الله والتناقض المنطقي



الإله و التناقض


إن كل شيء موجود تربطه علاقات مع غيره من الموجودات و كذالك مع نفسه ، فتارة تكون هذه العلاقات علاقات محايثة و مرادفة و تارة علاقة تناقض و تارة علاقة تضاد ، و حديثنا عن علاقات التناقض و التضاد ، و لما كان لكل شيء علاقة مع كل شيء فإن احتمالية أن يناقض الشيء غيره و يناقض نفسه أيضا واردة ، فنشرع أولا و قبل كل شيء في إعطاء تعريف للتناقض ، و لأني متأكد من أن الكثيرين من القراء لا يحسبون الفرق بين التناقض و التضاد أمرا ذا أهمية فإني أجزم أن تعريف التناقض في مواضيع تناقشه هو أمر من الأهمية بما كان .
تكون القضيتان متناقضتان حينما تستلزم إحداهن كذب الأخرى ، فحين تكون بين يدينا قضيتان على شكل خبرين و الخبر الأول يقول * إن الشمس كروية * و الخبر الثاني يقول * إن الشمس مستطيل *فلا شك أن أحد الخبرين صحيح بينما الثاني خاطئ و هذا لأن الشمس لا يمكن أن تكون كروية و مستطيلة في آن واحد ، و هذا هو التناقض ببساطة ، أما أن تكون لدينا قضيتان متضادتان فهذا يعني أنه من الممكن أن تكونا كاذبتين أو خاطئتين معا بينما من المستحيل أن تكونا صحيحتين معا ، كمثال أن أقول * إن رئيس هولندا غبي * فتأتي قضية أخرى مضادة لها و فحواها * إن رئيس هولندا ذكي * فهنا لدينا قضيتين تضاد كل منهما الأخرى بحيث أن كل قضية تنفي الأخرى ، و الحق أنه ليس لهولندا رئيس غبي و لا ذكي بل هولندا مملكة تحكمها الملكة بياتريكس .
الآن و قد تجلى لنا الفرق البسيط و المهم بين التضاد و التناقض فإن الوقت حان لاستعراض بعض أشكال التناقض بين القضايا الموجودة تمهيدا لإلقائها على عاتق الإله . في القرن الخامس عشر أعاد كبرنيكوس إكتشاف مركزية الشمس بعد أن كان أسلافه اليونانيون قد أشاروا إلى الأمر ، فهز هذا الاكتشاف الأوساط الدينية و حركها كون الاكتشاف يناقض ما وُجد في الإنجيل و التي تنص بصراحة على أن الأرض هي المركز ، ففي هذه الحالة نملك قضيتين متناقضتين لأن إحداهما تنفي الأخرى و لا يمكن أن تكون الشمس مركزا و لا تكون مركزا في آن واحد فالواجب علينا إذن اختيار قضية واحدة . و لأن العلم الحديث قد أثبت مركزية الشمس و دعمه بالأدلة فإننا نختار أن ننفي نظرية الإنجيل و نأخذ بنظرية كبرنيكوس لتوافقها مع كشوفات العلم الحديث ، و أنا أثق في أن القارئ يملك ما يكفي من الذكاء بحيث لا يحتاج إلى القيام بجولة في الفضاء للتأكد . أما و قد توضح معنى التناقض أكثر فيمكننا الآن أن نتساءل عما إذا كان الله يقع في التنقض بدوره ؟
إن رجال الأديان بمختلف أديانهم و أزمنتهم كان هذا من أكثر الإشكالات التي أرقتهم ، فتجشؤوا ردودا لا تقبلها الفطرة السليمة و السجية السالمة عند أي كان إلا أننا نرى إقبالا عليها في أوساطها و أزمنتنا هذه ، فحين بدأ الإشكال بالظهور في أروبا أحس رجال الدين بالخوف و رد أحدهم و كان اسمه بيتر دميان و هو أحد علماء الطريقة الكلمادوليزية على معضلة تناقض الله مع نفسه قائلا ( إن الله لا يخضع لقانون التناقض و إنه يستطيع أن لا يفعل ما فعل ) ، و هذا في الواقع رد لا يستحق حتى محاولة مناقشته لأن استهزاء واضح بالعقول و مع ذالك فإن المسيحيين المتعطشين إلى أسباب تحبسهم في حظيرة الدين قد قبلوا بهذا الرد و رحبوا به ، و هذا رأي رفضه القديس توما الإكونيني لاحقا ، و الواقع أنه كما المسيحيون الذين يرون هذا الرد قويا متينا مدججا بالأدلة و الحجج كما المسلمون الذين يقتنعون بالناسخ و المنسوخ ، فحينما نقول لهم إن القرآن يقول بصراحة ( قلوب بها يعقلون ) فيبدأون بإدارة الدفة و تمزيق اللغة العربية و تشويه معانيها حتى تناسب مبغاهم ، و لمن يعرف الأسطورة الإغريقية بروكست التي تروي أن أحدا كان يقف على قارعة الطريق و يمسك بضحاياه فيضعهم على سريره فإذا كانوا أطول من السرير بُتِر ما زاد و إذا كانوا أقصر مُدِّدُوا , فأظنه سيجد تشابها كبيرا بين حال بروكست و حال المسلمين الردشبهاتيين ، ( نسبة إلى رد الشبهة ) . و الحق أن هذه الردود قد تبدو مضحكة جدا للمسيحيين بقدر ما يبدو رد بيتر دميان مضحكا لنا و كما قال أحد المتدينين الصادقين مع نفسه ( أنا أومن لأن ما أومن به غير معقول ) ، و لو كان ما يؤمن به معقولا لاكتفى بفهمه و إدراكه ، و لكي لا تجرح مشاعر المتدينين فإني أسمح لنفسي بالمرور إلى الجزء الأهم و الأخير .
لو طلبنا من الله أن يخلق حجرا يبلغ من الثقل وزنا لا يستطيع معه أن يرفعه فإنه و بحكم قدرته المطلقة يستطيع خلق هذا الحجر ، و باعتبار خلقه لهذا الحجر فإننا سنطالبه برفع هذا الحجر لأنه مطلق القدرة ، فنصبح الآن قبالة قضيتين متناقضتين بالمعنى الذي عرفنا به التناقض سابقا ، فإما أن يرفع الله ذاك الحجر أو لا يرفعه ، و القضية الأولى تنفي في حالة وقوعها القضية الثانية و العكس بالعكس ، فإذا رفع الله ذالك الحجر فإنه سيثبت أنه يستطيع حمل الحجر مهما بلغ وزنه و لكنه سيثبت أنه لا يستطيع أن يخلق حجرا لا يستطيع حمله و بالتالي ليس مطلق القدرة ، و إذا لم يستطع الله حمل ذالك الحجر فإنه سيثبت أنه يستطيع خلق حجر لا يستطيع حمله و لكنه سيثبت أيضا أنه لا يستطيع حمل الحجر و بالتالي ليس مطلق القدرة . هكذا نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية لا تفكها جملة ( إن قانون التناقض لا ينطبق على الله ) ، فالمشكلة الآن بافتراض وجود الله هي ماذا كان يعني الله بقوله إنه لقادر على كل شيء ؟ و أستطيع أن أقول بأن المتدينين، للخروج من المعضلة، سيعلنون أن كل شيء لا تعني كل شيء او ان هناك تناقضات منطقية لابد من استثنائها وتفصيل المنطق على قدر تصوراتهم عن الله .