جولة في تراث زنادقة الاسلام


 قال ابن الجوزي في تاريخه: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوَندي وأبو حيَّان التوحيدي وأبو العلاء المعري، وأشرّهم على الإسلام أبو حيَّان التوحيدي، لأنَّهما صرَّحا، وهو جَمْجَم .


ابن الراوندي

"وما رأيت من غير إبليس وزاد عليه في الجنون والتغفيل مثل أبي الحسين ابن الراوندي فإن له كتباً يزري فيها على الأنبياء عليهم السلام ويشتمهم، ثم عمل كتاباً يرد فيه على القرآن ويبين أن فيه لحناً، وقد علم أن هذا الكتاب العزيز قد عاداه خلق كثير ما فيهم من تعرض لذلك منه ولا قدر".

أخبار الحمقي والمغفلين – بن الجوزي

هو أحمد بن يحيى بن إسحاق ابن الراوندي أبو الحسين من أهل مرو الرّوذ. سكن بغداد وكان من متكلمي المعتزلة ثم فارقهم وصار ملحداً زنديقا. قال القاضي أبو علي التنوخي:
كان أبو الحسين ابن الراوندي يلازم أهل الإلحاد فإذا عوتب في ذلك قال إنما أريد أعرف مذاهبهم. ثم إنه كاشف وناظر ويقال إن أباه كان يهودياً فأسلم وكان نقض اليهود يقول للمسلمين لا يفسدنّ عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه التوراة علينا. ويقال إن أبا الحسين قال لليهود قولوا إن موسى قال لا نبيّ بعدي.
وذكر أبو العباس أحمد ابن أبي أحمد الطبري أن ابن الراوندي كان لا يستقر على مذهب ولا يثبت على انتحال حتى ينتقل حالاً بعد حالٍ حتى صنف لليهود كتاب البصيرة رداً على الإسلام لأربعمائة درهم، فيما بلغني، أخذها من يهود سامراً. فلما فبض المال رام نقضها حتى أعطوه مائتي درهم فأمسك عن النقض.

وقال محمد ابن إسحاق النديم قال البلخي في كتاب محاسن خراسان: أبو الحسين أحمد ابن الراوندي من أهل مرو الرّوذ من المتكلمين ولم يكن في زمانه في نظرائه أحذق منه بالكلام ولا أعرف بدقيقه وجليله منه. وكان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ثم انسلخ من ذلك كلّه لأسباب عرضت له ولأن علمه كان أكثر من عقله فكان مثله
كما قال الشاعر:

ومن يطيق مزكّى عند صبوته ومن يقوم لمستورٍ إذا خلعا

قال: وقد حكي عن جماعة أنّه تاب عند موته مما كان منه وأظهر الندم واعترف بأنه إنما صار إليه حميّة وأنفة من جفاء أصحابه وتنحيتهم إيّاه من مجالسهم. وأكثر كتبه الكفريات ألفها لأبي عيسى اليهودي الأهوازي وفي منزل هذا الرجل توفي. ومما ألّفه من الكتب الملعونة كتاب "التاج" يحتج فيه لقدم العالم. كتاب "الزمردة" يحتد فيه على الرسل وإبطال الرسالة. كتاب "نعت الحكمة" يسفّه الله تعالى في تكليف خلقه ما لا يطيقون من أمره ونهيه. كتاب "الدامغ" يطعن فيه على نظم القرآن. كتاب "القضيب" الذي يثبت فيه أن علم الله تعالى بالأشياء محدث وأنه كان غير عالم حتى خلق خلقه وأحدث لنفسه علماً. كتاب "الفريد" في الطعن على النبي (صلى الله عليه وسلم). كتاب "المرجان". كتاب "اللؤلؤة" في تناهي الحركات. وقد نقض ابن الراوندي أكثر الكتب التي صنفها كالزمردة، والمرجان، والدامغ ولم يتم نقضه. ولأبي علّي الجبائي عليه ردود كثيرة في نعت الحكمة وقضيب الذهب والتاج والزمردة والدامغ وإمامة المفضول وقد رد عليه أيضاً أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط. فمما قال في كتاب الزمردة إنه إنّما سمّاه بالزمردة لأن من خاصة الزمرد أن الحيّات إذا نظرت إليه ذابت أعينها فكذلك هذا الكتاب إذا طالعه الخصم ذاب. وهذا الكتاب يشتمل على إبطال الشريعة والإزراء على النبوّات.

كما يقول ابن خلكان :

وقد انفرد بمذاهب نقلها عنه أهل الكلام في كتبهم قال: وكان من فضلاء عصره، ومن تصانيفه "كتاب فضيحة المعتزلة"، قلت: وهو رد عن المعتزلة، فأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أضل وأفظع من مذهب المعتزلة. عاش نحواً من أربعين سنة. ونسبته إلى راوند. قرية من قرى قاسان بالسين المهملة بنواحي أصفهان غير التي بالشين المعجمة المجاورة لقم بضم القاف، و "راوند" أيضاً ناحية ظاهر نيسابور، وراوند هذه هي التي ذكرها أبو تمام في كتاب الحماسة في باب المراثي. قلت: وذكر أصحابنا في باب النسخ من كتب الأصول أنة هو الذي لقن اليهود الإحتجاج على عدم جواز النسخ بزعمهم بنقل مفترى بأن قال لهم: قولوا أن موسى عليه السلام أمرنا أن نتمسك بالسبت، ما دامت السموات والأرض، ولا يجوز أن يأمر الأنبياء، إلا بما هو حق، وهذا القول بهت وافتراء على موسى صلى الله عليه وآله وسلم وعلى نبينا وعلى جميع النبيين والمرسلين.


ويقول أبو العلاء المعري فى رسالة الغفران:

وقد سمعت من يخبر أنّ لابن الرّاوندي معاشر تذكر إنّ اللاهّوت سكنه، وأنّه من علمٍ مكنه، ويخترصون له فضائل يشهد الخالق وأهل المعقول، أنّ كذبها غير مصقول، وهو في هذا أحد الكفرة، لا يحسب من الكرام البررة، وقد أنشد له منشد، وغيره التقي المرشد:

قسمت بين الورى معيشتهم قسمة سكران بيّن الغلط
لو قسم الرّزق هكذا رجل قلنا له: قد جننت فاستعط

ولو تمثل هذان البيتان لكانا في الإصر يطولان أرمي مصر، فلو مات الفطن كمداً لما عتب، فأين مهرب العاقل من شقاءٍ رتب؟! أكل ما خدم خادع، أرسلت من الكفر مصادع؟ والمصادع: السهام وما حسنت السوداء الغالبة بسفيهٍ دعواه، إلا وافق جهولاً عواه أي عطفه.

