرتبطة بحميمية بمنطقة هيبوكامبوس وهو مركز الذاكرة الشخصية. هناك يجري تخزين الذاكرة التي تخص معايشاتنا الشخصية مثلا الاماكن التي تعودنا الذهاب اليها او الرياضة التي نمارسها. على هذه الخلفية يستنتج باحث الاعصاب ماركوس ريتشله Marcus Raichle, من جامعة واشنطن، ان هذه المنطقة تتنشط عندما نقوم بالتفكير في انفسنا.



هذه الامر نقوم به غالبا. البسيكولوجية مايلا ماسون Maila Mason, من جانعة كولومبيا في نيويورك لاحظت ان الانسان يتوجه بسرعة نحو احلام اليقظة. هي وزملائها تابعوا نشاطات الدماغ عند 19 شخص، في تجربة ، على مدى اربعة ايام مستمرة تدربوا على تذكر الامور ذاتها، ولذلك في النهاية كانوا قادرين على اطلاق هذه الذكريات بدون ان يحتاجوا للتركيز بشكل استثنائي بالمهمة. لهذا السبب، بدؤا فيما بعد بالدخول في مرحلة حلم اليقظة، كما ذكروا للباحثين عند الاجابة على التساؤلات الجارية عن الامور التي يفكرون بها. في اليوم الخامس من التجربة كان عليهم حل المهمات في الوقت الذي يكونوا فيه مستلقين تحت جهاز تصوير الدماغ. في الصورة كان يمكن رؤية ان شبكة احلام اليقظة كانت منشطة في كل مرة يترك فيها شخص التجربة افكاره تنطلق على هواها. فقط عندما تقدم مهمات صعبة تضعف مؤشرات عمل شبكة احلام اليقظة.

احلام اليقظة يمكن ان يكون لها العديد من الوظائف. احدى هذه الوظائف ان تزود الدماغ بالجاهزية "standby", بحيث يكون على الدوام جاهزا لحل المعضلات. نظرية اخرى تقول، ان الانسان، ومن خلال ترك الدماغ في وتيرة عمل دائمة، يخلقون روابط بين الماضي والحاضر والمستقبل. هذا الامر منطقي، إذ ان القدرة على التعلم من الماضي له اهمية حاسمة لمعرفة ماسنفعله في المستقبل كعملية مركزية في مسيرة التطور الدائم للانسان.

احلام اليقظة ظهر ايضا انها تنشأ على الفور بعد الولادة. كل الامور تؤشر الى انها تملك اهمية مركزية لوظائف الدماغ، إذ وحتى لدى الانسان والقرود المخدرة نجد ان هذه الوظيفة تبقى نشيطة.

الباحثة المختصة بالدماغ Jessica Andrews-Hanna, وزملائها من جامعة هافارد توصلوا الى ان احد الاسباب لكون قوانا العقلية تضعف مع التقدم بالعمر هو خفوت قدرات شبكة احلام اليقظة على التواصل مع بعضها. الباحثين قاموا بمقارنة نشاط الشبكة بين مجموعتين من المشاركين من الكبار واليافعين. لقد ظهر ان التواصل بين اطراف الشبكة منخفض للغاية عند ، تقريبا، نصف المشاركين الكبار. اكبر انخفاض في التواصل كان بين شبكة احلام اليقظة والمنظومة التي تجعل من السهل علينا ان نركز على انجاز المهمات. كلا المنظومتين ، عادة، تكونا نشيطتين في فترات زمنية مختلفة، ولكن العديد من ادمغة الكبار تفقد القدرة على التحكم بمتى والى اي فترة ستستمر بأحلام اليقظة. جسيكا تشير الى انه من الهام للغاية استخدام شبكة احلام اليقظة في اللحظات المناسبة، وعندما نحتاج الى التركيز يجب ان تكون لدينا القدرة على ذلك. هذه المسألة حيوية للغاية.



على خلفية ان احلام اليقظة تأخذ مساحة طاغية من يومنا، لذلك ليس من الغريب انها تلعب دورا رئيسيا في عدد من الامراض، ومنها الزيهيمير. عند المصابين بالزهيمير تنشأ تغييرات في جزيئات البروتين تجعله يتكور على بعضه، وهذا الامر يؤدي الى تخريب قدرة الدماغ على التواصل، بما فيه في منطقة شبكة احلام اليقظة.

وحتى الاشخاص الذين يعانون من الاوتيزم لديهم مشاكل في منطقة شبكة احلام اليقظة. المصابين بالاوتيزم Autism, لاتنشأ عندهم احلام يقظة عندما تكون الدماغ في فترة راحة. البسيكولوجي Daniel Kennedy من جامعة كاليفورنيا يعتقد ان هذا من الاسباب للاصابة بالمرض. تجاربه اجراها على 15 شخص سليم ومثلهم من المصابين بالاوتيزم. هؤلاء قاموا بالانتقال بين فترات من الراحة وفترات من حساب عمليات بسيطة، في ذات الوقت الذي كان يجري تصوير دماغهم. الاصحاء تحولوا الى احلام اليقظة في لحظات الاستراحة، في حين ان المصابين استمروا بالتركيز حتى في فترات الراحة. ذلك يعني ان دماغ المصابين بالاوتيزم لايحصل على فرصة لمعالجة المشاعر وتقديم الانعكاسات والتفاعل حول المعايشات.

لهذا السبب، فإن وضع خارطة حول شبكة احلام اليقظة لاتعطينا فقط معلومات عن طربقة عمل الدماغ، وانما ، وعلى المدى الطويل، يمكن ان تكون دليلنا لانتاج وسائل معالجة جديدة للامراض المستعصية.


مصادر:
موقع الذاكرة