اللغة العربية في قفص الظلم

ليس بجميل أن نتشاءم مع المتشائمين، أو نجمد مع الجامدين، فنتهم لغتنا بالجمود والتخلف، والعجز والضيق، لأن لها من ماضيها وتاريخها ما يشهد بهضمها لمختلف الثقافات، وأدائها لكثير من مطالب الحياة. وليس بمحمود أن نقف منها هذا الموقف –ونحن حماتها وسدنتها- فنقعد بها عن النهوض، مسايرة الحياة المتطورة،ولوعا منا بكل ما هو أجنبي، ورميا لها بالجمود والقصور، وانها لا تصلح لعصر عج بالمخترعات، وامتلا بالعلوم والفنون. وإذا كان الكثيرون من أعداء اللغة العربية والأجانب عنها قد شهدوا بفضلها واعترفوا بجليل  أثرها فما بالنا نزري بها، ونرميها بالضيق تارة، والعقم أخرى، غافلين عما كان لها من سابق عز، وناسين أنها لم تكن في يوم ما قاصرة أومقصرة، جامدة أو متخلفة، انما العيب عيبنا، لأننا فتنا بكل ما هو أجنبي فأكبرناه، وفقدنا كل ثقة في لغتنا فأهملناها، فحق للمرحوم حافظ ابراهيم أن يأسى لاساها، وأن ينعى علينا موقفنا منها.
وان نظرة  واحدة الى معاجم اللغة العربية وموسوعاتها كفيلة بأن تقفنا على ما تتمتع به لغتنا من سعة وغنى في الألفاظ والتراكيب والمترادفات مع أنه لم يدون منها إلا ما كثر تداوله، ولم يستعمل من موادها إلا عشرة آلاف مادة بينما تتألف من ثمانين ألف مادة.
لذا وجب الشكر لأصحاب هذه المعاجم والموسوعات، لما قاموا به من جهد عظيم يشهد بأن المعجم العربي سيبقى على الدوام مرجعا هاما، لتوضيح كل غامض اذا راعى الباحث الدقة والاحتراس، وسيظل موردا صفوا يتزاحم عليه رواد الآداب والفنون  في عصرنا الزاهي بألوان الحضارة المستحدثة، وأفانين الابتكار المتجدد، حيث تشتد الحاجة إلى أسماء لمسمياتها، ودلائل لمدلولاتها.
فغلتنا الضادية أغزر اللغات ثروة، وأوسعها مدى، وأكثرها  أوضاعا، وهي بثروتها في المفردات وضروب الاشتقاق والمجاز والوضع، وبمرونتها بالنحت والقلب والابدال تصلح للأغراض العلمية والأدبية، وتفي بمستحدثات الحضارة، ومبتكرات العلم، فمن السهل أن نكتب بها ما نشاء، وأن نترجم  إليها ما يزيد وأن نعرب كثيرا من المصطلحات الأجنبية، فنساعد بذلك رجال الطب والهندسة والصيدلية والعلوم الكيماوية والحيوانية والنباتية على أداء مهمتهم بألفاظ وعبارات مختصرة واضحة، ومصطلحات جديدة تفي بالمطلوب.
وليس هذا ادعاء أو تعصبا للغة العربية، فقد استطاعت في فترة ما أن تنقل إليها حضارات الشرق الأدنى عن طريق الترجمة والتوليد والتعريب، وإحياء المفردات القديمة، واسباغ المعاني الجديدة عليها، كما ورثت في العصور الوسطى حضارات الأمم القديمة من يونان ورومان وفرس وغير ذلك، وتمثلت كل ذلك وطبعته بطابعها، وزادته ونمته، فصار أصيلا بعد أن كان دخيلا، وصميما بعد أن كان ضعيفا غريبا، وقامت بأعباء الملك الواسع والسلطان العريض، وما يقتضيه من آداب وعلوم وفنون، فأضافت بذلك إلى سلسلة الحضارة الانسانية حلقة لامعة ممتازة، كما زادت في صرح المدينة العالمية طابقا شامخا باذخا.