وعما قاله في كتبه, يقول صلاح الدين الصفدي فى كتاب الوافي بالوفيات:

فمما قال فيه لعنه الله وأبعده إنا نجد من كلام أكثم بن صيفي شيئاً أحسن من "إنّا أعطيناك الكوثر" وإن الأنبياء كانوا يستعبدون الناس بالطلاسم. وقال: قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية، كل المنجمين يقولون مثل هذا. وقد كذب لعنه الله فإن المنجم إن لم يسأل الرجل عن اسمه واسم أمه ويعرف طالعه لا يقدر أن يتكلم على أحواله ولا يخبره بشيء من متجدداته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بالمغيبات من غير أن يعرف طالعاً ويسأل عن اسم أو نسب فبان الفرق. وقال في كتاب الدامغ في نقض القرآن إن فيه لحناً وقد استدركه وصنف كتاباً في قدم العالم ونفي الصانع وتصحيح مذهب الدهريه ورد على أهل التوحيد. وذكر أبو هاشم الجبّائي أن الراوندي قال في كتاب الفريد إن المسلمين احتجوا للنبوة بكتابهم القرآن الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وهو معجز لن يأتي أحد بمثله ولم يقدر أحد أن يعارضه. فقال: غلطتم وغلبت العصبية على قلوبكم فإن مدعياً لو ادّعى أن إقليدس لو ادّعى أن كتابه لا يأتي أحد بمثله لكان صادقاً وأن الخلق قد عجزوا عن أن يأتوا بمثله أفإقليدس كان نبياً؟ وكذلك بطلميوس في أشياء جمعها في الفلسفة لم يأت أحد بمثلها، يعني فأي فضيلة للقرآن. وقد أبطل لعنه الله فيما قاله، فإن كتاب إقليدس وكتب بطلميوس لو حاول أحد من الفلاسفة ممن يعرف علومهم ويحلّ رموزهم وأشكالهم أن يأتي بمثلها لقدر على ذلك. والقرآن االكريم قد حاول السحرة والكهنة والخطباء والفصحاء والبلغاء على أن يأتوا بمثله فلم يقدروا ولا على آية واحدة وقد عارضوه بأشياء بان عجزهم فيها وظهر سفههم. قلت: وقد جاء بعد إقليدس من استدرك عليه وسلك أنموذجه وأتى بما لم يأتِ به كقولهم الأعداد المتحابّة فاتت إقليدس أن يذكرها. وارشميدس له كتاب مستقل سمّاه الهندسة الثانية ومصادرات إقليدس. وأما بطلميوس فيحكى أنه بعد وضعه للاسطرلاب بمدة وجد علبة رصاص في حائط وفيه إسطرلاب وأنه ضحك فرحاً بأنه ذهنه ذهن الأقدمين. ولم يبرهن بطلميوس على أن الزهرة فلكها فوق فلك الشمس أو تحته حتى جاء ابن سينا ورصدها فوجدها قد كسفت الشمس وصارت كالشامة على الوجنة فتعين أنها تحت الشمس. وأما القرآن الكريم لم يتفق له هذه الاتفاقات على أن تلك علوم عقلية تتساوى الأذهان فيها. وأما القرآن فليس هو مما هو مركوز في الأذهان فلذلك عزّ نظيره إذ ليس هو من كلام البشر. قال الجبائي. وذكر في كتاب الدامغ أن الخالق سبحانه وتعالى ليس عنده من الدواء إلا القتل فعل العدو الحنق الغضوب فما حاجة إلى كتاب ورسول. قال ويزعم أنّه يعلم الغيب فيقول: وما تسقط من ورقةٍ إلاّ يعلمها ثم يقول: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم. وقوله: إنّ لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى. قال وقد جاع وعري. وقال في قوله تعالى: "إنّا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه". ثم قال: "وربك الغفور ذو الرّحمة" فأعظم الخطوب ذكر الرحمة مضموماً إلى إهلاكهم. قال: وتراه يفتخر بالمكر والخداع في قوله: ومكرنا. قال: ومن الكذب قوله "ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" وهذا قبل تصوير آدم
قلت:
ثم قال ابن الراوندي: ومن فاحش ظلمه قوله "كلما نضجت جلودهم بدّلناهم غيرها" فيعذّب جلودهم ولم تعصه. قلت: الألم للحس لا للجلد. لأن الجلد إذا كان بائناً أو العضو فإن الإنسان لا يألم بعذاب البائن منه. قال: وقوله " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". قال: وإنما يكره السؤال رديء السلعة. قلت: لا يشك العاقل وذو اللّب أن الله سكت عن أشياء في كتمها مصالح للعباد. قال: وفي وصف الجنة "فيها أنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه". وهو الحليب ولا يكاد يشتهيه إلا الجائع. وذكر العسل ولا يطلب صرفاً، والزنجبيل وليس من لذيذ الأشربة، والسندس يفترش ولا يلبس وكذلك الاستبرق الغليظ من الدّيباج. ومن تخايل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل صار كعروس الأكراد والنبط. قلت: أعمى الله بصيرته عن قوله تعالى" فيها ما تشتهي أنفسكم". وعن قوله تعالى: "ولحم طيرٍ مما يشتهون"، ومع ذلك ففيها الّلبن والعسل وغليظ الحرير يريد به الصفيق الملتحم النسج وهو أفخر ما يلبس. وقال: وأهلك ثموداً لأجل ناقة. وقال:
"ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" ثم قال " إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذّاب". قال الجبائي: لو علم ابن الراوندي لعنه الله أن الإسراف الأول في الخطايا دون الشرك وأن الإسراف الثاني هو الشرك لما قال هذا. ثم قال: ووجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم لقوله:" وكذلك فتنّا بعضهم ببعض". وقوله تعالى: "ولقد فتنّا الذين من قبلهم" ثم أوجب للذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات عذاب الأبد. قال الجبائي: ولولا أن هذا الجاهل الزنديق لا يعرف كلام العرب ومعانيه المختلفة في الكلمة الواحدة لما قال هذا الكفر؛ فإن قوله سبحانه وتعالى "فتنا" أي ابتلينا وقوله "فتنوا المؤمنين" أي أحرقوهم. وقال في قوله: "وله أسلم من في السموات والأرض". هذا خبر محال لأن الناس كلّهم لم يسلموا. وكذلك قوله: "وإن من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده" وقوله: "ولله يسجد ما في السَّموات وما في الأرض". وقد أبان هذا الزنديق عن جهلٍ وسفهٍ فإن معنى قوله أسلم أي استسلم، إذ الخلائق كلّها منقادة لأمر الله مستسلمة لحكمة ذليلة تحت أوامره ونهيه والعرب تطلق الكل وتريد البعض. قال الله تعالى: "تدمّر كلّ شيء بأمر ربّها". ولو ذهبنا نورد ما تفوّه به من الكفر والزندقة والإلحاد لطال. والاشتغال بغيره أولى والله سبحانه منزه عما يقول الكافرون والملحدون، وكذلك كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. وقال السيد أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد الآملي: سمعت والدي يقول قلت لأبي الحسين ابن الراوندي المتكلّم: أنت أحذق الناس بالكلام غير أنك تلحن فلو اختلفت معنا إلى أبي العباس المبرد لكان أحسن. فقال: نعم ما قلت نبهتني لما أحتاج إليه. قال فكان من بعد يختلف إلى أبي العباس المبرد قال: فسمعت المبرد يقول لنا: أبو الحسين ابن الراوندي يختلف إليّ منذ شهر ولو اختلف سنة احتجت أن أقوم من مجلسي هذا وأقعده فيه.
ومن شعره:

مجن الزمان كثيرةٌ ما تنقضي وسرورها يأتيك كالأعياد
ملك الأكارم فاسترق رّقابهم وتراه رقّاً في يد الأوغاد

ومنه وقيل أنشده:

أليس عجيباً بأن امرءاً لطيف الخصام دقيق الكلم
يموت وما حصلت نفسه سوى علمه أنه ما علم


اجتمع ابن الراوندي وأبو علي الجبائي على جسر بغداذ فقال له: يا با علي أما تسمع مني معارضتي للقرآن وتقضي له. فقال له أبو علي: أنا أعرف بمجاري علومك وعلوم أهل دهرك ولكن أحاكمك إلى نفسك فهل تجد في معارضتك له عذوبةً وهشاشة وتشاكلاً وتلازماً ونظماً كنظمه وحلاوة كحلاوته. قال: لا والله. قال: قد كفيتني، فانصرف حيث شئت. وذكر أبو علي الجبائي أن السلطان طلب ابن الراوندي وأبا عيسى الوراق؛ فأما أبو عيسى فحبس حتى مات وأمّا ابن الراوندي فهرب إلى ابن لاوي الهروي ووضع له كتاب الدامغ في الطعن على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن ثم لم يلبث غلاّ أياماً يسيرة حتى مرض ومات إلى اللّعنة. وعاش أكثر من ثمانين سنة. وسرد ابن الجوزي من زندقته أكثر من ثلاث ورقات. قال الجبائي: وكان قد وضع كتاباً للنصارى على المسلمين في إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم ونسبه إلى الكذب وشتمه وطعن في القرآن الذي جاء به.

