مصدر خُرافة عذاب القبر

في بحثٍ سابق خصصناه لدحض عقيدة.."عذب القبر"..المنتشرة لدى عامة المسلمين وبعض فقهائهم..قلنا أن الإسلام-كدين-لم يُشرّع وبالتالي لم يُشير إلى وجود حياة ما بين موت الإنسان وبعثه يوم القيامة ، وأن كافة ما وُرد في هذا الشأن يُشير إلى.."البرزخ"..وهو الحاجز الذي يفصل ما بين الحياتين الدنيا والآخرة، وأن الشعور بالزمان والمكان وراء هذا الحاجز معدوم .

 هذه الفكرة طافحة في القرآن لدرجة التكرار في أكثر من موضع وضمن وحدة موضوعية مختلفة في كل سورة، وأن كل ما وُرِد إلينا في عذاب القبر جاء عبر الأحاديث والتي لا تكفي لإقرار عقيدة إيمانية مفصلية على غرار البعث يوم القيامة وحساب الآخرة والصراط والجنة والنار وما إلى ذلك، فضلاً عن أن هذه الأحاديث لم تبلغ مبلغ التواتر وعرضنا اختلاف الأئمة في الحديث المتواتر فمنهم من أنكر وجوده ومنهم من قال بأن المتواتر واحد ومنهم من قال خمسة أو أكثر ، وأن روايات عذاب القبر جميعها أخبار آحاد يعني على فرض صحتها فلا يجب التسليم بها في العقائد..

  فالتعامل مع الحديث يختلف عن التعامل مع القرآن، لأن القرآن كله متواتر والإيمان به -وبكل ما جاء به -فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل ولا يختلف في ذلك اثنان من المسلمين، أما الأحاديث فمنها الصحيح ومنها الضعيف، وأن الإجماع على صحة أيٍ منها يكاد يكون معدوم إلا في مواضع قليلة أجمع فيها المسلمون على صحة بعض الأحاديث...ليس من ضمنها عذاب القبر.

  هذا يعني أن هذه العقيدة كانت- ومن أول وهلة- لابد وأن يُنظر إليها بمنظور الإمكان وليس الوجوب..بمعنى أنه يُمكن أو لا يُمكن وجود أحداث في القبر وبالتالي فلا يُقطع بها ولا تكون من أصول العقائد الإيمانية لاحتمال حدوث النقيض، وبالتالي لا يجري الدعاية لها أو التحذير منها ، فالدعوة"الدينية" لشئٍ ما أوالتحذير منه يعني أن وجوده مُسلّمُ به ولم يتبقى سوى العمل له أو تجنبه في حين أن هناك أشياء أولى للاهتمام بها والعمل لها أو ضدها..وأحسب أن فكرة عذاب القبر نشأت بهذه الطريقة إلا أنها تطورت بتطور مفهوم الحديث وإدخال" الرواية مع السُنة"ضمن مفهوم واحد، فكان كلما ذُكرت الرواية يجري فهمها على أنها السُنة والعكس.. وهذا خطأ كبير نتج عن نزعات التقليد و تقديس الرجال التي اعترت المسلمين فصولاً من الزمن إلى يومنا هذا.

  ولكن طالما أن هذه العقيدة موجودة فهذا يعني أنها كانت حقيقة لدى البعض نقلها المسلمون عنهم سواء من جِهة المجتمع والعُرف والثقافة أو من جهة الدين والنقل والاتباع..وأنا أرى أن عذاب القبر انتقل إلى المسلمين من الجهتين ولكنها أخذت شكلاً أكثر تفصيلاً لديهم مع تعدد الروايات الدالة.. 

