فكرة تجسيد شخص الله

ان فكرة تجسيد شخص الله ضرورة اساسية لتمكن المؤمن من تصور وجوده ...فتصور ان الله ليس شخص مشكلة عويصة ...لانه بدون تشخيص الله لا يمكن اطلاقا تصور وجوده في ذهن الانسان ...فالمؤمن الذي يتعبد الله يخاطبه و كانه يخاطب شخص اخر و لكنه افضل منه مقارنتا بصفاته هو و لهذا السبب فالانسان أقرب الى تشخيص و تجسيد الله منه الى تجريده و هذا نجده في كل الديانات و التي تصور الله على صورة ...البشر

رغم ان معضم الاديان اليوم صارت ترفض فكرة تشبيه الله بالانسان و تميل اكثر الى تجريده باعتبار ان التجسيد هو نوع من النقص و ذلك بتاويل النصوص الدينية التي تقر بتجسيدها لله في صورة من الواضح انها صورة البشر له يد و عين و ساق جميلة يكشفها للمؤنين يوم القيامة حسب النسخة الاسلامية

المسلمون و لو انهم في السطح يرفضون فكرة تجسيد الله الا انك حين تقلب صفحات النصوص الاسلامية و تتدبر فيها ستكتشف ان الله في الاسلام هو شخص ايضا بل و الاغرب من هذا ستكتشف انه جسد شبيه بالانسان ايضا فبداية بالصفات ...صفاته كلها انسانية ..فهو يغضب و يحب و يكره و يبتسم و يمكر و يبطش و يعاقب و يبتكر و يكلم و يرسل الرسل و ينشر الكتب و يغير رايه و يتردد (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن...)حديث قدسي اضف الى كل هذه الصفات الانسانية انه أيضا عاقل و ذكي و جميل و عليم و اضف الى كل هذا ان له ساق و عين و يد(يد الله فوق ايديهم) و هو ينفخ ايضا و يتكلم

ورد في صحيح مسلم و صحيح البخاري الحديث الاتي : ( خلق الله ادم على صورته) و في رواية : (خلق الله ادم على صورة الرحمن) و في رواية ( اذا قاتل احدكم اخاه فليجتنب الوجه، فان الله خلق ادم على صورته) يتفق كل المسلمين بكل طوائفهم شيعة و سنة على ان هذا النص صحيح و لم يطعن فيه أحد يقول النووي: من المؤمنين من يمسك عن تاويل هذه الروايات و يقول نؤمن بانها حق و ظاهرها لها معنى يليق بها و هذا مذهب جمهور السلف و هذا احوط و اسلم و قال بعضهم ان الضمير يعود على ادم و هذا فيه ضعف (شرح النووي ج16 صفحة 142) و قال بن حجر العسقلاني: و زعم بعضهم ان الهاء في قوله (خلق الله ادم على صورت(ه)) تعود على ادم و هذا محتمل (فتح الباري ج5 صفحة 492) أي يصبح الحديث بمعنى : خلق الله ادم على صورة ادم ؟؟؟ااا و كان الله قام بخلق صوة ادم ثم خلق ادم على تلك الصورة ...و طبعا هذا معنى مستبعد و الواضح من اعتماده هو البحث عن مخرج لتاويل حديث صريح وواضح يبين لنا كيف كان ينضر الاسلام في مرحلته البدائية الى الله كجسد

و الدليل ما قاله احمد ابن حنبل في القرن السابع الهجري و هو احد ائمة اهل السنة و أحد مؤسسي أحد مذاهب اهل السنة ...يقول عن هذا الحديث : من قال ان الله خلق أدم على صورة ادم فهو جهمي ، و أي صورة كانت لادم قبل أن يخلقه؟ا (طبقات الحنابلة ج1 ص 285) و الجهمية هي فرقة ظهرت في القرن الهجري الثاني أي في نفس عصر ابن حنبل و كانت ترفض اسقاط الصفات البشرية على الله و تعمد الى تاويل كل الصفات التي وردت في النصوص و تجريدها و بظهور الجهمية بدات اول محاولات في الاسلام لتجريد الله و ابعاده عن التجسيد لاحظ ان تفسير الجهمية لهذا الحديث الذي يرفض اعادة الضمير(الهاء) على الله كان مرفوضا في بدايات القرن الثاني الهجري صار اليوم هو التفسير المعتمد في القرن الرابع عشر

يقول ابن تيمية : لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة ) نقض التأسيس 3/202 لاحظ هنا عزيزي القارئ كيف يؤكد لنا ابن تيمية ان مسالة تنزيه الله عن التجسيد او أي تشبيه بالبشر مسالة مستحدثة في الاسلام و لم يكن هذا الحديث ليزعج الصحابة او السلف التي لم تكن نظرتهم الى الله كنظرة المسلم اليوم

ثم لاحظ عزيزي القارئ ان نفس النص مذكور في التوراة بالسياق الاتي : خلق الله الانسان على صورته ، على صورة الله خلقكم ذكرا و انثى (تكوين 1)...فمن الواضح جدا ان النص الاسلامي (خلق الله ادم على صورته) مسروق حرفيا من التوراة فكيف يريد اقناعنا هؤلاء ان الهاء التي يقصدها محمد لا تعود على الله؟ا كنت سابقا كتبت عن موضوع المسيح الدجال في مقال ذكرت فيه الرواية التالية من صحيح مسلم كتاب(الفتن الكبرى و اشراط الساعة): عن عبد الله قال ذكر الدجال عند النبي فقال: (( ان الله لا يخفى عليكم ، ان الله ليس باعور و أشار بيده الى عينيه و ان المسيح الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية)) و في رواية : ((.ما من نبي الا و قد انذره قومه...و لكن أقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلموا انه اعور و ان الله تبارك و تعالى ليس باعور))

اذا من الواضح من خلال هذا الحديث هنا ان الله عند السلف هو صورة تشبه ادم و لهذا سيحدث ارتباك عند المسلمين حين ياتي المسيح الدجال الذي سيدعي انه هو الله ...فكيف سيعرفون ان كان هو او لا....محمد اعطاهم السر الذي يفرقون به بين الله الحقيقي و الله المزيف في قوله ((اقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه: انه اعور و الله مش اعور))) اذا (((خلق الله ادم على صورته)))يصبح حديثا مفهوما بان محمد يقصد هنا المعنى الظاهر و هو ان الله يشبه ادم في الصورة و ليس في الصفات فقط و هذا ما فهمه السلف و كل الصحابة و لم يختلف فيه اثنين على قول ...ابن تيمية

هذا الكلام قد لا يعجب المسلمين اليوم و لكن لو فكرتم مليا فستجدون انكم لا تستطيعون التفكير في الله كذات مجردة عن التجسيم و التشخيص و مطلقة ...لانه سيصبح حينها لا شيء...و لكن حين تحاولون التفكير في الله بمنظور بشري كشخص يشبهنا على الاقل يصبح من السهل تقبل وجوده في مخيلتك ....و هذا دليل أخر بان مخيلتك نفسها هي التي خلقت الله