كما يقول أبو حيان التوحيدي فى كتابه البصائر والذخائر:

سمعت ابن البقال الشاعر - وكان على مذهب ابن الراوندي - يقول: ادعوني أستجب لكم فندعوه فلا يستجيب لنا، وإن تكلّمنا سخّفنا؛ فقال له بعض أصحابنا: إنّ هذا الوعد من الله عزّ وجلّ في الاستجابة مشروطٌ بالمشيئة، يصحّ ذلك إذا قرأت قوله "فيكشف ما
تدعون إليه إن شاء" وهذا كما قال: "وانكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والله واسعٌ عليمٌ"، فقد يقال: قد نرى من ينكح ويتزوج ثم لا يغنيهم الله؛ وهذا الاعتراض يبطل أيضاً لأنّ الإغناء لا يتعلّق بالعرض والأثاث والخرثيّ والنّعم والخيل؛ قد يحوي هذا كلّه من يحكم عليه بالفقر - أعني فقر النفس - وقد يعرى من هذا كلّه من تجده طيّب النّفس ريّح القلب واثقاً بالله عزّ وجلّ، ولهذا قال صلّى الله عليه وآله: ليس الغنى من كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس. نعم، على أنّ الإغناء قد يقع من الله عزّ وجلّ، ولكنّ العبد لا يستغني به، فإذا اعتبرت الإنسان بعد الإغناء، وضممت كلاًّ إلى نظيره على ما يوجبه النظر الصحيح، علمت أنّ الذي قاله الله حقّ، وأن الذي هذى به الطاعن باطل.

الموت في فكر ابن الرواندي
من المسائل الهامة التي تعرض لها ابن الراوندي في كتابه (الفرند) مسألة الموت، وقد استثار هذا الرأي انتباه المتوكل، فسأله: ما معنى هذا الكلام الذي تنسبه إلى الحكيم فيثاغورث حيث يقول: (ما دمت موجوداً، فلا موت، وإن جاء الموت، فلا وجود لي، فلا داعي إذن للتفكير في أمر ليس لي به شأن وأنا حي؟) أو ليس هذا هو كلام المشركين الذين ينكرون حقيقة الموت والبعث؟ أو ليس هذا كلام حكماء اليونان الملحدين؟

فأجاب ابن الراوندي قائلاً: يا أمير المؤمنين، لم أحاول أن أطرح هذه المسألة من الناحية الدينية، وإنما أوردت آراء الحكماء السابقين في الموت، وكيف أن سر الموت لا سبيل إلى معرفته، فالإنسان منذ ما خلق وهو يبحث عن سر الموت لكي يحول دون وقوعه، فأخفق حتى الآن في هذا السعي، وقد لا يوفق في الاهتداء إلى سره إلى الأبد.

فقال المتوكل: إذا عرف المرء كيف يحافظ على توازن جسمه، وكيف ينهار هذا التوازن، فلعله يعرف سر الموت ويحول دون وقوعه.
فرد ابن الرواندي: يا أمير المؤمنين، هذه وظيفة الأطباء الحكماء والمتكلمين.

فقال المتوكل: إن التحقق من سر الموت ومعرفة مصير الإنسان لا ينحصر في الأطباء وحدهم، لأن لعلماء الدين والتفسير دوراً أهم في معرفة سر الموت من خلال تفسير الآيات القرآنية، وتدبر معانيها وما ترمز إليه.

ويفهم من كلام المتوكل هذا أن المسلمين كانوا في هذه الحقبة التاريخية ، يعتقدون بأن للآيات القرآنية معاني ظاهرة ودلالات خفية أو معاني باطنية، وأن استكناه المعاني غير الظاهرة ليس في مقدور أي مسلم أو أي إنسان .

ومنذ ظهر الاعتقاد بالوجه الظاهري والوجه الباطني للآيات القرآنية في مطلع القرن الثاني الهجري، وهذا الاعتقاد آخذ في الاتساع ولا سيما في القرنين الثالث والرابع للهجرة، حتى لقد ظهرت فرقة إسلامية عرفت ب (الباطنية)، لأنها كانت تفسر الآيات القرآنية وتؤلها بمعانيها غير الظاهرة.

ويتصور البعض أن الشيعة وحدهم هم الذين يعتقدون بوجود معان باطنية أو غير ظاهرة للقرآن الكريم، في حين أن هذا الاعتقاد كان شائعاً لدى المسلمين منذ القرن الثاني للهجرة، وكانوا يستشهدون على وجود المعاني الظاهرة والباطنة بآية قرآنية تشير إلى هذا(11).

وكانوا يعتقدون كذلك بأن لكل من يعرف المعاني الباطنية والخفية في القرآن الكريم مرتبة تدنو من مرتبة النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم حقائق القرآن بالوحي، فإن عرفها غيره كانت له مرتبة رفيعة في العلم. ومن رأي الشيعة أن الأئمة كانوا يعرفون حقائق القرآن بفضل اقترابهم من الرسول (صلى الله عليه وآله) وتوارثهم لعلمه وفضله.

ولابد ان ظهور الحاجة للقول بوجود معاني سرية في القرآن نابع من تعارض النص الظاهر مع العديد من المظاهر المنطقية والعقلية والتجريبية مما خلق الحاجة للتأويل للهروب من المعنى الظاهر للايات. ومن طرح المتوكل في قضية سر الحياة يبدو انهم كانوا يعتقدون ايضا ان للقرآن قيمة علمية، وان هذه الظاهرة ليست حديثة بالارتباط مع مايسمى الاعجاز العلمي في القرآن. غير اننا لم نرى نجاح علماء الدين في تقديم اي تفسير علمي لسر الموت لا في القديم ولا حاليا تستند على القرآن بل ولا اية إكتشافات علمية اخرى منذ الباطنية مرورا بعهد المتوكل وانتهائا باليوم على الرغم اصرار الجميع لى وجود المعاني العلمية في القرآن قبل اكتشافها من قبل العلم

كان لابن الراوندي آراء في الموت تسترعي الاهتمام وتثير الدهشة، منها قوله في نظرية له بأن (الناس جميعاً لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، وإن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئاً عن أسرار الموت).

وفي تعبير اخر يقول: (لا يسع أحداً أن يعد نفسه ميتاً، لأن هذه الحالة تستحيل مع الحياة، لأن المرء إن تخيل أو ظن بأنه ميت، كان هذا التخيل أو الظن في حد ذاته دليلاً على أنه حي وليس بميت، لأن التفكير والتخيل والظن هي من خصائص الأحياء). ومؤدى نظريته الثالثة أنه (لا يسع أحداً أن يشعر بعد موته بأنه جسد ميت، لأن هذا الشعور يتنافى مع الموت الحقيقي الذي يموت معه كل شعور أو إحساس).

ويضيف ابن الراوندي إلى ذلك قائلاً (إن الميت ينسلخ من شعوره الباطني أو ضميره، لأن الضمير من خصائص الحياة. ولو أن ميتاً عرف نفسه، وشعر بأنه في حالة معينة، لكان معنى ذلك أنه ليس بميت، لأن الميت لا يشعر بشيء ولا يفطن إلى من حوله، ولا يعرف أهله والمجتمعين من حوله، ولا يشعر ببكاء الغير على فقدانه، ولو حدث شيء من هذا القبيل، لكان غير ميت).

ويقول (لا يسع الميت أن يتصور نفسه في العالم قبل الموت، ولو مات أبو الحسن (كنية ابن الراوندي نفسه) ووضع في قبره، لم يتأت لهذه الجثة الهامدة أن تتصور نفسها في عالم ما قبل الموت، أو أن تشعر بأنها أبو الحسن).