 وإذا كنا قد لا حظنا في تاريخ اللغة العربية أنها لا تقوم ببعض حاجات المخترعين فليس ذلك عن عيب فيها، انما العيب واقع على أبنائها الذين أهملوها، ولم يفتشوا عن ثرواتها الضخمة في كل علم أو فن، مع ملاحظة أن تقدم العلم والفن والفلسفة في القرنينا الأخيرين كان سريعا، وفي القرنين الأخيرين كان العالم العربي مرزوءا بالاستعمار، ثم أفاق أبناؤه من غفوتهم  فألقوا لغتهم قارة عن التعبير عن هذه الحياة، قد وقف نموها، وصوح زاهر مجدها، وهكذا سبيل الكائن الحي، وسنة الله في خلقه : قوة، ثم ضعف، ثم بعث.
واللغة العربية قد مرت بكل هذه الأطوار، فقد استخدمها عرب البادية في وصف حياتهم، والتعبير عن احساساتهم في صحرائهم، وبين ابلهم وآرامهم، ثم صارت في عصور  الحضارة الإسلامية لغة العلماء والأدباء والفلاسفة، يؤدون بها سائر المعاني العلمية والأدبية والفلسفية، ويترجمون إليها مختلف الثقافات الإنسانية. ثم كتب عليها الخمول، فبقيت مئات السنين بعيدة عن كل إنتاج علمي وأدبي وفلسفي. واليوم نراها تبعث من مرقدها في ثوب جديد، وتجتاز مرحلة من مراحل تطورها، فتجد نفسها في عالم جديد موحش متطور، حافل بالمخترعات والصناعات والآلات لذا كان لزاما عليها أن تتطور في ألفاظها وعباراتها ومدلولاتها بما بتفق والحياة الجديدة، وأن تحيل كل ما يداخلها من ألفاظ اللغات الأخرى إلى أوضاعها الخاصة بها، وأن تخترع عبارات تستمدها من الحياة التي تعيشها، والمخترعات التي تستخدمها، لأن اللغة التي لا توائم  بين نفسها وما يحيط بها مصيرها الزوال لا محالة، كالأمة التي تنطوي على نفسها، وتقيم بينها وبين المدينة حجابا، فلا  تلبث أن تتخلف وتبيد.
 والطريقة المثلى لذلك هي أن يكلف المختصون -فرادى ومجتمعين- وضع المؤلفات العلمية في مختلف العلوم والفنون، حتى تتألف لنا ثروة من الأدب العلمي، يصح أن يعتمد عليه علماء اللغة في استخلاص المصطلحات والعبارات العلمية في لغتنا الحديثة، وتحديد معانيها بمعاونة العلماء المختصين  في ذلك، وليس من الخير كما يقول المرحوم الدكتور على مشرفة «أن يتعجل علماء اللغة وضع المصطلحات العلمية قبل ورودها في المؤلفات العلمية، وشيوع استعمالها، لأن ذلك يكون من باب التسرع، وقلب النظام الطبيعي لتطور اللغة، وهو في الغالب مجهود أكثره ضائع، اذ لا يمكن التنبؤ بما إذا كان مصطلح من المصطلحات سيبقى، ويدخل في صلب اللغة، وهو في الغالب مجهود اكثره ضائع، اذ لا يمكن التنبوء بما اذا كطان مصطلح من المصطلحات سيبقى، ويدخل في صلب اللغة، أو سيموت ويحل غيره محله».
ولنثق تمام الثقة أن لغة الضاد لن تقف عاجزة أمام وصف آلة، أو ايجاد اسم لمخترع ما، لأن اللغة التي وسعت كتاب الله الكريم، والتي يستمتع المسمى الواحد فيها بمئات الأسماء لا يتصور عجزها. على أن هذا العدد الضخم من الأسماء  للمسمى الواحد قد راع كبار المستشرقين، فعبروا عنه في أكثر من مجال، فالعلامة (ارنست رينان) يقول «ان لغويا من العرب كتب في متن اللغة رسالة ذكر فيها خمسمائة اسم للأسد» ونحن نعرف أن للسيف في العربية أكثر من ألف مرادف، وللثعبان مائتين، وللجمل ألفا، وللداهية أربعة آلاف، كما نعلم أن الفيروز بادي كتب رسالة عن العسل، وتركها من غير تكملة، بعد أن ذكر ثمانين مرادفا لتلك الكلمة، إلى غير ذلك مما يشهد أن اللغة العربية ثروة دونها كل ثروة، وان المعنى الواحد يمكن التعبير عنه فيها بكثير من الأساليب.
