ماذا تعرف عن المنطق

يقول توماس باين: "الحوار مع من تخلّوا عن إستخدام العقل هو مثل محاولة إعطاء الدّواء للموتى"

ما يجلب إنتباهي في تساؤلات وتعاليق بعض المسلمين هو أنّها تعكس خلطا بين المنطق والسّفسطائيّة. وهو حسب رأي السّبب الذّي يجعل الحوار بين اللاّديني والمسلم عموما عقيما حيث لا تصل بعض الأفكار التّي نطرحها مهما كانت منطقيّة لتعذّر فهمها على كلّ من لا يتعامل بالمنطق. وبالمقابل نجد المتديّن يردّ بأفكار تقوم على قياسات فاسدة أو فيها تعميم أو حصر خاطئ.

وسأتناول في هذا المقال كوكتال لبعض الأمثلة الأكثر شيوعا.


-1- "تقدّم المسلمين في الأندلس في العصور الوسطى هو دليل على أنّ الإسلام هو دين الحقّ"

هنا محاولة إستنتاج وتعميم غير منطقيّة، فهل تقدّم الإغريق القدامى والمصريّين القدامى دليل على أنّ دينهم هو دين الحقّ و أنّ زوس أو حورس آلهة حكيمة؟ وهل إنتصار الصّليبيّين على المسلمين لاحقا وطردهم من الأندلس دليل على أنّ دينهم هو دين الحقّ؟


على مرّ العصور تواجدت أمم متقدّمة تختلف عقائدها وآلهتها لذلك لا يمكن إعتماد الوضع الإقتصادي وحده كبرهان على صحّة الأديان أو خطئها. ثمّ لو إعتمدنا الوضع الإقتصادي وحده كبرهان على صحّة الأديان يمكن إعتمادا على نفس المنطق القول بأنّ الإسلام دين فاشل وغير صالح لكلّ زمان ومكان لضعف المسلمين منذ قرون وتخلّفهم عن الحضارة وتبعيّتهم الإقتصاديّة.

كلّ هذه قياسات محدودة بين أمم في عصور كان الحكم فيها بين أيدي رجال الدّين بينما عندما نقارن اليوم الأمم العلمانيّة والأمم التّي يحكمها رجال الدّين نرى بوضوح التفوّق الإقتصادي للعلمانيّة على الدّين.


-2- "سبب إنحطاط المسلمين هو إبتعادهم عن الإسلام"

أوّلا لماذا إختار مليار شخص الإبتعاد عن الإسلام وتعاليمه؟ ألا يدلّ هذا على إتّفاقهم جميعا على عدم صلوحيّته في الزمن الحالي وعدم توافقه مع متطلّبات عصرهم؟

ثانيا، عن أيّ إسلام يتحدّث القائل؟ السنّي أو الشّيعي أو القدياني أو...؟ وعن أيّ طائفة بالظّبط ؟ وعن أيّ مذهب بالظّبط ؟

ثالثا، لماذا لا نجد اليابان والسويد وسويسرا مثلا منحطّين بالرّغم من أنّهم مبتعدون أكثر عن الإسلام؟

رابعا، من يطّلع على تاريخ الإسلام يجد أنّ تطوّره الإقتصادي كان ناتجا عن التوسّع بالغزوات وأن أبرز العلماء آنذاك ليسوا مسلمين (على سبيل الذّكر لا الحصر نجد زنادقة وكفّار مثل إبن سينا والفارابي وإبن رشد وإبن حيّان والخوارزمي وإبن الرّواندي وإبن طفيل والرّازي ...)


-3- "الإعجاز العلمي دليل على صحّة الإسلام"

أوّلا، أيّ إعجاز؟ كلّ ما نراه هو تحريف لتفاسير الآيات المتّفق عليها منذ 1400 سنة وتبديلها عن طريق تلاعب بالألفاظ وتقديم أنصاف الحقائق فقط لتظهر وكأنّها تتوافق مع ما توصّل إليه العلماء الكفّار عن جدارة بعد سهر اللّيالي في البحث والتجربة.

دعات الإعجاز ينتقون من العلم ما يريدون وينكرون ما يريدون، أي أنّ كلّ ما يتوصّل إليه العلم ممّا لا يتوافق مع نصوصهم ويثبت خطأها مثل نظريّة التّطوّر يصبح مدرجا ضمن المؤامرة الكونيّة ضدّ الإسلام.

