الإعجاز في التأمل البوذي



تصوير ادمغة كهنة البوذية باالاشعة يُظهر ان التأمل الروحي، او التواصل الروحي الصوفي المميز للمعتقد البوذي، يقوم بإعادة بناء الدماغ والتحكم في وظائفه نحو الاحسن بل ويقوم بتحسين صحة المرضى بما فيه امراض السرطان. بفضل التعاون بين العلماء الغربيين وكهنة الهندوسية تمكن الباحثيين من توثيق والبرهنة على ان التواصل الروحي (التأمل الروحي) له فعالية اكبر بكثير ممما كان الاعتقاد سابقا. التواصل الروحي الصوفي يقوم بتطوير الخلايا العصبية في الدماغ مما يعطينا انسجام حياتي افضل يؤدي الى تقوية جهاز المناعة.

وجوه كهنة البوذية ينبعث عنها انطباعات عميقة من الاستقرار النفسي والهدوء الروحي الى درجة انها تصبح سيرالية مع روح المدينة الصاخبة التي يسيرون فيها. غير ان هذه الانطباعات الباعثة على الطمانينة ليست مصطنعة من اجل جذب الاتباع كما نعهده عند المبشرين والدعاة في الاديان الاخرى، وانما هي طبيعية منبعثة عن الايمان العميق. علماء الدماغ برهنوا عمليا على ان التأمل الروحي الصوفي، الذي هو الجزء الرئيسي في الاعتقاد البوذي، يقوم بالتأثير على عمل ووظائف الدماغ بحيث ان الكاهن يشعر بالسعادة فقط وتختفي لديه المشاعر المزعجة بل وتعطيه جهاز مناعة افضل.

علماء الدماغ الغربييون يستغلون كهنة البوذية الى الدرجات القصوى عند دراسة عندما يقومون بفحص مايحدث في الدماغ عند التامل الروحي العميق. النتائج كانت مثيرة للعجب إذ ان التأمل الروحي لايؤثر على وظائف الدماغ في فترة ممارسة التأمل فقط وانما يبقى تأثيره لبضعة ايام واسابيع. العديد من الدلائل تشير الى ان التأمل الروحي يؤدي الى نشوء قنوات عصبية جديدة تؤدي الى افكار ايجابية وتكبح مشاعر من نوع الخوف والكآبة والعزلة. هذا الامر يعطينا الامل في التمكن في المستقبل من معالجة امراض نفسية كثيرة بواسطة أعجوبة التأمل البوذي الصوفي.

الباحث الامريكي Anderw Newberg, من جامعة بنسلفانيا كان اول من استخدم المسح الشعاعي للدماغ من اجل دراسة تفاعل دماغ كهنة التيبت تحت تأثير التأمل، وعام 2001 قام بنشر النتائج. الكهنة يستمرون بالتأمل لمدة ساعة وعندما يصلون الى لحظة التأمل العميق يقومون بتحريك اصبعهم المربوط فيه خيط والطرف الاخر في يد الباحث انديروا. هذه الاشارة المتفق عليها تعني ان الباحث سيقوم بحقن الكاهن بمحلول مشع مما يجعل بالامكان متابعة سير المحلول في الدورة الدموية ليصل الى اكثر المناطق نشاطا في الدماغ وعندها يمكن تصوير خارطة للمنطقة بالمسح الشعاعي.



بعد ذلك يجري مقارنة صورة المسح الشعاعي للدماغ في وقت التأمل مع صورة للدماغ في وقت إستراحة عادي. هذه المقارنة اظهرت ان هناك منطقتين مركزيتين يتأثران بقوة من حالة التأمل. في الاولى ينحسر النشاط في مركز يقع في اعلى القشرة الدماغية حيث يجري تنسيق المشاعر لنشعر بأنفسنا كجزء من العالم المحيط. انحسار النشاط في هذا المركز يتوافق مع وصف الكهنة لفقدانهم الشعور بالانا والمكان والزمان.

في الثانية التي تقع في مقدمة الدماغ في الفص الجبهوي، حيث يجري التحكم بالعديد من الوظائف بما فيه القدرة على التركيز. المسح الشعاعي اظهر ان النشاط تزايد في هذه المنطقة، مما يدل على ان الكهنة قاموا بالتركيز الشديد في فترة وجودهم في فترة التأمل. يوضح الباحث نيوبيرغ ان الكهان يركز على نقطة واحدة (فكرة واحدة) من اجل الدخول الى منطقة حالة التأمل العميق.