ولو نظرنا إلى قصة منشأ هذه العقيدة- في تلك الروايات- سنجد أن من بشر بها المسلمين هم اليهود.. وذلك ضمن رواية اليهودية التي حذرت السيدة عائشة من عذاب القبر فخافت السيدة عائشة وسألت رسول الله عنه فصدقها، وهذه الرواية على شرط الصحيحين أي أن رجال السند هم رجال البخاري ومسلم ولكن الرواية لم يُدونها أو يُصححها أحدهم، فتم قبول الرواية وأخذها المسلمون بموضع التسليم وتم ربطها بالروايات الأخرى التي تحذر من فتنة القبر وتحكي كيفية وقوع بعض صنوف العذاب والعرض على المَلَكين وما إلى ذلك من أحداث ثَبُتَ بُطلانها في البحث السابق.. 

ولإحكام ما سبق لابد من تبيان أن قواعد الرد على العقائد "الغيبية" يجب أن يكون عبر ترابط كِلا الدليلين.. "العقلي والشرعي"..معاً..لأن من الغيبيات ما لا يجوز فيها النَظَر العقلي ولكنها مثبتة بالشرع، يعني أن كافة العقائد الإيمانية التي تحكي أحداثاً فاصلة ومهمة لابد وأن يُصرّح بها الشارع ولا يتركها للقيل والقال والاختلاف. 
وبما أن اليهود هم أصل هذه العقيدة عند المسلمين فهذا يعني حدوث واحد من أمرين اثنين:

1-إما أن اليهود-حينها-كانوا يؤمنون بالحياة في البرزخ،وأن البعث يكون مرتين الأولى في القبر والثانية يوم القيامة، وبالتالي فهم يؤمنون بثلاثة أنواع من الحيوات... 

وهذه العقيدة هي نفسها عقيدة من يؤمن بعذاب القبر من المسلمين!!

 2-أو أن اليهود لم يكونوا يؤمنون بالبعث يوم القيامة أصلاً..ولكن يؤمنون بالبعث في القبر، وأن الحساب الأخروي لديهم موجود بداخله، وهذا يعني أن عذاب القبر لديهم هو نفسه عذاب الآخرة. 

وأنا أرجح الثانية من ثلاثة وجوه..
 الأول: أن هذا الاعتقاد هو بعينه اعتقاد المصريون القُدماء، فنشأة اليهود بالأصل كانت مصرية حتى مع الخلاف حول هذه النتيجة ولكنها كانت رؤية دينية عامة منتشرة في الشرق القديم، فالمعبود المصري يُقابله المعبود الفينيقي أو البابلي..حتى أن عقائد اليونان القدماء لم تَخلُ من هذا الطرح ..وعقيدة الحساب والجزاء لديهم كانت في القبور وهذا ما حملهم على دفن متاع الميت معه. 

الثاني: أن كُتب وأسفار اليهود الكُبرى خلت من أي إشارة للبعث يوم القيامة، وأن الإيمان بيوم القيامة لدى اليهود لم يأتِ إلا متأخراً وبالتحديد بعد كتابة التلمود بشِقيه.." المشناة والجمارا"..والتلمود مكتوب بعد أسفار التوراة بسبعة قرون تقريباً..وهذا يعني أن اليهود عاشوا قروناً طويلة وهم يعتقدون بأن القبر هو المآل الأخير للميت، وأن الحساب الأخروي يكون فيه. 

الثالث: أنه لا يوجد أحد من اليهود الآن يقول بعذاب القبر.. بمعنى أنهم يعتقدون في أن البعث يكون يوم القيامة ، وهذا يُثير التساؤل كيف وأن هذه العقيدة كان منشأها لدى اليهود ثم يُنكرونها الآن..والإجابة جاءت في الوجه الثاني بأنهم كانوا يقولون بذلك قبل كتابة التلمود، وبعدما جاء التلمود بعقيدة البعث يوم القيامة متأثراً فيه بالإنجيل...حينها آمن اليهود بأن البعث واحد يوم القيامة وأن الحياة اثنين في الدنيا والآخرة.

