المرأة والدين

ما إن ترفع المرأة صوتها مطالبة بحقوقها وبالمساواة مع الرجل، حتى تتحيز أصوات كثيرة ضدها، تطالبها بالعودة للبيت والإلتزام بالحدود التي رسمها الإسلام لها، بدأً من رجل الدين، مروراً بأوصياء المرأة من الأب للزوج للإبن والأخ والعم والجد، وانتهاءً بأصوات المحافظين يذكرونها بعواقب ـ متخيلة ومفتعلة ـ تحرر المرأة في المجتمعات الغربية، بإظهارها كامرأة مُهانة ومُستغلة جنسياً، وأنها سلعة تُباع وتُشترى وأنها تتعرض للإغتصاب والعنف، زاعمين أن الإسلام قد صانها كمسلمة وصان كرامتها وآدميتها، كما لم تفعل حضارة أو ديانة من قبل، ولن تفعل لاحقاً.
ويبدو الدفع بالدين بالذات في وجه المرأة، حين تتحدث عن حقوقها ومساواتها بالرجل، هو الأسلوب الأمثل لإخراسها، ولكفالة إسكات مشروعها الإنساني في أن تكون جزءاً من عملية التحديث والتنمية والدمقرطة في بلادها، والدفع بالدين تحديداً، هو العامل المعوق الأهم والأخطر أمام تحرر المرأة للأسباب الآتية:
أولاً: سمو الدين وعلويته على أي شيء آخر عداه في مجتمعاتنا، لصدوره عن الله المقدس، الذي هو أدرى بعباده وأعلم بهم منهم.
ثانياً: الإيمان بشمولية الإسلام لكل المسائل الدنيوية والأخروية، وبأنه جاء للبشرية جمعاء بآخر الرسالات السماوية وأكملها لتنظيم حياتهم بكل دقائقها، لذا فإن ما استنه الله ونبيه يظل على حاله حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثاً: الإعتقاد بإن الله غني عن العباد وهم الفقراء إليه، يسن لهم ما يوافق مصالحهم ويدرأ المشقة والفساد عنهم، لذا فأحكامه وشريعته ليست اعتباطية بحال، بل من واقع معرفته بهم وبما يصلحهم، ومن هذا المنطلق فهو الأدرى بالمرأة وبما يناسبها وبما يلائم حالها وطبيعتها.
رابعاً: طالما أن الأمر كذلك، فإن لطف أحكام الله بعباده يتأتى من قصورهم العقلي والمعرفي، فالعقل البشري عاجز عن إدراك ما ينفعه وما يضره، لذا اختص الله نفسه بالتشريع لهم وعنهم، ومن ذلك الأحكام التي تخص المرأة.
خامساً: المرأة في المخيال الإسلامي، من واقع القرآن، ومنظومة الحديث النبوي، وفي تفاسير الفقه وفي فتاوى الفقهاء هي عورة، رديف للشيطان، وفتنة ليس أضيّع منها على لأمة، وأنها خُلقت من ضلع أعوج مهما حاولت تقويمه فسيظل على حاله أعوجاً ميؤوساً من إصلاحه، لذا توجب أن تكون دائماً في رعاية أحدهم منذ ولادتها حتى يتوفاها الأجل، يُوكل إليه أمرها ومعاشها، ولا يُترك لها هذا طرفة عين، فهي غير قادرة على ضبط نفسها، ومن باب أولى ستكون غير قادرة على ضبط من قد يكون بمعيتها كالأبن مثلاً، لذا لا يُعهد إليها بتربية ولا بتهذيب، لدى معظم الفقهاء في الحضانة في حال طلاقها من بعلها، بل هي التي تُربى وتُهذب ـ حتى حين تشيخ ـ بالهجر في الفراش وبالضرب إن لزم الأمر، ولذا لا تجوز لها قوامة ولا إمامة ولا ولاية، وخروجها من البيت وحدها محفوف بالمخاطر، ووجودها مع رجل لا يحرُم عليها هو طامة كبرى لا يعدلها غير إنطباق السماء على الأرض، محكومة على الدوم بوجوب الطاعة لزوجها، لا بالشراكة معه على أساس العقد الذي ارتبطت معه به في علاقة الزوجية، فالعقد أصلاً يعتبرها موطوءة ويعتبر مهرها ثمناً لبضعها الذي هو فرجها للإستمتاع به، ومجرد غضب هذا الزوج عليها سيُدخلها جهنم من أوسع أبوابها ولو أتت بجبل من حسنات، فهي غير مؤهلة لفهم ما يعنيها من أحكام، ولو فهمتها فهي ليست مؤهلة لتطبيقها لأنها أولى بالإطباق عليها.
كل هذه الأحكام التي تجد سنداً لها في القرآن والسنُة وأقول الفقهاء، تلق قبولاً وترحيباً بقوة في المجتمع الذي تعيش فيه، وهي اليوم العامل الأخطر الذي يحول بين المرأة وبين أن تأخذ المكانة اللائقة بها، بعد أن نالت تعليماً يضاهي تعليم الرجل، ونالت وظائف عالية في دول عربية وإسلامية كثيرة، وبعد أن ساهمت في مسيرة الإبداع والتأليف والكتابة والقيادة، وبعد أن قدمت بالذات الكثير من العمل والتضحيات في مسيرة الحراك السلمي أو المسلح في دول ما يسمى بالربيع العربي، بليبيا ومصر وتونس واليمن وسوريا، وفي دول أخرى كالعراق والمغرب والسعودية ... الخ.
والمرأة اليوم في مجتمعاتنا، باتت تُدرك أهميتها في التنمية وفي الديموقراطية وفي نهضة المجتمع ككل، وقد أُتيح لها أن تطّلع وتستفيد من تجارب حركات نسائية سبقتها في دول كثيرة، وتعرف أن التأسيس لحالة مدنية عقلانية في المجتمع بالشراكة مع الرجل، ومحاربة الثقافة العامة التي تسود المجتمع ككل ـ رجال ونساء ومؤسسات ـ هي التي ستكفل لها الوصول لأهدافها في نيل الكرامة والمساواة، هذه المرأة اليوم، تتعلم ببطء لكن بإصرار أن الدين هو عامل معوق لمسيرتها في التحرر، وأن هذا الدين يحرس هوانها ويكرس لتبعيتها بما انطوت عليه أحكامه وتفاسيره من تحجيم لها ولدورها، وأن هذا الدين يجب اليوم أن يُعاد قراءته من جديد، وبمفاهيم عصرية مدنية، في مبادرة تشملها هي بالذات لتجعل منها طرفاً في عملية إعادة القراءة، ليتوقف احتكار الدين وتفسيره من الأصوليين والذكوريين.
على المرأة في مجتمعاتنا العربية أن تواصل الحفر بأظافرها في صخرة المجتمع الصماء، وفي اللوح المقدس لمنظومة العادات والتقاليد، وأن تستعد لمجابهة الدين بالذات، لكونه الأكثر قداسة وتجذراً في الضمير الشعبي ككل، لتغزل قماشة تحررها، وهي رحلة ولا شك ستكلفها الكثير وستدفع بها لكثير من المواجهات العصيبة، وستُدخلها في صدامية مع منظومة مجتمعية كاملة، النساء المعاديات فيها أكثر من الرجال، الناس العاديون فيها أكثر رجال الدين، العادات فيها قبل القرآن والحديث النبوي.

وفاء البوعيسي
كاتبة ليبية مقيمة بهولندا