ويوضح اسباب وجود فكرة الخلق بعد الموت عند الانسان بأن الافكار السابقة التي سبق إيرادها لاتراود عقل الانسان بهذا الظاهر وانما يحاول اخفائها وتخدير نفسه عن حقيقتها فالإنسان عاجز عن إقناع نفسه بأنه سيموت، وأنه سينعدم من هذا الوجود كذات، فلدى الفرد شعور بأنه لن يموت أبداً، وأنه حين يثوي في قبره سيعيش ويبقى حياً، وإن يكن ذلك بطريقة أخرى وبنشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا. هذه الفكرة تريح الانسان اكثر وتجعله اكثر اطمئنانا

ومما يعزز هذا الاعتقاد أن الإنسان يرقد نائماً في كل يوم ثم يصحو من نومه، مما يجعله يعتقد بأن الموت شبيه بالنوم، وبأنه سينهض منه كما ينهض كل صباح من نومه، ثم إن الأحلام التي يراها النائم تعزز هذه الفكرة بدورها وتطرد من مخيلته فكرة الموت أي العدم) ويقول ابن الراوندي في كتابه (الفرند): (إن الإنسان قد يرى نفسه ميتاً في الحلم، في حين هو حي، فيزيده ذلك اعتقاداً بأن حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء، وبأن الموت شبيه بالنوم الطويل العميق، وبأن الإنسان الراقد في سبات الموت يعرف نفسه ويرى ما حوله ويدرك ما يجول في خاطره.

ولكن الواقع خلاف ذلك، لأن الجسم البشري متى فارقته الروح وأدركه الموت، يفقد كل شعور وإحساس، ثم تدب فيه عناصر البلى شيئاً فشيئاً، ويتحول إلى عناصر وأجسام أخرى، كما أن الشعور والأحلام والخواطر إن هي إلا من فعل الجسم البشري الحي).

وفي هذا المقام يستشهد ابن الراوندي بما درج عليه المصريون القدماء من تحنيط أجساد الموتى اعتقاداً منهم بأنهم عائدون إلى الحياة من جديد، ولهذا فإنهم كانوا يحاولون الاحتفاظ بالجسم سليماً ليتسنى للروح العودة إليه بعد ذلك متى أرادت. ولكنه يأخذ على المصريين تجريدهم أجسام الموتى المحنطة من الأمعاء والقلب، قائلاً: كيف لجسم كهذا أن تدب فيه الروح متى عادت إليه مرة أخرى؟

وعن موته :

ذكر أبو الوفاء ابن عقيل أن بعض السلاطين طلب ابن الراوندي وأنه هلك وله ست وثلاثون سنة مع ما انتهى إليه في المخازي. وقيل هلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

كما يقول اليافعي فى مرآة الجنان وعبرة اليقظان :

وفي حدود الثلاث مائة توفي أحمد بن يحيى الراوندي الملحد. وكان يلازم الرافضة والزنادقة، قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه العظائم حتى رأيت في كتبه ما يخطر على قلب أن يقوله عاقل، فمن كتبه: "كتاب نعت الحكمة"، و "كتاب قضب الذهب"، و "كتاب الزمرد"، وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل، وقد صنف "الدامغ" يدمغ به على القرآن، و "الزمردة" يزري به عيب النبوات.
وذكر بعضهم أن له من التصانيف ما ينيف على مائة مصنف. قلت: والمشاهير من أهل الحق ينقلون عنه في كتب الأصول أشياء ينسبونه فيها إلى الزندقة والإلحاد، فلا اعتبار لمن يمدحه بالفضائل كابن خلكان وغيره.

كتب ابن الرواندي
وهذه قائمة ببعض مؤلفات ابن الراوندي، كما ذكرها الخياط في ثنايا رده على ابن الراوندي في كتابه (الانتصار) وسائر المؤرخين، ونبدأ بالكتب التي وضعها وهو مع المعتزلة، ثم الكتب التي وضعها بعد أن هجرهم واختلف معهم، أو كما يقول ابن البلخي الكتب التي وضعها وهو ملحد وزنديق:

1ـ كتاب الابتداء والإعادة (ذكره ابن البلخي)

2ـ كتاب الأسماء والأحكام (ذكره ابن البلخي)

3ـ كتاب خلق القرآن (ذكره ابن البلخي وابن النديم)

4ـ كتاب البقاء والفناء (ذكره ابن البلخي)

5ـ كتاب لا شيء إلا موجود (ذكره ابن البلخي)

6ـ كتاب الطبائع في الكيمياء (ذكره الانتصار وابن المرتضى)

7ـ كتاب اللؤلؤ (ذكره ابن البلخي)

وبعد انفصاله عن المعتزلة واختلافه معهم ألف الكتب الآتية:

8 ـ كتاب الإمامة (ذكره الانتصار وابن المرتضى)

9ـ كتاب فضيحة المعتزلة: وقد وضع الخياط كتاب (الانتصار) رداً عليه.

10ـ كتاب القضيب: سماه ابن البلخي: كتاب القضيب الذهبي (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان).

11ـ كتاب التاج: (ذكره الخياط وابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان) وذكره ابن النديم أن أبا سهل النوبختي رد عليه في كتابه (السبك) (الفهرست ص117).

12ـ كتاب التعديل والتجوير: زعم فيه أنه من أمرض عبيده، فليس بحكيم في ما فعل بهم ولا ناظر لهم ولا رحيم بهم، كذلك من أفقرهم وابتلاهم (الانتصار ص1).

13ـ كتاب الزمرد: ذكر فيها آيات الأنبياء فطعن فيها وزعم أنها مخاريق ـحسب كلام الخياطـ (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان والخياط).

14ـ كتاب الفرند: انتقد فيه الأنبياء، وقد رد عليه أبو هاشم (أشار إلى ذلك ابن المرتضى، ويقول ابن البلخي إن الخياط رد عليه) (وجاء ذكر هذا الكتاب عند ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان).

15ـ كتاب البصيرة: (ذكره أبو العباس الطبري، وقال إنه ألف هذا الكتاب نزولاً عند رغبة اليهود وطعناً في الإسلام.

16ـ كتاب الدامق: ذكره ابن البلخي وابن المرتضى، وذكر ابن البلخي بأن الخياط رد على هذا الكتاب، وقال أبو علي الجبائي إن ابن الراوندي كتب هذا الكتاب بطلب من اليهود، وأثار غضب السلطان، وقد أمر بإحضاره لكنه هرب والتجأ إلى يهودي مات عنده.

17ـ كتاب التوحيد (ذكره الخياط في الانتصار (الفقرة 5) ).

18ـ كتاب الزينة (ذكره صاحب (كشف الظنون) 5: 9).

19ـ كتاب اجتهاد الرأي (ذكره ابن النديم في (الفهرست) ص177) وأضاف أن أبا سهل النوبختي رد على هذا الكتاب.