 أخيراً لا أريد أن أسترسل في البحث عن القصة بأكملها.. ويكفينا الإشارة بأن فكرة عذاب القبر عند المسلمين كانت فكرة دينية أخذت بُعداً اجتماعيا نتيجة لتطورها على أيدي المتصوفة..أيضاً ومن أثر عُمقها الضارب في أذهان القُدماء الشرقيين، وهي تعني أن عذاب القبر لديهم كان هو العذاب الأخير لأنهم كانوا لا يعتقدون بيوم القيامة الذي يبعث الله فيه العباد ويُحاسبهم على أعمالهم فمن كان صالحاً دخل الجنة ومن كان طالحاً دخل النار، وأن الأساطير المصرية والعراقية واليهودية القديمة كانت متشابهة في البعض ومتطابقة في البعض الآخر ..وفي قضية عذاب القبر نكاد نرى تطابقاً عجيباً بين عقائد اليهود والفراعنة وبلاد العراق-خاصة السومريين والبابليين- قبيل ظهور التلمود وتأثر اليهود بالأناجيل التي أفصحت عن شكل الحياة بعد الموت وبأن هناك يوماً ستُرد فيه الحياة للأجساد وهو اليوم الأخير للعالم وبعدها يأتي الحساب..

فكرة تجسيد شخص الله

ان فكرة تجسيد شخص الله ضرورة اساسية لتمكن المؤمن من تصور وجوده ...فتصور ان الله ليس شخص مشكلة عويصة ...لانه بدون تشخيص الله لا يمكن اطلاقا تصور وجوده في ذهن الانسان ...فالمؤمن الذي يتعبد الله يخاطبه و كانه يخاطب شخص اخر و لكنه افضل منه مقارنتا بصفاته هو و لهذا السبب فالانسان أقرب الى تشخيص و تجسيد الله منه الى تجريده و هذا نجده في كل الديانات و التي تصور الله على صورة ...البشر

رغم ان معضم الاديان اليوم صارت ترفض فكرة تشبيه الله بالانسان و تميل اكثر الى تجريده باعتبار ان التجسيد هو نوع من النقص و ذلك بتاويل النصوص الدينية التي تقر بتجسيدها لله في صورة من الواضح انها صورة البشر له يد و عين و ساق جميلة يكشفها للمؤنين يوم القيامة حسب النسخة الاسلامية

المسلمون و لو انهم في السطح يرفضون فكرة تجسيد الله الا انك حين تقلب صفحات النصوص الاسلامية و تتدبر فيها ستكتشف ان الله في الاسلام هو شخص ايضا بل و الاغرب من هذا ستكتشف انه جسد شبيه بالانسان ايضا فبداية بالصفات ...صفاته كلها انسانية ..فهو يغضب و يحب و يكره و يبتسم و يمكر و يبطش و يعاقب و يبتكر و يكلم و يرسل الرسل و ينشر الكتب و يغير رايه و يتردد (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن...)حديث قدسي اضف الى كل هذه الصفات الانسانية انه أيضا عاقل و ذكي و جميل و عليم و اضف الى كل هذا ان له ساق و عين و يد(يد الله فوق ايديهم) و هو ينفخ ايضا و يتكلم

ورد في صحيح مسلم و صحيح البخاري الحديث الاتي : ( خلق الله ادم على صورته) و في رواية : (خلق الله ادم على صورة الرحمن) و في رواية ( اذا قاتل احدكم اخاه فليجتنب الوجه، فان الله خلق ادم على صورته) يتفق كل المسلمين بكل طوائفهم شيعة و سنة على ان هذا النص صحيح و لم يطعن فيه أحد يقول النووي: من المؤمنين من يمسك عن تاويل هذه الروايات و يقول نؤمن بانها حق و ظاهرها لها معنى يليق بها و هذا مذهب جمهور السلف و هذا احوط و اسلم و قال بعضهم ان الضمير يعود على ادم و هذا فيه ضعف (شرح النووي ج16 صفحة 142) و قال بن حجر العسقلاني: و زعم بعضهم ان الهاء في قوله (خلق الله ادم على صورت(ه)) تعود على ادم و هذا محتمل (فتح الباري ج5 صفحة 492) أي يصبح الحديث بمعنى : خلق الله ادم على صورة ادم ؟؟؟ااا و كان الله قام بخلق صوة ادم ثم خلق ادم على تلك الصورة ...و طبعا هذا معنى مستبعد و الواضح من اعتماده هو البحث عن مخرج لتاويل حديث صريح وواضح يبين لنا كيف كان ينضر الاسلام في مرحلته البدائية الى الله كجسد

