العقل في القلب وليس في الدماغ

وردت كلمة قلوبهم في القرآن الكريم في حوالي 60 أية، كلها تقول أن القلب هو مصدر الوعي و الإدراك و الشعور بينما لم ترد كلمة عقل او عقولهم و لا مرة واحدة، في حين وردت كلمة يعقلون إثنتان و عشرون مرة و منها (( وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ )) و أيضا منها (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ )) أما كلمة ( العقل ) او التفكير أو الفكر فلم يجري ذكرهم ، في حين نرى كلمة ( الألباب ) قد وردت ستة عشر مرة منها (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ ))
  فال تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة (( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))
 و أيضا في سورة المائدة (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ )). من الواضح أن يعني ان الإيمان بالقلب و ليس بالعقل، او على الاقل بالعقل الذي في القلب وليس في الدماغ.
  يقول تعالى (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا )) فالقلب في تعبير القرآن الكريم هو الذي يفقه لكن إذا كان يتحدث عن القلب كالقلب فهو يقول في سورة الأنعام (( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) فالقسوة موقعها في القلب و هذا معتقد العامة و قد وافقهم القرآن في ذلك، بدون اي اشارة الى انه يعرف الموقع الحقيقي للعقل.
  يمكن ان ينظر المرء على ان تعبيرات تعبيرات القرآن مجازية، ولكن هناك آيتين تتكلمان صراحة ان مركز التفكير وإتخاذ القرار موقعهم في القلب حصراً بدون اي مجال للتأويل او المجازية، كما ان جميع القصص التراثية تتطابق مع عدم مجازية القرآن، والاسوء ان هذه المعاني تتطابق مع سقف العلم في عصر نزول القرآن، فما هي ابعاد القضية فعلا؟ فما هو موقف القرآن   القلب والعقل في القرآن: عشرات الايات التي يذكرها القرآن الكريم، يمكن اخذها على انها مجازية.
 تعزو كفر الإنسان الى أن في قلبه مرض ومن تلك الآيات: ( البقرة 10 - المائدة 52 - الأنفال 49 - التوبة 125 - الحج 53 - النور 50  - الأحزاب 12 - الأحزاب 32 - الأحزاب 60 - محمد 20 - محمد 29 - المدّثر 31 ) وهي مع كونها ذو مغزى واضح إلا انه يمكن القول ان سردها شعري بلاغي فحسب.  والمؤسف أن مع إمكانية كونها تشبيها شعريا فحسب لم يأتي ولو مرة واحدة بتصريح يشير الى معرفته بالمصدر الحقيقي للتفكير والعواطف يتجاوز ماكان يعرفه الحكماء الاوائل ولو لمرة واحدة ثم بعد ذلك يمكنه الاستمرار بإستخدام البلاغة ( في قلوبهم مرض) كيفما شاء. ان الاصرار على سرد 12 مرة بهذا الشكل وغياب الوصف الحقيقي بالشكل الصحيح ولو لمرة واحدة فهو ما يجعل المرء يتساءل. شخصيا أعرف الكثير من الناس الذين في قلوبهم مرض (انسداد بالشرايين - عدم انتظام الدقات - ثقب... إلخ) ولكنهم يمتلئون أيمانا بالله، وعلى النقيض هناك الكثيرون ممّن يضمرون الكراهية للإسلام ولكن قلوبهم سليمة تماما.
  ولكن ايضا يقول القرآن الكريم: "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم."  ثم نجد ان الاية 179 من سورة الاعراف تقول بوضوح لالبس فيه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ  في حين تقول الاية 47 من سورة الحج: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ  هنا نجد ان الآيتين تتكلمان بصراحة عن ان الانسان "يفقه بعقله الذي في قلبه"، تماما كما يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه، سواء بسواء.
 وهذا يتطابق مع خطاب الاية القرآنية التي تقول: الم نشرح لك صدرك، وتفسيرها الذي يقول ان المقصود بهذه القصة الشهيرة هو الوارد في الصحيحين عن جبريل الذي اخرج قلب الرسول وغسله وملئه بالحكمة والايمان، وذلك قبل ان يسري به في ليلة الاسراء.
