الهلوسة والرؤى الروحية




على مر الازمان كان العديد من الناس يصابون بالهلوسة، (عبارة عن رؤى مشابهة للادراكات الحسية)، وهي معايشات تنشأ في الدماغ بدون ان تكون صادرة عن مصدر فيزيائي عبر قنوات الحواس ومع ذلك يعايش المرء (الدماغ) صدى قوي او ضعيف عن حقيقة فيزيائية خارج الذات. والهلوسة تختلف عن الوهم، التي هي سوء تفسير لمعطيات الحواس عن العالم الخارجي. وعالم الهلوسة ، لعب دورا كبيرا في نشوء تصوراتنا وطقوسنا الدينية والميثالوجية.

الهلوسة ليست فقط قاصرة على الصور والاشكال وانما ايضا يمكن ان تكون معايشة روائح واحاسيس او اصوات او طعم، وبالتالي الهلوسة جميع الانطباعات الممكنة حسب خبرتنا القادمة من جميع الحواس ويمكن ان تكون بمستويات مختلفة تصل الى حد التطابق مع الواقع. في حالة الهلوسة الخفيفة والتي بالكاد تلاحظ نسميها pseudo-hallucination.

المصاب يمكن ان ينتبه في مرحلة ما الى انه يعاني من نوبات الهلوسات العميقة. ومعايشات الهلوسة يمكن ان تتشابه مع الواقع بدرجة من الدرجات. الاصوات القادمة من داخل الدماغ يمكن ان " يسمعها" المرء مثل الصوت العادي تمام في حين ان انواع اخرى من الهلوسات يمكن ان تكون نادرة وشخصية ومن الصعب وصفها والتعبير عنها للاخرين. وتتميز الهلوسة الكلاسيكية بأن المصاب لايستطيع التحكم برؤيته وإدارتها في حين ان المعايشات التي يمكن التحكم بها بسهولة يستحسن تسميتها وهم او تخيلات.

عام 1988 قام البسيكولوجيين الانكليز Peter Slade & Richard Bentall بوضع تعريف تطبيقي للهلوسة، حيث تكون الهلوسة ( التي هي مشابهة الادراكات الحسية) ماينطبق عليه التقديرات التالية:
1- كل تصورات تحدث بدون مسبب خارجي.
2- بقوة تتطابق مع قوة الظاهرة الفيزيائية الطبيعية او تعبيراتها،
3-ولايمكن السيطرة عليها من قبل الشخص المعني.

ماهي العوامل والقوى التي تطلق الهلوسة؟

ترتبط الهلوسة في الثقافات الغربية بالامراض النفسية والعصبية وعلى الاخص الشيزوفرينا. والتقديرات تشير الى ان كل واحد في المئة من البشر في العالم مصاب بهذا الخلل بشكل من الاشكال. الهلوسات النفسية - المرضية تتوجه الى المصاب بالادانة والتعنيف والتعليقات والسخرية والمخاطبة او حتى الشتائم. في تسعينات القرن الثامن عشر قامت Society for Psychical Research بإجراء بحث في لندن على 17 الف شخص ليظهر ان كل عاشر شخص منهم سمع، احس او رأى بصورة واضحة اشياء لم يمكن العثور على مصدر فيزيائي خارجي لها. اغلب الهلوسات عبارة عن رؤية لاشخاص على قيد الحياة. ابحاث العالم D. J. West 1948 اعطت نتائج مشابهة.



الهلوسات قد تأتي بدون سبب واضح في حين ان هلوسات اخرى يمكن تحفيزها بالمخدرات او الامراض الجسدية او النفسية، وحتى بسبب الجوع والعطش او نقص النوم او عدم القدرة على النوم والاجهاد او التنويم المغناطيسي . ويمكن ايضا اثارة الهلوسات على الظهور من خلال الطقوس مثل الرقص والترنح والغناء ذو الايقاع الثابت ( مثلا الزار والاناشيد الصوفية) والتأمل الصوفي او التنفس بطريقة غير طبيعية. بل وحتى موجات صوتية منخفضة ( تحت العشرين هرتز) infrasound يشعرها الانسان فقط كأهتزازات يمكنها ان تخلق هلوسات. مثل هذه الاصوات يمكن يمكن ان تأتي من مصادر طبيعية مثل القنوات الهوائية او مجاري المياه او بسبب الصواعق والمكائن.