و الدليل ما قاله احمد ابن حنبل في القرن السابع الهجري و هو احد ائمة اهل السنة و أحد مؤسسي أحد مذاهب اهل السنة ...يقول عن هذا الحديث : من قال ان الله خلق أدم على صورة ادم فهو جهمي ، و أي صورة كانت لادم قبل أن يخلقه؟ا (طبقات الحنابلة ج1 ص 285) و الجهمية هي فرقة ظهرت في القرن الهجري الثاني أي في نفس عصر ابن حنبل و كانت ترفض اسقاط الصفات البشرية على الله و تعمد الى تاويل كل الصفات التي وردت في النصوص و تجريدها و بظهور الجهمية بدات اول محاولات في الاسلام لتجريد الله و ابعاده عن التجسيد لاحظ ان تفسير الجهمية لهذا الحديث الذي يرفض اعادة الضمير(الهاء) على الله كان مرفوضا في بدايات القرن الثاني الهجري صار اليوم هو التفسير المعتمد في القرن الرابع عشر

يقول ابن تيمية : لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة ) نقض التأسيس 3/202 لاحظ هنا عزيزي القارئ كيف يؤكد لنا ابن تيمية ان مسالة تنزيه الله عن التجسيد او أي تشبيه بالبشر مسالة مستحدثة في الاسلام و لم يكن هذا الحديث ليزعج الصحابة او السلف التي لم تكن نظرتهم الى الله كنظرة المسلم اليوم

ثم لاحظ عزيزي القارئ ان نفس النص مذكور في التوراة بالسياق الاتي : خلق الله الانسان على صورته ، على صورة الله خلقكم ذكرا و انثى (تكوين 1)...فمن الواضح جدا ان النص الاسلامي (خلق الله ادم على صورته) مسروق حرفيا من التوراة فكيف يريد اقناعنا هؤلاء ان الهاء التي يقصدها محمد لا تعود على الله؟ا كنت سابقا كتبت عن موضوع المسيح الدجال في مقال ذكرت فيه الرواية التالية من صحيح مسلم كتاب(الفتن الكبرى و اشراط الساعة): عن عبد الله قال ذكر الدجال عند النبي فقال: (( ان الله لا يخفى عليكم ، ان الله ليس باعور و أشار بيده الى عينيه و ان المسيح الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية)) و في رواية : ((.ما من نبي الا و قد انذره قومه...و لكن أقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلموا انه اعور و ان الله تبارك و تعالى ليس باعور))

اذا من الواضح من خلال هذا الحديث هنا ان الله عند السلف هو صورة تشبه ادم و لهذا سيحدث ارتباك عند المسلمين حين ياتي المسيح الدجال الذي سيدعي انه هو الله ...فكيف سيعرفون ان كان هو او لا....محمد اعطاهم السر الذي يفرقون به بين الله الحقيقي و الله المزيف في قوله ((اقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه: انه اعور و الله مش اعور))) اذا (((خلق الله ادم على صورته)))يصبح حديثا مفهوما بان محمد يقصد هنا المعنى الظاهر و هو ان الله يشبه ادم في الصورة و ليس في الصفات فقط و هذا ما فهمه السلف و كل الصحابة و لم يختلف فيه اثنين على قول ...ابن تيمية