فيما بعد اظهرت الابحاث ان المركز في الفص الجبهوي يملك وظائف اخرى. هنا تنشأ مشاعر شخصيتنا والمشاعر والمزاج والانفعالات، و كلما كان المرء اكثر مرحا وتفاؤلا كلما كان النشاط اعلى في النصف الايسر في حين ان ازدياد النشاط في النصف الايمن يعني توجه نحو مشاعر المعايشة السلبية، والصور المأخوذة للدماغ في وقت نشاط التأمل اظهرت دلائل معايشة ايجابية بوضوح لدى الكهنة..

Richard Davidson من جامعة ويسكونسين الامريكية قام عام 2003 ببضعة من الابحاث اكدت ازدياد النشاط في النصف اليساري من الفص الجبهوي بالمقارنة مع النصف اليميني. غير ان الابحاث اظهرت ايضا ان النصف الايسر لدى الكهنة يحافظ على نشاط اعلى حتى في الاوقات العادية بالمقارنة مع الانسان الذي لم يجرب التأمل البوذي على الاطلاق. هذا الامر يوضح اسباب امتلاك كهنة بوذا نظرة متفائلة وايجابية للحياة على الدوام، واسباب مزاجهم الطيب الدائم.



دراسات اخرى اظهرت ان الاشخاص الذين يملكون نشاطا مهيمنا في النصف الايسر من فص الجبهة يكون اسهل لهم إستعادة توازنهم بعد المعايشات الغير طيبة بالمقارنة من الاخرين. عام 2003 اكدت اختبارات اجراها البروفيسور باول ايكمان Paul Ekman, من جامعة كاليفورنيا ان اعماق نفس كهنة البوذية تملؤها الاطمئنان والثقة الى درجة من الصعب هزها، بغض النظر عما يحدث حواليهم. لقد قام بتعريض الكهنة واشخاص عاديين الى اصوات مفاجاة وقوية، مثلا طلقات من مسدس، ودرس ردود الاقعال. الاشخاص العاديين اصيبوا بالصدمة او الخضة في حين ان الكهنة لم يهتزوا على الاطلاق. ايكمان يشير الى ان هذا الاستقرار الراسخ سببه انحسار في نشاط منطقة الاميغدالا في الدماغ والتي هي جزء من المنظومة الليمبيسكية. في هذه المنطقة التي تشبه القوس يوجد مركز التحكم بالمشاعر العنيفة والسلبية مثل الخوف والهلوسة. وحتى التوتر يتحكم فيه هذا المركز.



غير ان جميع هذه الاكتشافات يمكن تفسيرها بالقول ان الكهنة يملكون جينات وراثية تعطيهم الاطمئنان والثقة وبالتالي لاعلاقة لذلك بالتأمل الصوفي. من اجل الاجابة على هذا الطعن قام كلا من باول ايكمان وريتشارد دافيدسون بفحص اشخاص لم يمارسوا في حياتهم التأمل البوذي ولكنهم تعلموه خلال الابحاث التي تجري عليهم.

الى جانب الباحثة Margaret Kemeny قام باول ايكمان بدراسة 15 معلم جرى ادخالهم في دورة مكثفة لدراسة التأمل الصوفي والسيطرة على المشاعر. المعلمين تعرضوا لاختبارات بسيكولوجية قبل وبعد الدورة التعليمية. خلال التجارب جرى تصويرهم من اجل دراسة ردود فعلهم فيما بعد. إضافة الى ذلك جرى قياس ضغط الدم والنبض لرؤية مدى متابعتها لردات الفعل.

جميع النتائج اشارت الى ان اشخاص التجربة يملكون معطيات ايجابية بعد تعلم التأمل بالمقارنة مع قبل التعلم. إضافة الى ذلك جرى اختبار على 120 شخص (معلمين وممرضات) من اجل معرفة فيما إذا كان التأمل يرفع قدرتهم على حل الصدامات النفسية ويزيد مشاعر تعاطفهم مع الاخرين. وهنا ايضا اظهرت النتائج الفعالية المدهشة للتأمل الصوفي في بناء قدرات الدماغ ليصبح الانسان اقوى روحيا

من اجل التأكد من ان النشاط في القسم الايمن من الفص الامامي هو المسؤول عن هذه التبدلات الاجيابية قام ريتشارد دافيدسون بقسم اشخاص التجربة الى مجموعتين القسم الاول جرى تمرينه لمدة ثمانية اسابيع على التأمل في حين ان القسم الثاني لم يفعل. المسح الاشعاعي اللاحق اظهر ان النشاط الدماغي لدى الممارسين للتأمل بدأ في التحول الى القسم الايمن تدريجيا تماما كما هو الحال لدى الكهنة البوذيين. بذلك امكن البرهنة على ان الانسان قادر على تغيير شكل النشاط الدماغي بفضل التأمل الصوفي-البوذي، ليصبح انسانا افضل.