 يقول نص الحديث في صحيح بخاري: حدثنا ‏ ‏هدبة بن خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏عن ‏ ‏مالك بن صعصعة ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ ‏أن نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا في ‏ ‏الحطيم ‏ ‏وربما قال في ‏ ‏الحجر ‏ ‏مضطجعا إذ أتاني آت فقد ‏ ‏قال ‏ ‏وسمعته يقول ‏ ‏فشق ما بين هذه إلى هذه ‏ ‏فقلت ‏ ‏للجارود ‏ ‏وهو إلى جنبي ما ‏ ‏يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم ‏ ‏أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد  وفي صحيح مسلم: و حدثني ‏ ‏حرملة بن يحيى التجيبي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏ ‏كان ‏ ‏أبو ذر ‏ ‏يحدث ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏فرج سقف بيتي وأنا ‏ ‏بمكة ‏ ‏فنزل ‏ ‏جبريل ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ففرج صدري ثم غسله من ماء ‏ ‏زمزم ‏ ‏ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه  فهل كان القرآن والرسول والمسلمين الاوائل يتعقدون ان عقل الانسان في قلبه؟ دعونا ننظر الى موسوعة الويكبيديا لنرى ماورد عن تاريخ تشريح الدماغ:  For many millennia the function of the brain was unknown. Ancient Egyptians threw the brain away prior to the process of mummification. Ancient thinkers such as Aristotle imagined that mental activity took place in the heart  بالعربي يترجم ذلك الى : انه لعدة قرون ظلت وظيفة مخ الانسان غير معروفة حتى ان قدماء المصريين كانوا يستخرجونه من الجثة قبل تحنيطها ويلقون به بعيداً، وقد اعتبر الفلاسفة القدماء امثال ارسطوطاليس ان الوظائف العقلية تتم في القلب وليس في المخ.
 وتستطرد الموسوعة قائلة، انه بالرغم من ان جالين (129-200) كان من اوائل من اكتشف ان العواطف والتفكير مركزهم المخ وليس القلب إلا ان نظريته لم ترى النور إلا على يد فيساليوس في عصر النهضة (القرن السادس عشر).
  هناك الكثير من المقالات التي تشير الى ان الناس بقوا طويلا، وحتى بعد عصر النهضة، يعتقدون ان القلب هو مركز العقل والتفكير والعواطف .
   القواميس العربية وفهم عصر محمد القرآن الكريم نزل باللغة العربية المبينة، وبالتالي فأن تعابيره يجب فهمها من خلال فهم ابناء عصرها لها، حيث انهم فهموا القرآن بدون حاجة لوجود قواميس، التي كتبت فيما بعد لتعكس لنا مافهمه الاوائل من هذه اللغة، بعد ان اختل اللسان العربي.
 فهل تؤكد القواميس العربية ان المفهوم السائد في ذلك الوقت لمصدر التفكير والعواطف هو القلب ام لا؟ في لسان العرب نجد التعاريف التالية:   العَقْلُ: الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق، والجمع عُقولٌ. وفي حديث عمرو بن العاص: تِلْك عُقولٌ كادَها بارِئُها أَي أَرادها بسُوءٍ، عَقَلَ يَعْقِل عَقْلاً ومَعْقُولاً، وهو مصدر؛ قال سيبويه: هو صفة، وكان يقول إِن المصدر لا يأْتي على وزن مفعول البَتَّةَ، ويَتأَوَّل المَعْقُول فيقول: كأَنه عُقِلَ له شيءٌ أَي حُبسَ عليه عَقْلُه وأُيِّد وشُدِّد، قال: ويُسْتَغْنى بهذا عن المَفْعَل الذي يكون مصدراً؛ وأَنشد ابن بري: فَقَدْ أَفادَتْ لَهُم حِلْماً ومَوْعِظَةً  لِمَنْ يَكُون له إِرْبٌ ومَعْقول وعَقَل، فهو عاقِلٌ وعَقُولٌ من قوم عُقَلاء.
 ابن الأَنباري: رَجُل عاقِلٌ وهو الجامع لأَمره ورَأْيه، مأْخوذ من عَقَلْتُ البَعيرَ إذا جَمَعْتَ قوائمه، وقيل: العاقِلُ الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هَواها، أُخِذَ من قولهم قد اعْتُقِل لِسانُه إذا حُبِسَ ومُنِع الكلامَ. والمَعْقُول: ما تَعْقِله بقلبك . والمَعْقُول: العَقْلُ، يقال: ما لَهُ مَعْقُولٌ أَي عَقْلٌ، وهو أَحد المصادر التي جاءت على مفعول كالمَيْسور والمَعْسُور. وعاقَلَهُ فعَقَلَه يَعْقُلُه، بالضم: كان أَعْقَلَ منه. والعَقْلُ: التَّثَبُّت في الأُمور. والعَقْلُ: القَلْبُ، والقَلْبُ العَقْلُ، وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه، وقيل: العَقْلُ هو التمييز الذي به يتميز الإِنسان من سائر الحيوان، ويقال: لِفُلان قَلْبٌ عَقُول، ولِسانٌ سَؤُول، وقَلْبٌ عَقُولٌ فَهِمٌ؛ وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلُه عَقْلاً: فَهِمه.
