الاحجار التي تتحرك


Racetrack Playa

على سفح جبل Cottonwood Mountains, يوجد سهل صحراوي خالي. ولايكتفي في غرابة منظره، حيث يبدو وكأنه من صنع الانسان، بل ويحتوي على واحدة من اغرب الظواهر الطبيعية.

المنطقة تسمى " ملعب الاحجار" Racetrack Playa وهي منطقة جافة للغاية ومسطحة كالطاولة وطولها 3 اميال. في الصيف تبدو المنطقة جافة ومتشققة وفي الشتاء تكون متجمدة ببلورات الثلج. والاغرب وجود بضعة الاف من الاحجار المتناثرة بغير انتظام، تبدأ احجامها من حجم كرة التنس وتنتهي بحجم غسالة. كل حجر من هذه الاحجار يتبعها اثر على التراب . بعض هذه الاثار مستقيمة ولايزيد طولها عن بضعة امتار في حين ان البعض الاخر متعرج بزوايا حادة ويمتد بمسافة ملعب كرة قدم.

 هذا المنظر يسبب الاستغراب. الصورة تعطي الانطباع ان الاحجار تزحف من مكانها بأرادتها الخاصة، في ذات الوقت نعلم ان ذلك مستحيل.

 Alan Van Valkenburg, حارس في منطقة وادي الموت يصف الامر فيقول:" صمت الموت يعم المكان، ويبدو وكأن الاحجار تلعب مع نفسها بسرية. لاأحد رأى الاحجار وهي تتحرك".

 الاقتراحات التي حاولت تفسير اسباب حركة الاحجار وصلت الى حدود اللامعقول، مثل المغناطيسية وحقول طاقة غريبة. بعض الزوار أصبحوا يسرقون الاحجار بحيث أصبحت مشكلة جدية، لربما معتقدين ان هذه الاحجار تملك قوة سحرية، ولكن فور مغادرتهم المكان تختفي القدرة السحرية للاحجار.

 ولكن، إذا كانت الاحجار ليست بسحرية، فماهو سبب تحركها؟

 عام 1948 انشغل الجيلوجيان جيم مكاليستر وآلين كنو (Jim McAllister and Allen Agnew ) بالبحث عن جواب لهذا السؤال. كان اقتراحهم ان غبار الصحراء ، جزئيا، سبب حركة الاحجار، محتمل بالتضافر مع فيضانات موسمية في المنطقة. عام 1952 قام جيلوجي اخر بالتحقق من هذه الفرضية حيث قام بأغراق منطقة بالماء ثم استخدم مراوح طائرة هيليكوبتر لخلق رياح قوية. النتائج كانت غير مرضية.

 على مدى الاعوام اللاحقة توجهت النظريات نحو الاعتقاد بالجليد الذي يتشكل احيانا في الشتاء. خلال السبعينات قام روبرت شارب ودويت كاري —Robert Sharp of Cal Tech and Dwight Carey of UCLA— بمحاولة حسم المسألة بين الجليد والرياح. قام الفريق بزيارة المنطقة مرتين في السنة ومتابعة حركة 30 حجر. لقد قاموا بدق اوتاد خشبية حول الاحجار انطلاقا من أنه إذا كانت الصفائح الجليدية هي المسؤولة، فسيتجمد الجليد الى صفائح متقطعة، وذلك سيشل حركة الاحجار. ولكن بعض الاحجار استمرت بالهرب، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة لم يحصل ان رؤا حجرا واحدا يتحرك.