هذا الكلام قد لا يعجب المسلمين اليوم و لكن لو فكرتم مليا فستجدون انكم لا تستطيعون التفكير في الله كذات مجردة عن التجسيم و التشخيص و مطلقة ...لانه سيصبح حينها لا شيء...و لكن حين تحاولون التفكير في الله بمنظور بشري كشخص يشبهنا على الاقل يصبح من السهل تقبل وجوده في مخيلتك ....و هذا دليل أخر بان مخيلتك نفسها هي التي خلقت الله

خرافة نوح

ان الشيء المذهل في الانسان هو قدرته على الاعتقاد بشيء سخيف ...ألا تلاحظ أن أديان كثيرة في هذا العالم تتسم بالسخافة و السذاجة و يبقى الناس متمسكين بها ...يؤمنون بها بعمق و يدافعون عنها في معركة يدركون انها خاسرة ...و لكن حاجتهم الى الايمان بها أقوى من تلك السخافات التي في تلك الاديان و التي قد تجعلهم يتخلون عن ايمانهم بمصداقيتها
هناك من المتعلمين الحاصلين على اعلى الشهادات العلمية و مع ذلك عقولهم ليست مدربة للتفريق بين قصة ممكنة و مستحيلة الحدوث و مثالا على.. أحد القصص الخيالية التي تنتعش بها الاساطير القديمة ..هي قصة سفينة نوح التي تنتشر أيضا في الاديان السماوية (تلك التي سقطت من السماء)...قصة سفينة نوح و التي سماها القرءان (الفلك)..تنص القصة باختصار ..ان النبي نوح قام ببناء سفينة عظيمة ليختبئ فيها هو و اهله بعد ان قرر الهه الشرير إغراق كوكب الارض بما فيه بسبب قوم رفضو تصديق ادعاءات نوح و لا ادري الى الان ما هي العبرة من اغراق كوكب بأكمله بسبب هؤلاء الجماعة فدعونا الان نطرح مجموعة من التساؤلات على هؤلاء الذين يصدقون هذه القصة السخيفة حتى نضع النقاط على الحروف ...لعلهم يستيقضو و يدركو انهم يصدقون سخافة ما هي الا أسطورة يهودية مسروقة من الديانة ............الهندوسية

 هل سأل هؤلاء أنفسهم كيف استطاع نوح جلب الحيوانات القابعة في القارات الاخرى اليه؟ ..كيف عبرت الحيوانات التي تعيش في أستراليا و امريكا المحيطات لتصل الى نوح و عادت الى موطنها مرة اخرى؟
اولم يكن من المفروض على كاتب القصة ان يقول ان نوح سافر بنفسه عبر سفينته الى القارات عبر المحيطات لانقاذ الحيوانات التي تعيش هناك؟...ثم كيف يستطيع الوصول الى عمق الصحراء لاحضار زوجين من الحيوانات التي تعيش في الحر الشديدة و الى عمق الجليد لانقاذ زوجين من الحيوانات تعيش في البرد الشديد؟
 هل سال هؤلاء انفسهم كم من فصيلة يوجد في النوع الواحد من الحيوانات؟ فهل انقذ نوع كل الفصائل فلو اخذنا الحصان مثلا فهناك مئات الفصائل منها...و لا تتزاوج بينها...فهل بحث نوح عن كل الفصائل الموجودة عبر العالم؟
ا هل سال هؤلاء انفسهم كيف عادت كل هذه الحيوانات الى مواطنها الاصلية؟...هل عبر الدب القطبي الصحاري و المحيطات ليصل الى القطب الشمالي؟ و هل سبح التمساح في المحيطات المالحة ليصل الى موطنه ؟ هل سال هؤلاء انفسهم كيف استطاعت أسماك المياه العذبة البقاء بعد ان اختلطت المياء المالحة بها على اثر الفيضانات ؟
  هل سأل هؤلاء انفسهم من اين جاء نوح بكل الطعام اللازم لكل ذلك الكم الهائل من الحيوانات و كيف استطاع حمايتها من بعضها و كيف استطاع تبريد أقفاص الحيوانات التي تعيش في البرد و تدفئة اقفاص الحيوانات التي تعيش في الحر؟
 ان هؤلاء الذين يصدقون هذه القصة السخيفة..يبدون غارقين في التشفي في الكفار الذين راحو ضحية الفيضان و لم ينتبهو الى سخافة فكرة ...سفينة تنقض الكائنات الحية التي تعيش على كوكب الارض ....انه لمن الشيء المخزي ان تسمع زغاليليو النجار و هو يحاول ان يفسر هذه السخافات علميا ....أليس من الاكرم لهؤلاء الاعجازيين ان يقولو للناس ان الله ارسل ملائكته و اخذو الحيوانات و انقذوها بطريقتهم السحرية و اخذوهم الى السفينة ثم أعادو توزيعهم الى مواطنهم عبر ارجاء الارض بمعجزة سحرية اخرى و لم يحتاجو الى طعام و لا وجع راس ....لماذا يريدون عقلنة الخرافة مادام الناس في كل الاحوال ستصدقها مهما كانت سخيفة؟
 الحقيقة ان المعجزة ليست في هذه القصص بل في من يصدقها ...و الأمر من هذا هو في اولائك الذين يحاولون البحث عن مبررات عقلية و علمية لها ...هؤلاء يحاولون الحفاظ على ايمانهم بعقلنة الخرافة و هم يعرفون ان ذلك مستحيل و لكن الحاجة الى الايمان بها هو ما يدفهم الى ان يختارو تصديقها ثم تبريرها

لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها؟

البشرية بحاجة الى من يداوي عللها ويبرئ أمراضها ويمنحها الصحة والعافية من أوبئتها الاجتماعية وآفاتها الفكرية والسياسية ليخرجها من قبور الأوهام والتخلف وينهضها من لحود السبات والغفلة. فالغاية هي الوصول الى علاج مفيد ودواء ناجع تتناوله مجتمعات البشر حسب إرشادات طبيب حاذق مهما كان مرّاً وقاسياً للحصول على نتيجة إيجابية تفي بالمطلوب للخروج من هذه الهاوية، وربما أدت الى الخروج بفكر جديد يقارب في تأثيره السليم ما فعله الدين الإسلامي الحنيف بعرب الجاهلية، لمواكبة ركب شعوب العالم المتقدم. وكل ما يرجى من القارئ اللبيب، نبذ التعصبات جانباً، فالتعصب بعينه هو جرثومة المرض دينياً كان أو مذهبياً أو فكرياً أو وطنياً، لتصويب بعض الأفكار والمعتقدات دون انحياز الى فئة دون أخرى.

تسود العالم اليوم موجة شديدة تدعو الى الابتعاد عن الدين والتقرب من المادية، ويتفاخر بذلك بعض أنصاف المثقفين وينسبون الى الديانات وأفكارها السبب الأساس في تخلف الشعوب واختلافهم وتجدد المنازعات والحروب التي حصلت وما زالت تحصل بين الأمم. لكن هذا الرأي يحتاج الى وقفة تأمل، رغم امتلاكه شيء من الحقيقة، لأن كثير من أتباع الديانات الجاهلين بحقيقة سماحة دياناتهم، كانوا أنفسهم سبب المآسي والحروب بما حملوه من مفاهيم دينية خاطئة. فالديانات السماوية دعوة صادقة للمحبة والاتفاق والسلام وساهمت بشكل كبير ومباشر في نقل الشعوب نقلات حضارية كبيرة. ومن المؤكد ان سبب تعددها كان نتيجة ضرورية وحتمية لتطور المجتمعات ورقي الشعوب، فالبشرية في حالة تطور وتقدم مستمر ولابد من تغير وتجدد القوانين الشرعية لكل دين حسب مقتضيات الزمان والمكان والمجتمع، مثل أحكام الطلاق والمواريث والقصاص والتعبد والطقوس والصلاة وغير ذلك، أما جوهر وحقيقة الديانات فتبقى ثابتة على حالها دون تغيير، فكلها تدعو الى الخير والعمل الصالح والمحبة والصدق والصفاء والقناعة والشرف والاتحاد والسلام، ولو كان الغرض الحقيقي من تعاقب الديانات وتسلسلها هو عبادة الله فقط، لكان من الأفضل استمرار اعتناق البشرية بتمامها لدين سيدنا إبراهيم(ع) حتى هذا اليوم ولا ضرورة لتعدد الديانات ونزول الرسل والأنبياء. ولكن بما ان صفة التطور والتقدم والرقي والتفتح الفكري هي من الصفات الملازمة لطبيعة الإنسان لذلك كان التجديد والتغيير في الشرائع ضرورياً ومستمراً.