ومن الملاحظ ان اغلب كبار المقكرين الاوائل التي قامت على اكتافهم الحضارة الاسلامية بأسرها كانوا مطعونين في دينهم بشكل من الاشكال وهنا استعراض مختصر لهم:

الجاحظ (767-868م): هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي بالولاء، الشهير بالجاحظ . كبير أئمة الأدب . قضى الجاحظ أكثر عمره في البصرة وقصد بغداد بدعوة من المأمون وعينه في ديوان الرسائل وجعل له الصدارة فيه, وما انقضت ثلاثة أيام حتى استعفى من منصبه فأعفي, إلا أنه بقي مخلصا للمأمون . كان للجاحظ إنتاج وفير, وله من الكتب ما يزيد على المائتي كتاب, وهي كما قال ابن العميد: "تعلم العقل أولا والأدب ثانيا" وقد نشر منها: كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين, وكتاب البخلاء, ومجموعة من الرسائل. أما كتاب الحيوان, فقد نشر في سبعة أجزاء, وفيه تناول الجاحظ وصف طبائع الحيوان, وفيه عرض لأطراف من العلوم وتجاربها وخصائصها, ووجه النظر إلى الطبيعة وتأكيد الثقة في حقائقها وبراهينها فسبق بذلك (بيكون F-Bacon) واتبع في دراسته الشك المنهجي, فسبق بذلك (ديكارت R-Descartes) . كان يؤمن أن القرآن حادث و مخلوق لأنه شئ من الأشياء ، و كان يؤيده الخليفة المأمون ، و من مؤلفاته التي توضح ذلك "كتاب خلق القرآن" ، و في هذا أثار نقمة السنة من أهل الاسلام الذين نادوا بأن القرآن غير مخلوق ، وهذا وضعه على قائمة الملاحدة و الزنادقة.
(المراجع: وفيات الأعيان 3/ 470 . شذرات الذهب 2/ 121 . إعتاب الكتاب ص/ 154 . تاريخ بغداد 12/ 112 . تكملة الفهرست ص/ 3 . معجم الأدباء6/ 56- 80 . أمراء البيان ص/ 311- 487 . الأعلام 5/ 239)


الكندي (811-866م):هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث الكندي . ينتهي نسبه إلى ملوك كندة, فهو عربي الأصل, ومن أجل ذلك لقبوه بفيلسوف العرب, واشتهر في بلاد الغرب باسم (الكندوس al kindus) . نال حظوة عند المأمون والمعتصم والواثق, وعلت منزلته عندهم, غير أنه لقي عنتا من المتوكل بسبب الأخذ بمذهب المعتزلة, فأمر المتوكل بضربه ومصادرة كتبه . اتهم بالزندقة و كان يدافع عن نفسه بأن أعداء الفلسفة جهلة و أغبياء و تجار دين.
(المراجع: طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ص/ 285- 293 . طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص/ 73)



الفارابي (870- 950م): هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، مدينته فاراب ، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان ، يعرف في الغرب باسم Alpharabius . غادر مسقط رأسه وذهب إلى العراق لمتابعة دراساته العليا، فدرس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلوم اللسانية العربية والموسيقي. ومن العراق انتقل إلى مصر والشام، حيث التحق بقصر سيف الدولة في حلب واحتل مكانة بارزة بين العلماء، والأدباء، والفلاسفة. وحاول أن يثبت أن لا خلاف بين الفلسفة اليونانية وبين عقائد الشريعة الإسلامية ، و لكنه فشل بالتأكيد حيث قال عنه الذهبي في سير الأعلام (15/416) أن له تصانيف مشهورة من ابتغى منها الهدى ضل و حار ، ومنها تخرج ابن سينا . و قال عنه ابن عماد في شذرات الذهب (2/353) أنه أكثر العلماء كفر و زندقة ، حتى أن الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال أكد أنه لا شك في كفره هو و ابن سينا ، و كان الاتهام يشمل انكاره يوم القيامة و أن الأجساد تقوم ، و أن الله يعلم الكليات لا الجزئيات ، و أن العالم ليس محدث أو مخلوق و إنما هو ازلي الوجود كالله .
(المراجع : وفيات الأعيان 5 / 153. طبقات الأطباء ص / 603 ، 609. البداية والنهاية 11 / 224. العبر 2 / 251. القفطي ص / 182 ، 184. تراث الإسلام 3 / 231. الفهرست ص / 368. تاريخ الفكر العربي ص / 352)



ابن رشد (1126-1198م): هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي . درس ابن رشد الفقه والأصول ودرس من علوم الأوائل الطب والرياضيات والفلسفة وتولى القضاء سنوات في إشبيلية ثم في قرطبة . نشأ ابن رشد في ظل دولة الموحدين, وملكهم يومئذ أبو يوسف يعقوب المنصور بن عبد المؤمن, وبتأثير العامة أمر بإبعاده إلى (أليسانة) قرب غرناطة ثم نفي إلى بلاد المغرب ونكل به وأحرقت كتبه وتوفي في مراكش عن 75 عاما ونقلت جثته إلى قرطبة وبموته تفرق تلاميذه ومريدوه وأصدر المنصور يعقوب مرسوما بتحريم الاشتغال بالفلسفة.
المراجع: وفيات الأعيان 4 / 434 - نفح الطيب 3 / 16 - شذرات الذهب 4 / 320 - العبر 4 / 288 - كشف الظنون 1 / 213 - دائرة المعارف الإسلامية (ابن رشد) - طبقات الأطباء ص / 530 - تاريخ الفكر الأندلسي ص / 353.

بشار بن برد
بشار بن برد (710-784م): هو بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء . أصله من طخارستان (غربي نهر جيحون) , ونسبته إلى امرأة من بني عقيل, قيل إنها أعتقته. نشأ في بني عقيل واختلف إلى الأعراب المخيمين ببادية البصرة فشب فصيح اللسان, صحيح البيان. ولد أكمه (أعمى) , على أنه كان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره, فيأتي بما لا يقدر عليه البصراء. هو أشعر المولدين وهو المتقدم فيهم. طرق كل باب من أبواب الشعر وبرع فيه, واشتهر شعره بالمجون والهجاء والغزل الرقيق. اتهم بالزندقة فأمر الخليفة المهدي بضربه, فمات تحت السياط ودفن بالبصرة. كان بشار شعوبياً زنديقاً . فهو القائل:
إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم *** فتبينوا يا معشر الفجار
النارُ عنصـره وآدم طينة *** والطين لا يسمو سمو النارِ
الأرضُ مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ*** والنارُ معبودةٌ مذ كانت النار
و يقول أيضا ساخرا من الصلاة:
وإنني في الصلاة أحضرها***ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا*** وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم *** سلم كم كان ذلك العددُ
(المراجع: الأعلام 2/ 24 . وفيات الأعيان 1/ 271 , 420-428 , 467 . تاريخ بغداد 7/ 112 . الأغاني 3/ 135 , 6/ 242 نهاية الأرب 3/ 80 . طبقات الشعراء ص/ 24.)


صالح بن عبد القدوس (توفى 777م): صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس من أهل البصرة، كان يجلس للوعظ ويقص الأخبار. غير أنه كان يزين الثنوية (دين الفرس القديم)، فلما اشتهر أمره استقدمه الخليفة المهدي، لكنه هرب إلى دمشق واستخفى بها زمناً فلما عرف المهدي مكانه، وجه إليه قريشاً الحنظلي فقبض عليه وجاء له إلى بغداد. فحاكمه المهدي ثم قتله سنة 777م ، وصلبه على جسر بغداد . هذه الأبيات، يتهكم فيها على النبي محمد و علاقته بزوجاته:
غصب المسكينَ زوجتَهُ ***فجرتْ عيناهُ من دُرَرهْ
ما قضى المسكينُ من وطرِ *** لا ولا المعشارَ من وطرهْ
عذتُ بالله اللطيف بنا ***أن يكونَ الجوْرُ من قَدَره
(المراجع: الأعلام 3/ 277 . فوات الوفيات 1/ 391 . تاريخ بغداد 9/ 303 . وفيات الأعيان 2/ 492 . معجم الأدباء 4/ 268 نهاية الأرب 3/ 82 . طبقات الشعراء ص/160.)