 ومع ذلك بقيت فرضية الجليد هي الاساسية لعقود لاحقة. من عام 1987 الى عام 1994 قام البروفيسور جون ريد من كوليدج هامبشير ، بأصطحاب الطلاب لدراسة ظاهرة حركة الاحجار. وبسبب كثرة اثار الانتقال المتوازية اقتنع ان انتقالهم مع بعض على صفائح جليدية كبيرة قامت الرياح بدفعها.
Racetrack Playa
غير ان الجيلوجية Paula Messina استخدمت تكنولوجيا GPS لتحديد المواقع، لانشاء خارطة ديجيتال ترسم حركة الاحجار، ووجدت ان معظمهم، في الواقع، لايتحركون بخط متوازي. علاوة على ذلك، الوقائع القت الشك على النموذج القائم على الرياح عندما جرى حساب سرعة الرياح المطلوبة لتحريك الصفائح. اصغر الاحجار تحتاج الى مئات الاميال في الساعة الواحدة.

 الباحث في علم الكواكب Ralph Lorenz, من جامعة جون هوبكينز، بطلب من ناسا ، دخل الى معمعة بحث الارصاد، عام 2006. كان ذلك كجزء من مشروع انشاء شبكة من محطات الارصاد جوية في المنطقة، لكونها تملك مناخا قاسيا بما فيه الكفاية ليماثل الجو على المريخ. كانت الاجهزة تستخدم في الصيف. بعد ذلك اكتشف ظاهرة الاحجار المتحركة، وافتتن بالبحث عن سببها، خصوصا مع امتلاكه للوسائل لمتابعتها في فصل الشتاء ولفهم الظروف الموجودة حقاً.

 عندما بدأ الباحثون دراسة صور الطقس لاحظوا ايضا ان الاحجار كانت وكأنها تتحرك في عالمها الخاص. لورينز كان مطلع على ان الجليد يملك قوة طفو تستطيع حمل كتل الاحجار ونقلها، في فترة المد، كما يحصل على سواحل القطب الجنوبي، خالقة بذلك اسوار من الحجر على طول الشاطئ. هذه الفكرة جرى التحقق منها. لورينز يقول:" لقد شاهدنا حجر ينتقل من مكانه ليصطدم بحجر اخر ويرتد، ولكن الدرب لايدل على انه وصل الى الصخرة الاخرى، بل وكأنه موصود بينهما بطريقة او بأخرى". ويقول:" نعتقد ان هناك طوق من الثلج حولهما، لهذا السبب من السهل ان نتصور لماذا ارتد".

 في النهاية، قام لورينز بتجربة لاختبار الفكرة الوليدة. اخذ صخرة صغيرة ووضعها في وعاء وملأه بالماء ليصبح هناك شبر واحد من الماء والصخرة في الوسط. ثم وضعهما في المجمدة لتخرج قطعة من الجليد متعلقة فيها صخرة. وضع ذلك مقلوبا، في علبة بها مياه ورمال في القعر. ومن خلال النفخ عليها فقط رأى كيف ان بأمكانه ارسالها متزلحقة الى مسافات بعيدة تاركة خلفها جرحا على الرمال، بسبب انها محمولة على الجليد. بذلك يبدو اننا حصلنا على الجواب المعقول.

 عام 2011 قام لورينز بتقديم تفسيره للنشر، حيث قال:" صفيحة من الجليد تتشكل حول حجر ومستوى الماء يتغير بحيث ان الحجر ينحمل خارجا من الطين. انها صفيحة جليد طافية صادف ان فيها حجر بارز من الاسفل قادر على جرح الارض الطينية".

 الحسابات تشير الى ان حركة هذه الصفيحة الجليدية على الماء لاينتج عنها كبح تقريبا، بحيث ان الحجر يتزحلق بسهولة. هذا الموديل يوضح الامر افضل من اي موديل اخر لعدم الحاجة الى قوة ريح كبيرة او ثلج قاري للتزلج.

 وعلى الرغم من الوصول الى تفسير لهذه الظاهرة يذكر حارس المنطقة الى ان الزوار غالبا يستفسرون منه عن سبب حركة الاحجار، ولكن، عندما يحاول الاجابة على استفساراتهم يبدو انهم لايريدون ان ينصتوا. " الناس احجية، انهم يفضلون الاسئلة التي لااجابة عليها". لذلك ستبقى هذه الاحجار تثير الخيال.