التّطوّر شيئ مثبت و تشير إليه كل الأدلّة من شتّى العلوم من علم اللّغة إلى علم الحيوان إلى علم الجيولوجيا إلى علم الأحياء التّطوري الخ ومع ذلك ينكرون كلّ تلك الأحافير وكلّ تلك العلوم التي أفنى مئات العلماء أنفسهم في البحث والتمحيص والفحص ثم يأتون ببساطة ويقولون لا غير صحيح! ولماذا؟ لأجل إيمان أعمى بنصوص قديمة.

وينتقون كذلك أنصاف الحقائق التّي تتوافق مع إدّعاءاتهم ويتناسون نصفها الآخر، فنراهم يدّعون مثلا أنّ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) [الأنبياء: 30] تعني بداية الكون عند البيغ بانغ! لكنّهم يخفون حقيقة أنّ الأرض تكوّنت بعد 10 مليارات سنة بعد البيغ بانغ ولم تكن موجودة قبل ذلك... لكنّ مثل هذه الإدّعاءات تجد رواجا عند البسطاء المستغفلين في المجتمعات الغير مثقّفة والغير مطّلعة على العلوم.

ثانيا، إدّعاءات الإعجاز هي محاولات تهريج يائسة لإبعاد الإنتباه عن كلّ الأخطاء الواضحة في القرآن والأحاديث والتّي يظنّ قائلها أنّ الأرض مسطّحة وأنّ السّماء مرفوعة فوقها رغم أنّ الأرض توجد في فراغ الكون مثل باقي الأجرام وأنّه لا يوجد اي شيء اسمه سماء وما نراه ازرق هو بسبب انكسار الضوء على الغلاف الجوي لان اللون الازرق هو ذو الموجة الاقصر، وأنّ الشّهب رجوم للعفاريت رغم أنّها ناتجة عن إحتكاك النّيازك بالغلاف الجوّي للأرض، وأنّ تعاقب الفصول ناتج عن كون النّار لها نفسان واحدة في الصّيف وواحدة في الشّتاء رغم أن الكرة الأرضية تشهد الفصلين في نفس الوقت، وأنّ الرّعد ناتج عن مخاريق عفريت رغم أنّه ناتج عن الإرتفاع الشّديد للحرارة والظّغط والذّي يجعل الهواء المحيط يتمدّد ويصدر موجة صوتيّة، وأنّ الآلهة تنزل في ثلث الليل رغم أنّ اللّيل يدوم طول الوقت على الأرض، و أنّ الأمراض لا تنتقل بالعدوى رغم وجود الفيروسات، وأنّ التّفكير يقع في القلب ، وأنّ الكون تكوّن في ستّة أيّام رغم أنّه تكوّن في 15 مليار سنة، وأنّ النّجوم تكوّنت بعد الأرض كزينة في السّماء رغم أنّ الأرض نفسها متكوّنة من بقايا نجوم، وأنّ كوكب الزّهرة فاجرة ممسوخة وأنّ الشّمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب في بركة طين، وأنّ الحيوانات وجدت فجأة مسخّرة لبني رجل وضلعه بالرّغم من أن جميعهم تطوّروا عن سلف مشترك .. الخ.

أليس وجود خطأ واحد دليل على بشريّة دين ما؟؟ هل بلغ الإفلاس بالمتديّنين إلى درجة التعلّق بإدّعاءات إعجاز أمام كلّ هذه الأخطاء وغيرها؟


-4- "الدّول المتقدّمة مثل أمريكا وإسرائيل فيها نسبة عالية من المتديّنين، يعني الدّين ليس سبب التّخلّف"

هذه الدّول وغيرها تقدّمت بعد إقصاء الدّين عن ساحة القرار السّياسي والإجتماعي. هي دول تضمن حقوق جميع الأفراد مهما كانت إتّجاهاتهم الفكريّة لكنّ قوانينها مبنيّة على العقل وليس على أحكام الدّين والخرافة. الدّول لا تحتاج أن يترك 100% من أفرادها الخرافات لكي تتطوّر بل يكفي أن تكون هناك أقليّة تمارس التّفكير الحرّ دون قيود دينيّة و تكفير وإقامة حدود على الزّندقة. 97% من علماء الأكاديميّة العلميّة الأمريكيّة لادينيّون ولا أحد يستطيع التّهجّم عليهم وقتلهم أو نفيهم بحجّة أنّ نتائج أبحاثهم لا تتوافق مع نصوص دينه، مثلما وقع نفي ابن رشد من قرطبة بعد اتّهامه بالزّندقة.