لنضرب مثلاً على سبب تعدد الأديان: لو كان لرجل، ولد راشد يسكن بعيداً عنه يقوم بعمل معين نيابة عن والده، وكتب الوالد رسالة لولده بخط يده وختمها ووقعها وأرسلها بيد صديق موثوق به عندهما. فمن المؤكد ان الابن سوف يلتزم بأوامر الرسالة ولن يجد بُداً من تنفيـذ ما جاء فيها، هذا إذا كان الابن محباً ومطيعاً لوالده.

 ولنفترض أن جاء الابن صديق آخر بعد فترة يحمل رسالة أخرى تحمل نفس توقيع الوالد وختمه وبخط يده، إلا انها تحمل بعض الأوامر الجديدة التي تختلف في الظاهر عن أوامر الرسالة السابقة! فما يتوقع ان يفعل الابن؟ هل يترك الرسالة الثانية لأنها تختلف في بعض أوامرها عن الأولى؟ أم يعمل بها ويوقف العمل بأوامر الرسالة الأولى؟ وهل يتردد في التنفيذ ويقول ان والدي متذبذب لا يستقر على رأي وانه حيرني فيما يريد وشتت أفكاري، أم يشرع في التنفيذ دون مناقشة أو تردد؟ من المؤكد إنْ كان الابن واثقاً من حكمة أبيه ورجاحة عقله وقدرته وحسن تصرفه، فإنه سيقول في نفسه ان والدي أعلم مني بمستجدات الأمور وهو أعرف بما يريد وبطريقة التصرف، وهو صاحب المال والعمل، وما أنا الا عامل لديه ومستخدم عنده ومن واجبي تنفيذ ما يريد، لأن الرسالة الأخيرة هي بخط يده وبتوقيعه وختمه ويحملها صديق عزيز ثقة لا يرقى إليه الشك.

 ان الله العليم الخبير هو أقدر من البشر وأعلم من عبيده على فهم احتياجاتهم ومصلحتهم، كما انه أكثر رحمة بهم من أنفسهم، فعندما يبعث رسولاً الى قوم يختارهم، فما عليهم ان كانوا يؤمنون بعلم الله وحكمته، سوى الطاعة والتنفيذ، وإلا سيكونون مستحقين لعذابه وسخطه إذا قالوا ان الرسالة الجديدة تخالف الرسالة القديمة في بعض نصوصها وأحكامها ومفاهيمها وتقضي بأوامر لم نسمع بها من قبل، ونحن ننتظر شخصاً معينا بذاته ليجدد ديننا ولا ينسخه، أو ننتظر نفس رسولنا السابق ليأتي حاملا أوامر جديدة وليس هذا الرجل الغريب المجهول الذي لا نعرفه، أو ان هذا قاتل أو غير معروف الأب أو يتيم فقير.