  في نفس المعجم نجد ان الدماغ والمخ لاعلاقة لهم بالتفكير بل لايعرف لهم اي وظيفة فيقول:  الدِّماغُ: حَشْوُ الرأْسِ، والجمع أَدْمِغةٌ ودُمُغٌ. وأُمّ الدِّماغِ: الهامةُ، وقيل: الجلدة الرَّقِيقةُ المشتملة عليه.  المُخُّ: نِقْيُ العظم؛ وفي التهذيب: نِقْيُ عظام القصب؛ وقال ابن دريد: المُخُّ ما أُخرج من عظم، والجمع مَخَخة ومخاخ، والمُخَّة: الطائفة منه، وإذا قلت مُخَّة فجمعها المُخُّ. وتقول العرب: هو أَسمح من مُخَّة الوبَر أَي أَسهل، وقالوا: اندَرَع اندِراعَ المُخَّة وانقصف انقصاف البَرْوَقَة فاندرع، يذكر في موضعه.
 وانقصف: انكسر بنصفين. وفي حديث أُمّ معبد في رواية: فجاءَ يسوق أَعْنُزاً عجافاً مِخاخُهنّ قليل؛ المخاخ جمع مُخ مثل حِباب وحُب وكمام وكمّ، وإِنما لم يقل قليلة لأَنه أَراد أَن مخاخَهن شيء قليل. وتَمَخَّخ العظمَ وامْتَخخَه وتَمَكَّكه ومَخْمَخَه: أَخرج مخه. والمُخاخَة: ما تُمُصِّص منه.
 وعظم مَخيخ: ذو مخ؛ وشاة مَخيخة وناقة مخيخة؛ أَنشد ابن الأَعرابي: باتَ يُماشي قُلُصاً مَخائِخا   وأَمَخَّ العظمُ: صار فيه مُخّ؛ وفي المثل: شَرٌّ ما يُجِيئُكَ إِلى مُخَّةِ عُرْقُوبٍ. وأَمَخَّتِ الدابة والشاة: سَمِنت. وأَمَخَّت الإِبل أَيضاً: سَمِنَت؛ وقيل: هو أَوّل السِّمَن في الإِقبال وآخر الشحم في الهُزال. وفي المثل: بين المُمِخَّة والعَجْفاءِ.
 وأَمَخَّ العود: ابتَلَّ وجرى فيه الماءُ، وأَصل ذلك في العظم. وأَمَخَّ حب الزرع: جرى فيه الدقيق، وأَصل ذلك العظم. والمخ: الدماغ؛ قال: فلا يَسْرقُ الكلْبُ السَّرُوقُ نِعالَنا،  ولا نَنْتَقي المُخَّ الذي في الجَماجم   ويروى السروّ وهو فعول من السُّرى، وصف بهذا قوماً فذكر أَنهم لا يلبسون من النعال إِلا المدبوغة والكلب لا يأْكلها، ولا يستخرجون ما في الجماجم لأَن العرب تعير بأَكل الدماغ كأَنه عندهم شَرَهٌ ونَهَم. ومُخُّ العين: شحمتها، وأَكثر ما يستعمل في الشعر.
 التهذيب: وشحم العين قد سمي مخّاً؛ قال الراجز: ما دام مُخٌّ في سُلامى أَو عَيْن   ومخ كل شيء: خالصه. وغيره يقال: هذا من نُخّ قَلْبي ونُخاخة قلبي ومن مُخَّة قلبي ومن مُخِّ قلبي أَي من صافيه. وفي الحديث: الدعاءُ مُخُّ العبادة؛ مخّ الشيء: خالصه، وإِنما كان مُخّاً لأَمرين: أَحدهما أَنه امتثال أَمر الله تعالى حيث قال ادعوني فهو محض العبادة وخالصها، الثاني أَنه إذا رأَى نجاح الأُمور من الله قطع أَمله عن سواه ودعاه لحاجته وحده، وهذا هو أَصل العبادة ولأَن الغرض من العبادة الثواب عليها وهو المطلوب بالدعاءِ.