يقول بعض المسلمين كذلك للاّدينيّين: "إن كنتم فعلا متنوّرين ومفكّرين لماذا تكتفون بترديد ما توصّل له الغرب ولا نجدكم تقدّمون أبحاثا علميّة وإختراعات "

أوّلا تصميم وتركيب طائرة أو ساتيلايت لا يتم في 24 ساعة بل يتوجّب تواجد مؤسّسات علميّة تجمع الأبحاث وتكوّن أجيال من الباحثين في عديد المجالات كما يتوجّب حريّة بفصل العلم عن سلطة المؤسّسات الدّينيّة وكلّ هذا منعدم في مجتمعاتنا التّي ترفع من شأن الشّيوخ الأمّيين الغير مثقّفين وتقدّس الخرافة و الدّجّالين وتحطّ من شأن العلماء والمفكّرين وتظطهدهم وتظطرّهم إلى الهروب إلى الغرب. أنا شخصيّا هاجرت إلى الغرب منذ سنوات ومع الأسف لو لم أفعل ذلك لما تسنّى لي القيام بالأبحاث التّي أقوم بها اليوم في جامعات غربيّة لأنّ المسلمين .

الاسلاميون يقتلون و يهجرون العالم و الطبيب و المهندس و الفنان و يرفعون من شان الذين لا يعرفون القراءة و الكتابة و يجعلوهم مدراء عامين او وزراء و اعضاء برلمان لانهم يدركون جيدا ان الاسلام لا يمكن ان يعيش في مجتمع متعلم و مثقف الاسلام بحاجة الى مجتمع متخلف كي يزدهر و ينمو

الدين أصبح عارا على المثقفين، نتحدّث اليوم عن السوبر نوفا وفيزياء الكم و أبعاد الكون بينما الإسلام يتحدّث عن الخيل والبغال والحمير زينة لكم, وأحكام حيض المرأة و ودعاء دخول الخلاء وإمرأة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنحكها... هذا هو الفرق بين عقليّات العلم وبين عقليات البدو.



-5- "لماذا تنقد الإسلام وتشتم الرّسول ولا تترك المسلمين في حالهم"

عندما تضيق الطّرق المنطقيّة بالمتديّن يلجأ لمثل هذه الإتّهامات كملاذ لمحاولة إخراس النّقد وقمع التّفكير.

أوّلا، النّقد ليس هجاء بل هو طريقة حضاريّة لكشف العيوب ومحاولة تجاوزها، عندما أقول أنّ النّازيّة فيها عيوب وتتاجر بمفاهيم عنصريّة وإرهابيّة لا تردّ عليّ بقول "لماذا تنقد النّازيّة وتشتم هتلر ولا تترك النّازيّين في حالهم".

ثانيا، الإحترام شيئ ندعوا إليه ونحن أوّل من يدعوا لضمان حقوق الأقلّيات، نحن ندعوا لفصل تجارة الدّين عن سياسة الدّولة لا كثر ولا أقل وللجميع الحقّ في الإعتقاد بما يشاؤون طالما ليس في ذلك دعوة للهجوم على غيرهم أو الإعتداء عليهم بعذر أنّ آلهتهم تسمح بذلك. الجميع سواسية أمام القانون. ولا تنسوا أنّ هذا النّظام هو ما سمح بضمان حقوق المسلمين خارج الدّول الإسلاميّة، فليس لأيّ أحد الحقّ أن لا يحترم منقّبة قي الغرب بدعوة أنّ دينها يخالف دينه، وطريف أنّ بعض المسلمين يعرضون عن البلدان التّي يحكمها الإسلام والشّريعة ويهرعون للغرب الذّي يظمن حقوقهم وفي نفس الوقت يرفضون إحترام غيرهم ويكفّرونهم ويهدرون دمائهم.