البسيكولوجي الامريكي Ronald Siegel ، عام 1977، شبه الهلوسة كالشخص الذي ينظر من خلال زجاج النافذة طيلة النهار. وطالما هناك ضوء في الخارج يرى صورة الواقع ولكن عندما يختفي ضوء الشمس تظهر امام الناظر صورة انعكاس الغرفة على الزجاج فيبدو الامر وكأن الغرفة امام الناظر وليست خلفه.

Charles Bonnet syndrom

خلل تشارليز بونيت تظهر اعراضه عند اشخاص لديهم تضرر في البصر يؤدي الى رؤيتهم الى اشباح مع انهم اصحاء عقليا ونفسيا، وسببه هو تشوه الانطباعات البصرية. هؤلاء الناس يمكن ان يروا اطارات ملونة تتحرك ولكنهم غالبا يرون اجساد او اوجه ، احيانا مشوهة، ومرات كما لو انها افلام كارتون تتحرك. مضمون هذه الصور المتحركة مجهولة بالنسبة لهذه النوع من الاصابات الامر الذي يجعلها مختلفة عن المصاب بالهلوسات نتيسجة اسباب نفسية مرضية. حوالي 10% من المصابين بتضرر الرؤية يعايشون هذه الظاهرة (بعض المصادر تشير الى 30%). غير ان الغالبية لاتذكر معاناتها حتى لاتتهم بالجنون.

DE JA VU

هي الاحساس بتذكر معايشة لحدث ليس بالضرورة قد حدث.
70% من الناس مروا بهذه التجربة، ومع ذلك فإن هذه الظاهرة ايضا احدى عوارض epilepsi

ولكنها ايضا يمكن ان تظهر عدة مرات في اليوم في الفترات التي ينام المرء فيها بشكل سئ ويكون تعبان في النهار

احدى النظريات تقول ان بعض الاحداث لايجري توثيقها اولا في الذاكرة القصيرة وانما تقفز على الفور الى الذاكرة الطويلة ولذلك يعايش المرء مايحدث امامه وكانه قد حدث سابقا. وتوجد نظريات اخرى عن اسبابها

بعضها يقول ان تكاثر الاحداث اكثر من طاقة الدماغ للحظة معينة بحيث الحدث يسبق الدماغ وعندما يصل اليه يعتقد انه واجهه في السابق ( النظرية السابقة)
- الدماغ يملك قدرة على توقع ماسيجري (تقريبا علاك)
- الدماغ يرسل اشارتين متتاليتين عن الحدث نفسه بحيث منطقة التلقي تعتقد انه حدث سابقا
- الدماغ يغلق لثانية ثم يفتح من جديد فيتصور ان ماحدث قبل الاغلاق حدث قبل زمن طويل وجزء من خبرته.
-احدى العينين ترسل الانطباع قبل العين الاخرى فيعتقد الدماغ انه رأى الامر سابقا

دينيا: يعتقد البعض انه وحي من الله او تواصل صوفي او انه قادر على الحلم بما سيجري في المستقبل، وبعض الاديان التي تؤمن بالتقمص ( الدروز والهندوس مثلا) تعتقد انها ذكريات من حياة سابقة.

Epilepsi

الصرع مرض شائع للغاية وكان الاعتقاد ان جني او شيطان يسكن في جسم المريض وتجري طقوس دينية لاخراجه منه. الموسيقي البولوني الشهير فريدريك شوبين Frêdêric Chopin, كان يعاني صورة ثقيلة من الصرع، حيث كان يرى خلال النوبات صور وخيالات تثير فزعه. اليوم يطلق على هذا النوع من الصرع الهلوسي اسم temporallobsepilepsi.
الاصابة بهذا الخلل الدماغي يؤدي بالمصاب الى رؤية اشباح تتحرك لها صور مرعبة. يمكن للمريض ان يتصور ان هذه الاشباح تتكلم معه.


نماذج عن رؤى دينية

وفي ميثالوجيات الاديان نجد العديد من الروايات التي لو قيل مثلها اليوم لكانت من اعراض الاصابة بالهلوسة العقلية وهنا نماذج

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع - الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (4641) ومسلم (161) .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
: ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ، (بِالأفُقِ الْمُبِينِ) أي : البين ، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة) ، وهي المذكورة في قوله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم/5 –10 ، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره ، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل عليه السلام .

عند الإمام مسلم (177) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) .