الحلاج (858-922م): هو الحسين بن منصور بن محمى, الملقب بالحلاج أبو مغيث ، فيلسوف متصوف، بعض المؤرخين يعده من السهاد المتعبدين, وبعضهم يعده من الزنادقة الملحدين ، كان جده محمى مجوسيا وأسلم. أصله من مدينة (البيضاء) بفارس, ونشأ بواسط وانتقل إلى البصرة . وكانت تروى عنه أمور تعد من الخوارق. يقول الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) : إن الحلاج صحب سهل التستري والجنيد وأبو الحسين النوري, وهم من أئمة الصوفية, ثم فتن فسافر إلى الهند وتعلم السحر, فحصل له حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني . كانت عقيدته الصوفية تقوم على (وحدة الوجود) أي أن الإنسان مندمج في ذات الله.
كان شاعرا مجيدا وقد عبر عن صوفيته وفلسفته بأشعار نظمها منها قوله في علاقته بالله:
أنـا مـن أهـوى ومـن أهـوى أنـا *** نحـــن روحــان حللنــا بدنــا
فـــإذا أبصـــرتني أبصرتـــه*** وإذا أبصرتـــــه أبصرتنـــــا
ويذكرون أن الحلاج سمي بهذا الاسم لأنه اطلع على ما في القلوب, وكان يخرج لب الكلام كما يخرج الحلاج لب القطن . ولما رفع أمره إلى الخليفة المقتدر أمر أبا الحسن علي بن أحمد الراسبي, ضامن خراج الأهواز, أن يأتيه به فقبض عليه مع غلام له وحمله إلى بغداد سنة 301هـ, فصلب على جذع شجرة, ثم سجن وظل مسجونا ثماني سنين, ثم عقد له مجلس من القضاة والفقهاء, فشهد عليه أناس بما يدينه بالزندقة والإلحاد فصدر الحكم بقتله وإحلال دمه, فسلم إلى (نازوك) صاحب الشرطة فضرب ألف سوط ثم قطعت أربعة أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته .
(المراجع: ابن الأثير 8 / 126 , 129. الفهرست ص / 269 , 272. البداية والنهاية 11 / 132 , 144. الحضارة الإسلامية في القرن الرابع عشر 2 / 46 , 53. طبقات الصوفية ص / 307. وفيات الأعيان 2 / 140)


أبو العلاء المعري (979-1058):أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري ، ولد في معرة النعمان بالشام ، عندما بلغ الرابعة من عمره أصابه الجدري فأفقده عينيه ، و لم يمنعه ذلك من أن يظهر في مؤلفاته هذا التنوع وتلك الدراية الواسعة بالعلوم التي قل أن نجد لها نظيراً عند غيره ، عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبي . ولم تظهر موهبته الفريدة إلا في كتبه المتأخرة التي كتبها بعد عودته إلى المعرة: "اللزوميات" و"رسالة الغفران ، عندما بلغه وفاه أمه أثر فيه هذا الحادث تأثيراً بليغاً وشجعه على تنفيذ عزمه على اعتزال الناس. ويقال إنه عاش منذ ذلك الحين في كهف عود نفسه فيه على التقشف: لا يأكل لحم الحيوان بل ولا يتناول البيض واللبن ، ومن هنا حصل على لقب "رهين المحبسين" : أي العمى و الدار. من أشهر مؤلفاته "اللزوميات" ، وقد خرج أبو العلاء في اللزوميات على قيود العقيدة التي كانت تقيد سلفه وسما بنفسه إلى مستوى أعلى . ولأبي العلاء مؤلف آخر مشهور هو "رسالة الغفران" ، وهي رسالة كتبها بأسلوب منمق، وأهداها إلى رجل يدعى علي بن منصور الحلبي. وقد عرض المؤلف الشعراء الزنادقة الذين غفر لهم – ومن هنا اشتق اسم الرسالة – والذين رفعوا إلى الجنة ، عده الكثيرون من معاصريه زنديقا ، فليست هناك عقيدة إسلامية لم يسخر منها، وليس أمامنا إلا القول بأنه كان متشككاً قوي الشك ، وكان أبو العلاء يؤمن بالتوحيد، بيد أن إلهه ليس إلا قدر غير مشخص، كما أنه لم يأخذ بنظرية الوحي الإلهي، فالدين عنده من صنع العقل الإنساني ونتيجة للتربية والعادة. وكان الشاعر دائماً يهاجم أولئك الذين يستغلون استعداد العامة لتصديق الخرافات بقصد اكتساب السلطة والمال. يقول في اللزوميات:
قــد تــرامت إلـى الفسـاد البرايـا***واســتوت فــي الضلالـة الأديـان
وأيضا يقول:
وإذا مــا ســألت أصحــاب ديـن***غــيروا بالقيــاس مــا رتبــوه
لا يدينـــون بـــالعقول ولكــن***بأبـــاطيل زخـــرف كذبـــوه
(المراجع: معجم الأدباء 1 / 162 . وفيات الأعيان 0 / 113 . الوافي بالوفيات 7 / 94 . النجوم الزاهرة 5 / 61 . البداية والنهاية 12 / 215 . تاريخ بغداد 4 / 240)



ابن الراوندي (825-911م): هو أحمد بن يحيى بن إسحاق, أبو الحسن, أو الحسين الراوندي, نسبة إلى (راوند) من قرى أصبهان . فيلسوف مجاهر بالإلحاد, له مناظرات ومجالس مع جماعة من علماء الكلام, وقد انفرد بمذاهب نقلوها عنه في كتبهم ومنها قوله بالحلول وتناسخ روح الإله في الأئمة. ومن أعلام المعتزلة في القرن الثالث الهجري، اذ أيد المعتزلة، ووضع لهم الكتاب تلو الكتاب للدفاع عن آرائهم الكلامية والفلسفية، ولكنه انفصل عنهم فيما بعد ، فأخذ ينتقد آراءهم ومناهجهم ويرد عليهم، ومن أشهر كتبه التي الفها في الرد على المعتزلة كتاب ( فضيحة المعتزلة ).
يقول ابن العماد الحنبلي صاحب شذرات الذهب, أن أباه كان يهوديا فأظهر الإسلام, ويقول عنه ابن كثير أنه أحد مشاهير الزنادقة, طلبه السلطان فهرب ولجأ إلى ابن (لاوي) اليهودي بالأهواز, وصنف له في مدة إقامته عنده, كتابه الذي سماه (الدامغ للقرآن) أى الذي وصم به القرآن . يقول ابن حجر العسقلاني "ابن الراوندي, الزنديق الشهير, كان أولا من متكلمي المعتزلة, ثم تزندق واشتهر بالإلحاد" , ويقال إنه كان في غاية الذكاء. قال عنه أبو العلاء المعري في رسالة الغفران: سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر يخترصون له فضائل. من أهم واخطر الكتب التي ألفها ابن الراوندي " الزمرد " والذي تجاسر فيه ابن الراوندي على التشكيك في ركن الأركان في الاسلام و هو النبوة ، ، وأنكر معجزات محمد ، حيث سخر فيه في العقائد الاسلامية وأنكر المعجزات الحسية ، ونقد فكرة اعجاز القرآن ، وأكد على سمو العقل على النقل وبين أوجه تعارض الشريعة الاسلامية مع العقل.ألف كتبا في الطعن على الشريعة منها (فضيحة المعتزلة) و (التاج) و (الزمردة) و (نعت الحكمة) و (قضيب الذهب) و (الدامغ) . و لم يصلنا أي من كتبه للأسف و ماذكر منها هو ما كتبه المشايخ في الرد عليه . مات الراوندي برحبة مالك بن طوق بين الرقة وبغداد, وقيل صلبه أحد السلاطين, وجاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير أنه مات عند ابن (لاوي) اليهودي وكان لجأ إليه.
المراجع: البداية والنهاية 11 / 112 . وفيات الأعيان 1 / 94 . مروج الذهب 7 / 237 . الملل والنحل 1 / 81 , 96 . المنتظم 5 / 99 . شذرات الذهب 2 / 235 . رسالة الغفران ص / 410 , 442 . النجوم الزاهرة 3 / 175 . العبر 2 / 116 . تكملة الفهرست ص / 4 . دائرة المعارف الإسلامية: مادة (الراوندي) . الطبري 6 / 147