 فاللغة العربية تنعم بثروة لغوية ضخمة، فلما توافرت للغة ما، وحسبك أن في المهجور من ألفاظها سبعين ألف مادة لم تستعمل الى اليوم، وما وضعه المرحوم الشيخ أحمد الاسكندري من أسماء الجواهر والفلزات في المؤتمر الطبي ببغداد خير شاهد على ما تشتمل عليه من كنوز ثمينة في المفردات، كما أن معجم (الحيوانات والنبات) للدكتورين المصريين محمد شريف، واحمد عيسى قد كشف عن ألفاظ عربية لنباتات وحيوانات كنا نستعمل عند الدلالة عليها اسماء لاتينية، ظنا  أن لغتنا خالية من اسمائها.
ولم يكن هذا الثراء اللغوي الذي سعدت به اللغة العربية خاصة بمفرداتها، بل تناول صيغ قواعدها والمتأمل في صيغ جموع التكسير، والمصادر، واسماء المصادر، يدرك أن في اللغة  العربية ثروة لا تحد،  وأنها انما خلقت لتمد الزمن بحاجاته.
 والموازنة بين العربية واية لغة أخرى من اللغات السامية –شمالية أوجنوبية- ترينا أن العربية أغنى تلك اللغات وأنها لا تقل ثروة عن اللغات اللاتينية والاغريقية قديما، كما لا تقل عن الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية حديثا، ولا نكون مبالغين إذا قلنا  أنها أغنى اللغات الحية بمفرداتها، وكثرة أبنيتها، واسباب نموها، فحق لأحد علمائها اذن أن يقول في فخر وزهو (ان لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها الفاظا، ولا يحيط به إنسان غير نبي).
ولم يخف ما امتازت به العربية من طواعية ومرونة وصلاحية لبحث الأمور المعنوية، ووفاء بمطالب المدنية الحديثة على المستشرق الألماني «نولدكه» ولهذا رأيناه يتعصب لها، وينتقص جاحدي فضلها فيقول «أن من الخطأ الشائع أن نظن أن اللغة العربية فقيرة لا تصلح لبحث الأمور المعنوية، فعلى العكس يندر أن نجد لغة أخرى كاللغة العربية تصلح لأن تكون وسيلة للتعبير عن الفلسفة القديمة، وأصول حكمة الأولين».
 وقد صدق «نولدكه» فيما قال، فقد وسعت العرببية كل ما ترجم إليها في العصر العباسي من فلسفة ومنطق وطب وكمياء وغير ذلك، وشايعت بأوضاعها وابنيتها وصيغتها كل ما يجد من مستحدثات الحياة، وبهذا صارت صاحبة السيادة العلمية والفلسفية والأدبية والدينية في ذلك العصر، وأصبحت لغة الكتابة والخطابة والتأليف والتعليم، وأضحى من السهل جدا أن نترجم إليها في العصر الحاضرأي كتاب علمي أو فلسفي أو أدبي، إذا كنا على علم دقيق بأصول العربية، واقفين على أسرارها متأدبين بآداب اللغة الي ننقل عنها.
 وقد نزداد اعتزازا بلغتنا، وتعلقا بها حين نرى المستشرق الفرنسي (ارنست رينان) أعدى أعدائها يعترف في صراحة مفاجئة بأن «العلوم والآداب والحضارة مدينة بازدهارها وانتشارها للعرب وحدهم طوال ستة قرون» ثم لا يكتم شعوره واعجابه بما وصلت إليه من كمال، وما امتازت به من ثروة لفظية، وتراكيب منطقية بحيث فاقت في ذلك أخواتها الساميات، بالرغم من نشأتها وسط الخيام، وفي كنف الصحراء، فيقول :«ان مما يثير عجبي أن لغة كاللغة العربية قد نشأت في بلاد صحراوية –كبلاد لعرب- تصل الى درجة الكمال في خيام البدو».