   وماذا عن آية " لنسفعن بالناصية"؟ يعتقد بعض المتأخرين ان الاية الكريمة التي تقول" كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة"، يمكن إعتبارها إشارة على ان الله قد اشار الى ان العقل في مقدمة جبهة الانسان، انطلاقا من إعتقادهم ان الله يعني بتعبير " الناصية" مقدمة الجبهة، فإلى اي مدى صحة هذا الادعاء؟  في تفسير الطبري نجد ان العرب الاوائل لم يكن يخطر ببالهم مثل هذا المعنى للكلمة العربية، إذ نرى: " لنسفعا " أي لنأخذن " بالناصية " فلنذلنه . وقيل : لنأخذن بناصيته يوم القيامة , وتطوى مع قدميه , ويطرح في النار , كما قال تعالى : " فيؤخذ بالنواصي والأقدام " [ الرحمن : 41 ] . فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس , وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . وأهل اللغة يقولون : سفعت بالشيء : إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا . ويقال : سفع بناصية فرسه . قال :  قوم إذا كثر الصياح رأيتهم  من بين ملجم مهره أو سافع  وقيل : هو مأخوذ من سفعته النار والشمس : إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد ; كما قال :  أثافي سفعا في معرس مرجل  ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع والناصية : شعر مقدم الرأس . وقد يعبر بها عن جملة الإنسان ; كما يقال : هذه ناصية مباركة ; إشارة إلى جميع الإنسان . وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته . وقال المبرد : السفع : الجذب بشدة ; أي لنجرن بناصيته إلى النار . وقيل : السفع الضرب ; أي لنلطمن وجهه . وكله متقارب المعنى . أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ ; ثم يجر إلى جهنم   ومن هنا نرى ان كلمة " الناصية" لاتعني اكثر من الاذلال، اي ان الله سيذل من لم ينته عن الكفر، وهذا المعنى يتطابق مع الكثير من الدلائل التاريخية. تشير المراجع التاريخية الى ان العرب كانوا قبل الاسلام، قد اعتادوا على إذلال العدو عن طريق القبض على ناصية رأسه او قص ناصيته كما فعل الحارث بن عباد ، وهو من شعراء الجاهلية، اثناء حرب البسوس ، حين اسر المهلل، وكان قد قتل ابن الحارث. لقد قام الحارث بجز ناصية المهلل وتركه علامة على الاذلال وهو اكبر من القتل، ويمكن القراءة عن الجز والواقعة في المصادر ادناه.  كذلك فقد قال الشاعر: وكنت إذا نفس الغوي نزت به       سفعت على العرنين منه بميسم ونصوته  وقد جاء بمعجم لسان العرب ان كلمة " نصوته" تعني قبضت على ناصيته، انظر المصدر في اسفل الصفحة.. كذلك ورد في سيرة هشام (انظر المصادر) ان النجاشي، ملك الحبشة، قد حلف الايدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته. ونفس الرواية مذكورة في " الكامل في التاريخ" (راجع المصادر.  من هنا نرى ان ظاهر النصوص القرآنية والاحاديث التي تعكس فهم الرسول والمسلمين لها، لايخرجون على الاطلاق عن المسيار التاريخي لعصرهم، عن مفاهيم اللغة والعلوم البشرية السائدة. ومن المثير ان نشير ان هذا السقف المعرفي يتكرر في الانجيل ايضا حيث نرى: انجيل متى، الاصحاح 13&15 يقول: لان قلب هذا الشعب قد غلظ و اذانهم قد ثقل سماعها و غمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم و يسمعوا باذانهم و يفهموا بقلوبهم و يرجعوا فاشفيهم  ونرى هذا الاصحاح نفسه مذكور بهذا الشكل في اللغة الانكليزية: For this people''s heart has become calloused;       they hardly hear with their ears,       and they have closed their eyes  وفي انجيل يوحنا الاصحاح 40:12 نجد التالي: قد اعمى عيونهم و اغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم و يشعروا بقلوبهم و يرجعوا فاشفيهم  ونراها بالانكليزية تتتكرر على الشكل التالي: He has blinded their eyes       and deadened their hearts,    so they can neither see with their eyes,       nor understand with their hearts  إن اقتباس القرآن التعبير نفسه من الانجيل امرا ليس غريبا ويدلل على ان القرآن كتابا دينيا وليس علميا، يخاطب القلوب والضمائر ولم ياتي ليقدم لنا معلومات علمية، وان حشره في الزاوية العلمية من اتباع الاعجاز العلمي هو عملية ليست سليمة، تشوه وظيفة القرآن وتسئ له، عوضا عن ان تعطيه افضليات كما يحاول اتباع الاعجاز تصويره.
    المصادر:
موقع الذاكرة