الرازي (محمد بن زكريا) (864-925م): هو محمد بن زكريا الرازي. أبو بكر. أعظم الأطباء وأكثرهم ابتكارا, ومن أشهر الفلاسفة. من أهل الري ونسبته إليها. ولد وتعلم بها وسافر إلى بغداد بعد سن الثلاثين. أولع بالغناء والموسيقى في أول عمره, ونظم الشعر في صغره, ثم تخلى عن ذلك ونزع إلى الطب والفلسفة . وتولى تدبير مستشفى الري ثم رئاسة الأطباء في المستشفى العضدي ببغداد. يعرف الرازي عند الأوربيين باسم (Razhes) وهو أول وأعظم علماء المدرسة الحديثة في الطب بلا مراء. نزح إلى بغداد وتلقى علومه على يد الطبيب المسيحي حنين بن إسحاق . وإلى جانب الطب عكف الرازي على دراسة الفلك والرياضيات وله في الموسيقى باع عظيم فكان من أوائل واضعي النظريات الموسيقية وكثيرا ما أشاد خلفاؤه الموسيقيين بنظرياته في الموسيقى. يضاف إلى ذلك أنه انصرف إلى دراسة الفلسفة وهو يعتقد أن النفس هي التي لها الشأن الأول فيما بينها وبين البدن من صلة, وأن ما يجري في النفس من خواطر ومشاعر ليبدو في ملامح الجسم الظاهرة, لذلك وجب على الطبيب ألا يقصر في دراسته على الجسم وحده بل لا بد له أن يكون طبيبا للروح. من أهم كتبه: كتاب الأسرار الذي نقله إلى اللاتينية (جيرار الكرموني G. Garmana) فأصبح مصدرا رئيسيا للكيمياء, وكتاب الطب المنصوري, ألفه باسم أمير الري منصور بن محمد بن إسحاق بن أحمد بن أسد الساماني, وكتاب الفصول في الطب, ومقالة في الحصى والكلى والمثانة, وكتاب تقسيم العلل, والمدخل إلى الطب, ومنافع الأغذية ودفع مضارها, وغير ذلك من المصنفات. أما رسائل الرازي فأشهرها كتاب الجدري والحصبة وتعد مفخرة من مفاخر التأليف الطبية, وقد نقلت إلى عدة لغات وأكسبت الرازي شهرة عظيمة, على أن أهم مؤلفات الرازي على الإطلاق كتابه (الحاوي في الطب( وهو يتضمن كل ما توصل إليه الطب السرياني والعربي من معرفة واكتشافات. وقد نقله إلى اللاتينية (فراج بن سالم الإسرائيلي) سنة 1279م.
من جهة أخرى كان من زنادقة الاسلام الذين يؤمنون أن الله هو خالق الخير و ابليس هو خالق الشر (المذهب المثنوي الفارسي القديم) . و قيل بأزلية خمسة أشياء هم الله و ابليس و الزمن و الخلاء (أي العدم) و الهيولي (الروح) . جمع بين مذاهب الصابئة و الدهرية و الفلاسفة و البراهمة الهنود ، ووضع كتابا في ابطال النبوءة ، و رسالة في ابطال القيامة و اليوم الآخر. وقد أثار ذلك حفيظة الكثير من العلماء ضده حتى رموه بالكفر واتهموه في دينه .
المراجع: سير أعلام النبلاء (14/ 354، 355). عيون الأنباء في طبقات الأطباء: ابن أبي أصيبعة (2/ 343: 361). في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية (ص (90: 117). الوافي بالوفيات (3/ 75: 77).

وفي كتاب اعلام النبوة، لكاتبه أبو حاتم الرازي، وقد كتبه للرد على ابي بكر الرازي، وبفضل ذلك وصلت الينا لمحات . من افكار الرازي التجديفية والتي لولاها لما وصلنا شئ ومن الكتاب المذكور نجد المقطع التالي:
قد والله تعجبنا من قولكم القرآن مُعجز وهو مملوء من التناقض، وهو أساطير الأولين – وهي خرافات ... إنكم تدعون أن المعجزة قائمة موجودة – وهي القرآن – وتقولون:" من أنكر ذلك فليأت بمثله". إن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أَطلَق منه ألفاظا، واشد اختصاراً في المعاني، وأبلغ أداء وعبارة وأشكل (أي أنضج) سجعاً؛ فإن لم ترضوا بذلك فإنا نطالبكم بالمثل الذي تطالبوننا به ... وأيم الله لو وجب أن يكون كتاب حجة، لكانت كتب الهندسة، والمجسطي الذي يؤدي إلى معرفة حركات الأفلاك والكواكب، ونحو كتب المنطق، وكتب الطب الذي فيه علوم مصلحة للأبدان أولى بالحجة مما لا يفيد نفعاً ولا ضراً ولا يكشف مستوراً ... ومن ذا يعجز عن تأويل الخرافات بلا بيان ولا برهان إلا دعاوي أن ذلك حجة؟ وهذا باب إذا دعا إليه الخصم سلمناه وتركناه وما قد حل به من سُكر الهوى والغفلة مع ما إنا نأتيه بأفضل منه من الشعر الجيد والخطب البليغة والرسائل البديعة مما هو أفصح وأطلق وأسجع منه. وهذه معاني تَفاضُل الكلام في ذاته. فأما تفاضل الكلام على الكتاب فلأمور كثيرة فيها منافع كثيرة، وليس في القرآن شيء من ذلك الفضل، إنما هو في باب الكلام، والقرآن خلو من هذه التي ذكرناها

التوحيدي (توفى 1023م):هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي . أبو حيان . قيل إن أباه كان يبيع نوعا من التمر يسمى التوحيد ، أو لعل هذه النسبة جاءته من أنه كان من المعتزلة من أهل العدل والتوحيد. فيلسوف ، معتزلي متصوف . ولد في شيراز أو نيسابور وقضى معظم أيام حياته في بغداد وتلقى فيها العلوم على شيوخ العصر في الفقه والنحو المنطق واللغة . كتب أبو حيان التوحيدي كتبا كثيرة أشهرها : المقابسات ، وهي مذكرات كان يكتبها بعد الجلسات التي كان يعقدها مع الأدباء والمفكرين والأعيان . كتاب (الإمتاع والمؤانسة) وهو أيضا مجموعة من الموضعات حدث بها أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي ، في مدى سبعا وثلاثين ليلة ، ثم جمعها في كتاب ، ومن تآليف التوحيدي رسالة في علم الكتابة ، وكتاب (بصائر القدماء وسرائر الحكماء) وكتاب (الإشارات الإلهية والأنفاس الروحانية) ورسالة في أخبار الصوفية . وكتاب رياض العارفين ورسالة في الإمامة وكتاب (الهوامل والشوامل) . وقد أحرق التوحيدي في آخر حياته ، كتبه ، فلما عذل في ذلك قال : إني فقدت ولدا محبا وصديقا حبيبا ، وصاحبا قريبا ، وتابعا أديبا ، ورئيسا منيبا ، فشق علي أن أدعها لقوم يتلاعبون بها ويدنسون عرضي إذا نظروا فيها ، وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة ، فما صح لي من أحدهم وداد ، ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ ، وقد اضطررت بينهم ، بعد الشهرة والمعرفة، في أوقات كثيرة ، إلى أكل الخضر في الصحراء ، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة ، وإلى بيع الدين والمروءة " .
وكان معتزليا على مذهب الجاحظ مع ميل إلى التصوف . وقد رمي بالزندقة وقال عنه ابن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي والتوحيدي والمعري .
المراجع: معجم الأدباء 5/381 . وفيات الأعيان 2/474 (في آخر ترجمة ابن العميد) الأعلام 5/144. دائرة المعارف الإسلامية : (التوحيدي) . تاريخ الأدب العربي لفروخ 3/70 ، 73 . أخبار الحكماء ص/185 ، 186
ابن سينا(981-1037م):هو الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا ، هو ألمع اسم بعد الرازي في تاريخ الطب العربي . فقد كان الرازي يتفوق على ابن سينا في الطب ، وكان ابن سينا يتفوق عليه في الفلسفة . وفي الواقع فقد تجلت في ابن سينا صفات الفيلسوف والطبيب والفقيه والشاعر . يعرف عند الغرب باسم (Avicenne) . ولد في (أفشنة) إحدى قرى بخارى ، وكان أبوه من (بلخ) وانتقل إلى بخارى وتزوج من (أفشنة) ، وكان يتعاطى في بخارى مهنة الصرافة . وفي بخارى تلقى ابنه الحسين العلم واستظهر منذ حداثة سنه القرآن الكريم وألم بعلوم الشريعة والدين ، ثم أكب على دراسة الطبيعيات والرياضيات والمنطق وعلوم ما بعد الطبيعة ، وأخذ فن الطب من طبيب مسيحي يدعى عيسى بن يحيى .