ولم يختلف حال اللغة العربية بعد الإسلام عنها قبله، فقد ظلت بعده ينبوعا فياضا، وموردا عذبا، غنيا بروافده، فانتشار الدين الإسلامي في القرنين السابع والثامن الميلاديين قد اكسبها حياة جديدة، وأظهر جمالها في كل بلد أشرقت فيه شمس الإسلام، ونزول القرآن الكريم بها كان له أكبر الأثر في الحفاظ على قواعدها ومعاجمها وآدابها وتاريخها، وبخاصة خلال القرون الوسطى، فمن الناحية الأدبية، افاض عليها القرآن جمالا فنيا، وبيانا سهلا مؤثرا، ومن الناحية العلمية أحدث فيها علوما لسانية وبيانية وتشريعية.
 ولقد سجلت الدراسات اللغوية التفوق والغلبة للغة العربية في كل مكان وصلت إليه، وكشفت عن الدور الذي لعبته حين احتكت بغيرها من اللغات، وامتزجت بسواها من الثقافات الأجنبية عنها، فحين فتح العرب بلاد الفرس بين (640-651م) اعتنق الشعب الفارسي الدين الإسلامي، وحلت اللغة العربية محل اللغة الفارسية، وصارت لغة الدولة الرسمية، ولغة العلم والأدب، ولا أستطيع أن أمر بهذا الحدث دون أن أشير إلى ما كان له من نتائج جوهرية كفانا المستشرق الألماني «نولدكه» مئونة التعبير عنها حيث قال:«إن اللغة اليونانية لم تؤثر في الحياة الفارسية الا تأثيرا سطحيا، ولكن العربية قد اثرت فيها كل التأثير، فتدينت ايران بالدين العربي، والأخلاق والعادات العربية».
 فكل أمة استظلت براية الإسلام قد غمر طوفان العربية لغتها، فكتبت بالكلمات العربية والعبارات الاصطلاحية في المؤلفات الدينية والعلمية، وإليك ما قاله «بروني» أحد المستشرقين الانجليز:«إن من الصعب أن نكتب لغة فارسية خالية من اللغة العربية، كما أن من الصعب أن نكتب لغة انجليزية خالية من اللغة الإغريقية او اللاتينية، ومن الممكن فعل ذلك في حدود معينة، ولكن  النتيجة هي : ان من الصعب فهم ما يكتب من غير التجاء إلى المعجم العربي، وحينما اكتب هذا أمامي صحيفة فارسية مادتها سهلة، وأفكارها واضحة، ومع ذلك فإن الكتاب أنفسهم  قد شعروا بأنهم مضطرون لكتابة هامش لما يكتبون، شارحين معاني اثنتى عشرة كلمة على الأقل من مائة كلمة بما يرادفها من الكلمات العربية، حتى يستطيع القارئ العادي أن يفهمها...».
 والمتتبع لتاريخ اللغة العربية في علاقتها بالدول والشعوب الأخرى بعد ظهور الإسلام يلمس تأثيرا كبيرا، فقد اتخذت الفارسية الحروف الأبجدية حروفا لها، واستعارت كثيرا من كلماتها وجملها، والاثر العربي واضح جدا في اللغة الفارسية وآدابها، وقد لا حظ المستشرق الفرنسي «رينان» ان كل الكلمات عربية في بعض الكتب الفارسية، ولو أن القواعد غير عربية، وثلاثة أرباع الكلمات في اللغة الهندوستانية مأخوذة عن العربية، واللغة التركية مدينة في كثير من كلماتها للعربية، وكانت تستخدم الحروف الأبجدية قبل عهد (مصطفى كمال) وقد تأثرت لغة شبه جزيرة الملايو باللغة العربية أيضا عندما فتحها المسلمون، واستخدمت حروفها الأبجدية، كما كان تأثيرها ملموسا جدا في افريقية، ولا سيما الجزء الشمالي منها.