ثالثا، في ماذا سيفيد نقد الهندوس؟ هل سيؤثّر ذلك على مجتمعاتنا التّي يحكمها الدّجل والإرهاب الفكري والخرافة؟ نحن حاول إصلاح مجتمعاتنا ولا ندّعي إمتلاك الحقيقة المطلقة لكنّنا على الأقل نفكّر بجدّية وموضوعيّة في كلّ هذه الأمور ونحاول ترك العاطفة و التّعصّب.

نحن لا ننقد الأقوال والأفعال الجيّدة لمحمّد أو هتلر بل ننقد الجوانب الخطيرة لإيديولوجيّاتهم.


-6- "الإبتعاد عن الدّين سيكون سببا في تردّي الأخلاق"

هذه حجّة الشّيوخ الكلاسيكيّة لتخويف الأفراد من ترك القطيع والتّفكير الذّاتي.

أوّلا، الأخلاق ليست شيئا سحريّا يقذف من السّماء بل هي تعاملات متّفق عليها نابعة عن وعي وتحضّر، فالعاقل يعرف أنّ السّرقة والخيانة الزوجيّة والقتل وغيره هي أفعال شرّيرة يجب تجنّبها ولا يحتاج لترهيب بالغول أو الحرق لتجنّبها.

ثانيا، الأخلاق حسب الأديان تكون أحيانا عنصريّة لأنّها مبنيّة على العاطفة حيث أنّ اليهود هم الشعب المختار والمسلمون خير أمّة وبذلك يحقّ لهم إحتلال بلدان غيرهم وقتلهم وسبي نسائهم وإغتصاب بناتهم وبيع أولادهم في أسواق النّخاسة وكلّ هذا يعتبره المسلم شيئ أخلاقي ليس من باب العقل بل من باب العاطفة لأنّه يرى الأشياء من زاوية ضيّقة من قوقعته كمسلم فغيره لا يحق له فعل ذلك. بينما الأخلاق تتطوّر وتتحسّن بتطوّر المستوى الحضاري للبشر فإغتصاب القاصرات كان عادي بينما هو اليوم فعل مشين، كذلك إمتلاك البشر وبيعهم وشرائهم ونهبهم وقتلهم الخ.

ثالثا، لا يوجد دستور واحد يحرّض على القتل أو النّهب أو السّبي. والإحصائيّات تبيّن أنّ إنتشار الفساد أكثر في الدّول المتديّنة لنفاق أفرادها. المسلم يأمل في الغفران والحوريّات عن طريق الدّعاء أو الطّواف ببيت حجر مهما كانت الشّرور التّي يرتكبها بينما الذي هو مقتنع بأنّ شيئا ما سيئ لن يرتكبه، لذلك الدّين ليس رادع عن إرتكاب الشّرور.



-7- "أمريكا تحتلّ العراق وأفغانستان وتنهب ثرواتها وتغتصب بناتها وكذلك تفعل إسرائيل بفلسطين"

هذا ما يقوله بعض المسلمين لتبرير إحتلال محمّد لبلدان غيره ونهب ثرواتها وإغتصاب بناتها تخت راية الإسلام والجهاد في سبيل جنّة الدّعارة والخمر. وربّ عذر أقبح من ذنب، فالقائل كنّه يقول "جاري مجرم إذن لي الحقّ أن أكون مجرم" وهو مبدأ القطيع، تماما مثل قول "عدد المسلمين كبير إذن الإسلام صحيح" فالقائل لا يتجرّأ على قيس الأمور بموضوعيّة والتّفكير فيها بالعقل بل يكتفي بالبقاء في أمان القطيع لتبرير حاله دون أن يجهد نفسه في البحث.

نحن نرفض الإجرام سواء كان مصدره إسرائيل أو أمريكا أو محمد إبن عبد المطّلب أو غيره دون إستثناء ودون تعصّب وعنصريّة.


مع الأسف المسلم يخاف أنه لو استخدم عقله فسينتهي به المطاف في النار الأبدية و ينسب صوت العقل الى الشيطان، علما أن الاسلام هو أكثر الديانات ترهيبا و يتركز على عامل الخوف في دعوته.


"وأمّا من لم يعترف بالبديهيّات ويتخلّى عنها، فلا سبيل لإفهامه شيئا، فلا يستطيع الأعمى أن يعترف بوجود الصّور والألوان." (إبن رشد)