استهوته الفلسفة فأكب على دراستها وعكف على علم ما بعد الطبيعة وطالع كتاب أرسطو فيه وأفاد من كتاب الفارابي في أغراض ما بعد الطبيعة الذي شرح فيه علم أرسطو ، فانكشف لابن سينا ما كان مستغلقا عليه منه ، وأقام مذهبا فلسفيا في الوحدانية يقترب إلى أقصى حد ممكن من تركيب يؤلف بين الإسلام وتعاليم أفلاطون وأرسطو . أشهر كتبه في الفلسفة (الشفاء) وقد قصد به شفاء النفس من عللها وأخطائها وعالج موضوع النفس بقدر ما عالج موضوع الجسم ، وكتابه (النجاة) وهو مختصر كتابه (الشفاء) ، وأشهر كتبه في الطب كتاب (القانون) وفيه خلاصة فكره الطبي ، شاملا آثار الإغريق والعرب ، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد وطبع ست عشرة مرة في القرن الخامس عشر ، وكان مادة تعليم الطب في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن السابع عشر .



كان يقول بنفس المبادئ التي نادى بها الفارابي من قبله بأن العالم قديم أزلي و غير مخلوق ، و أن الله يعلم الكليات لا الجزئيات ، و نفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح في يوم القيامة . و قد كفره الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" ، و أكد نفس المكعلومات ابن كثير في البداية و النهاية (12/43) . وقد أكد ابن عماد في شذرات الذهب (3/237) أن كتابه "الشفاء" اشتمل على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين . و شيخ الاسلام ابن تيمية أكد أنه كان من الاسماعيلية الباطينية الذين ليسوا من المسلمين أو اليهود أو النصارى. فقد قال عنه:
( فأهل الوهم والتخييل هم الذين يقولون : إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه ولكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق .
وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم علي هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية وهؤلاء يقولون : الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة .
ثم من هؤلاء من يقول : النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة .
ومنهم من يقول : ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل علي النبي ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد علي النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء ـ في زعمه ـ علي الأنبياء وكما يفضل الفارابي و مبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف علي النبي .) المراجع: ابن الأثير 9/436 . تاريخ الحكماء ص/52 ، 72 . طبقات الأطباء ص/437 ، 459 . النجوم الزاهرة 4/25 . البداية والنهاية 12/42 . الموسوعة الفلسفية المختصرة ص/12 . تراث الإسلام 3/144 . تراث العرب العلمي ص/165



عمر الخيام (1048 -1131م):هو عمر بن إبراهيم الخيام, غياث الدين أبو الفتح. من أهل نيسابور مولدا ووفاة. شاعر فيلسوف, وعالم مشهور من علماء الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ. صنف الكتب ونظم الشعر بالفارسية والعربية وترجع شهرته في الشرق والغرب إلى رباعياته. وتدور معظم رباعيات الخيام على الحب والخمرة, وبها يستدل في بلوغ مراميه بأسلوب رمزي. وفي رباعياته استخفاف ظاهر بالدنيا والآخرة وبالعقل والشريعة.
يقول في الجنة:
يقولــون حـور فـي الغـداة وجنـة
وثمــة أنهـار مـن الشـهد والخـمر
إذا اخــترت حـوراء هنـا ومدامـة
فمـا البـأس فـي ذا وهو عاقبة الأمر
و يقول مخاطبا الله:
إلهي قل لي من خلا من خطيئة
و كيف ترى عاش البريء من الذنب
إذا كنت تجزي الذنب مني بمثله
فما الفرق بيني و بينك يا ربي؟
و يتساءل: لبست ثوب العمر ما استشارني ربي يوم خلقني؟
المراجع: ابن الأثير 1 / 98 - تاريخ حكماء الإسلام ص / 119 - تراث فارس ص / 379 - جهار مقالة ص / 155 - تاريخ الحكماء للقفطي ص / 162 - تاريخ الأدب في إيران ص / 304



ابن عربي (1165-1241م):هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي, المرسي الأندلسي, محيي الدين أبو بكر, المعروف بابن عربي (من غير أداة التعريف, تمييزا له عن القاضي أبي بكر بن العربي) . ولد ابن عربي في مدينة (مرسية) بالأندلس ولما شب انتقل إلى إشبيلية وفيها بدأ تعلمه, ثم انتقل إلى قرطبة وفيها درس علوم القرآن وعلومه والفقه والحديث ومال إلى المذهب الظاهري, مذهب ابن حزم . وفي قرطبة اتصل بعلمائها كأبي الوليد بن رشد وأبي القاسم بن بشكوال وغيرهما. اختلف الناس فيه فمنهم من عده من الأتقياء والأولياء ومنهم من جعله من الملحدين المارقين, ولعل رأي هؤلاء فيه ما جاء على لسانه من شطحات يدل ظاهرها على الانحراف عن الشريعة وعقيدة الإسلام. ومن أصحاب المذهب القائل "بأن الله والطبيعة شيء واحد وبأن الكون المادي والإنسان ليسا إلاّ مظاهر للذات الإلهية" . وقد صنف ابن عربي كتبا كثيرة قيل إنها تجاوزت أربعمائة الكتاب أهمها: الفتوحات المكية, وفصوص الحكمة ومفتاح السعادة, ومحاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار وغير ذلك . كتاب فصوص الحكمة ألفّه في دمشق قبل وفاته بـ 11 عاماً، قصد ابن عربي من خلال هذا العمل عرض حياة وتاريخ الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم على ضوء عقيدته في التوحيد, وقد جاء عمله مطابقاً للكتاب المقدس . وفي هذه الكتب شرح مذهبه الذي يقوم على (وحدة الوجود) وهي امتزاج اللاهوت بالناسوت بما يشبه امتزاج الماء بالخمر بحيث لا يمكن فصلهما أو التمييز بينهما. وهي الفكرة التي تصورها الحلاج من قبل ونادى بها

يقطين وابنه علي بن يقطين: اشتد طلب (الخليفة ) موسى الهادى للزنادقة فقتل منهم جماعة فكان فيمن قتل منهم كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين وكان علي قد حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون فقال‏:‏ ما أشبههم ببقر يدوس في البيدر ‏.‏
فقال شاعر للخليفة موسى الهادى ‏:‏
قل لأمين الله في خلقه ووارث الكعبة والمنبر
ماذا ترى في رجل كافر يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا ما سعوا حمرًا يدوس البر والدوسر
فقتله موسى ثم صلبه 0 [ راجع المنتظم في التاريخ الجزء الثامن ( 102 من 202 ) ]