 وقد امتد تأثير العربية الى أوروبا نفسها، اللغتين الاسبانية والبرتغالية عدد كبير من الالفاظ والمصطلحات العربية، بل ان اللغتين الانجليزية والفرنسية مدينتان للغة العربية بكثير من الكلمات العلمية التي دخلتها ابان الحروب الصليبية وقبلها. وبرغم كل هذا التأثير فان ما وصل الينا من لغتنا العربية ليس الا قليل من كثير، وغيضا من فيض، لأنها –بجميع  أوضاعها اللغوية- لم تصل الينا، فقد عجز الرواة عن رواية كل ما انشاه العرب من شعر ونثر،  وقد أشار الى ذلك أبو عمرو بن العلاء بقوله : «ما انتهى اليكم مما قالت العرب الا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير». وقريب منه جدا  قول ابن فارس «ان لغة العرب لم تنته الينا بكليتها، وان الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير، وان كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله، ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاء شعر كثير وكلام كثير». ومع ذلك فقد كان هذا القليل الذي روى ثروة أدبية ضخمة، ويؤيد ذلك ما حكى عن الصاحب بن عباد من أن بعض الملوك قد بعث اليه برسالة يسأله القدوم عليه، فقال في الجواب :«أحتاج الى ستين جملا انقل عليها كتب اللغة التي عندي» وقد ذهبت هذه الكتب جميعها في الفتن التي نشأت من التتار وغيرهم، حتى أن الكتب الحية الآن من تأليف المتقدمين والمتأخرين لا تكفي حمل جمل واحد.
 ولم يقف أثر اللغة العربية عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى الناحية الأدبية، فلقد استفاد الغرب والأدب الغربي من الشرق، والأدب العربي كثيرا خلال القرون الوسطى، وكان لحضارة الشرقية والمدنية العربية اثر كبير في النهضة الأدبية في عصر النهضة الأوربية، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن القصص الشرقية من عربية وفارسية وهندية كان لها أكبر الاثر في القصص الغربية، فلولا «ألف ليلة وليلة» ما كان هناك «روبنون كروزو» وقد صرح بذلك  «فيكتور هوجو» في مقدمة قصائده «الشرقيات» حيث قال :«كان العالم كله في عصر لويس الرابع عشر مقبلا على الدراسات الاغريقية، أما الآن فقد أقبل على الدراسات الاغريقية ، أما الآن فقد أقبل على الدراسات الشرقية، لما فيها من فن وخيال وآراء وأفكار» واعترف «وارتون» «بأن الحركة الرومانتيكية في العصور الوسطى –بلا شك- نتاج عربي خالص».
 لهذا التأثير العظيم وتلك المكانة السامية التي احتلتها العربية اللغات الأخرى كان لزاما على الادباء والمفكرين من ابنائها في عصرنا الحاضر أن يحوطوها بعنايتهم، وأن يهيئوا لها أسباب الحياة والنمو، لأن مصيرها ومستقبلها متوقف عليهم، ففي يدهم قتلها وفي يدهم احياؤها. أما  قتلها فيكون بالجمود بها عن تطورها الطبيعي، كما يكون بعدم التعاون بين أهلها على توحيدها والمحافظة عليها. وأما احياؤها فيكون بالغيرة عليها، والتبصر في مصيرها، وحسن الرعاية لها، والسير بها في السبيل الطبيعي لرقيها كلغة حية واحدة. وقصارى القول وغايته اننا رأينا لغتنا العربية وقد اجتمع لها من اسباب الثراء  والنماء حفظ عليها شبابها، وأمدها بثروة أدبية ولغوية جعلتها أقراللغات على تلبية حاجات المجتمع، كما وقفنا على كثير مما قاله الاجانب والمستشرقون عن هذه اللغة. فمن العبث اذن، بل من الحيف أن نفتن بغيرها ونعدل عنها الى سواها، وقد وسعت كتاب الله  لفظا وغاية، وأدت المعنى الواحد بمئين من الألفاظ، فأين –أيها الأخ العربي- لسائر الامم ما للعرب، وأين لسائر اللغات في السعة ما للغتنا المظلومة المهضومة؟