غير ان التأمل البوذي لايساعد فقط على تحسين المزاج وانما يقوي الجسد . الباحثة الكندية Linda Carlson, من مركز ابحاث السرطان في كالغاري الكندي نشرت عام2003 نتائج اختبارات على 59 مريض كانوا يعانون من سرطان الثدي او سرطان البروستات. هؤلاء جرى تعليمهم ممارسة التأمل واليوجا لمدة ثمانية اسابيع واصبحوا قادرين على الارتخاء.



قبل وبعد برنامج العلاج قامت الباحثة بتقدير المستوعى النوعي لحياتهم ومزاجهم ومستوى التوتر ووضع جهاز المناعة من خلال حساب اعداد الخلايا المتنوعة والمتخصصة في مقاومة الامراض في الجسم. الفحص توصل الى ان المرضى حصلوا على تحسن مُلاحظ في نوعية الحياة وتقلص مستوى التوتر بفضل التأمل وتحسن وضع جهاز المناعة. وعلى الرغم من ان التحسنات ليست كبيرة الا انها واضحة انها تسير في الخط العام للمرضى الذين يتحسنون صحيا.

ريتشارد دافيدسون قام ايضا بدراسة العلاقة بين فعالية جهاز المناعة وبين هذا النوع من النشاط الدماغي الموجود لدى الكهنة اليوذيين. 52 شخص (ذكر وانثى) خضعوا للتجرية طُلب منهم ان يتذكروا اسوء الذكريات التي مرت عليهم في حياتهم، المفعمة بالمآسي والغضب او الخوف. وخلال محاولاتهم لتذكر هذه المعايشات قام الباحث بمسح دماغهم اشعاعيا من اجل توثيق العلاقة الديناميكية الناشئة في طرفي الفص الامامي. بعدذلك جرى حقنهم بلقاح ضد الانفلونزا وبعد نصف سنة جرى قياس مستوى الخلايا البيضاء في الدم.

عند المقارنة التحليلية ظهرت حقيقة ناصعة. الاشخاص الذي كان نشاط النصف الايمن من الفص هو المهيمن انتج جهاز مناعتهم من الخلايا البيضاء، في المتوسط، خمسة مرات اكثر من اصحاب هيمنة الطرف الايمن. مما يعني ان جهاز المناعة الفعال له صلة بالتأمل. والابحاث تثبت ان مراكز الشخصية والمزاج مرتبطة عصبيا بالمناطق الاخرى من الدماغ التي تنتج الهرمونات والمحفزات المؤثرة على جهاز المناعة.

بين الكهنة الذين شاركوا في الاختبارات كان هناك دالي لاما نفسه وايضا Matthieu Recard, وهو في الاصل متخصص بالبيلوجيا الحيوية من معهد باستر الفرنسي ولكنه ترك عمله واصبح كاهنا بوذيا منذ 30 عاما.

التأمل البوذي اصبح " توحد مع المسيح"
التأمل البوذي احد الطقوس الذي مارسته البوذية الشرقية منذ 2500 سنة غير انه بدأ ذكره في النصوص المكتوبة منذ 2000 سنة فقط. في الاصل مارس البوذيين (ولربما قبل البوذية) هذا الطقس من اجل التحام الروح مع الروح الاصلية (الام العليا ) من حيث ان الروح هي فيض الهي قادر على الدوام على الالتحام بالاصل ومن حيث ان الكائنات كلها لازالت في رحم الام الذي يحيطنا كجزء من فيضها المستمر. اليوم اصبحت هناك العديد من المدارس التي تستخدم التأمل الروحي لتحسين الاخلاق وكعلاج فعال. احد انواع المدارس التاملية تسمى zenmeditation وتركز على التنفس. يجلس المرء في وضعية مريحة وظهره مستقيم، في حين يكون نظره على الارض ويركز على نقطة ما. يركز المرء تفكيره على تنفسه ويحاول ان يكون منتظما وهادئا ثم يبدأ بحساب عدد الانفاس. الافكار التي تأتي يجب طردها على الفور والتركيز على العد فقط. هذه الطريقة اصبحت تستخدمها الكنيسة السويدية بعد ان غيرت اسمها وجعلته (توحد مع المسيح). احدى فضائل التأمل البوذي هو قدرة كل شخص على ممارسته في البيت بدون الحاجة للمعاناة من وصاية رجال الدين والمؤسسة الدينية.



مصادر:

how-new-developments-in-neuroscience-reinforce-eastern-traditions
michael-baime-on-stress-management
meditate
introductory-meditation
Meditation
الالهة إلهام عقلي