 لذا وجب عدم الاعتراض على تتابع وتوالي الشرائع السماوية مهما كانت متباينة في الظاهر ومهما اختلفت هيئات الرسل ومهما تباعدت مواطن ظهورها فـ (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(1)، لأن المرسل هو الله الحكيم الخالق الجبار وما البشر الا عباده المأمورين بالتنفيذ، دون التفوه بكلمة: لِـمَ أو بِـمَ، فهذا هو شأنهم ومقامهم الحقيقي، انه مقام العبودية لله الحق، بل ان التنفيذ والطاعة هو أساس وجودهم وحقيقته، ألم يأخذ الله عهده منهم في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)(2). فكيف يحق لأحد منهم اعتراض أو الصد والإنكار؟

 ان البشر مثل طلاب مدرسة، فبالرغم من دراستهم جميعاً في مدرسـة واحدة وخضوعهم لنظام واحد ومدير واحد ومنهاج واحد، الا ان مناهج الدراسة وكتبها تختلف باختلاف مستوياتهم، فمنهج الصف الأول غير منهج الصف الثاني، والثالث غير الرابع وهكذا، فلا قدرة ولا قابلية للتلميذ وهو في مرحلة معينة على ترك مستواه الدراسي والانتقال الى مستوى آخر أعلى منه، وما عليه إلا الاجتهاد في دراسته وقراءة منهاجه والمواظبة على الدوام حتى يحقق نجاحه. فإن خالف جزءاً من النظام تعرض للمساءلة، واذا تمادى فمن المحتمل أن يفصل من المدرسة.

 عندما يبعث الله الرسل بشرائع وكتب جديدة، فغاية ذلك هو تعليم البشر وتثقيفهم وتطويرهم بتعاليم تتناسب مع مراحل تغير الزمن واختلافه وتجدد متطلبات الحالة الاجتماعية، وليدركوا ان مرحلة رسولية ورسالية قد انتهت وحلّت محلها مرحلة جديدة ورسالة جديدة، وما عليهم سوى الاستبشار بهذا الخير، فهذا دليل النجاح في المرحلة السابقة وليس دليل الفشل والرسوب. ولو أدرك البشر كم هي العنايات الرحمانية والروحانية والعلمية التي تحل عليهم عند قبولهم ديانة جديدة، لما تأخروا لحظة واحدة في قبول رسالات الله. فالاختلاف الظاهري الذي يشاهد في بعض أحكام الديانات مثل الصوم والصلاة والزواج والطلاق والمواريث والعبادات والقبلة ومكان الحج والطقوس الدينية وطرق نشر الدين وتبليغه والتعامل بين أفراد المجتمع وحدود القصاص وغير ذلك، ما هو الا بسبب قصور عقول البشر عن ادراك ضرورة التغيير وحتمية تجدد القوانين الاجتماعية واختباراً لايمانهم وطاعتهم، فالإنسان مخلوق متطور ليس فقط خلال مراحل تاريخه الطويل بل حتى خلال سنين حياته الفردية، فما يوافق عليه اليوم يرفضه غداً، وما يعقله في صغره يستنكره في كبره. فالله واحد ورسله متفقة، كما قال سبحانه وتعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)(3) ومنهجهم واحد لا تباين ولا اختلاف فيه، كما قال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(4) ولا سبيل أمام عباد الله سوى الطاعة والموافقة على الانتقال الى الفصل الجديد ودرس الدين الجديد. أما ما يبدو من اختلافات وفروق بين أتباع الديانات والمذاهب، فذلك بسبب تعنتهم وجهلهم وتعصبهم لدينهم ورسولهم وليس مرده الى تباين حقائق الأديان أو أسسها.

 أما من يعتقد ان انتشار الديانات وإيمان الصحابة وأوائل المؤمنين بها قد جاء عن طريق الإقناع والمنطق والمناقشة واستعمال العقل، فتاريخ الأديان وأحداثها الواقعية تخالف هذا المفهوم وتقول بغيره تماما، فالديانات جميعها لم تعتمد في فجر ظهورها على مبدأ العقل والإقناع فقط، فالاسرائيليون كانوا أمة عبيد وأقنان أسرى وأذلاء وعمال سخرة لدى فرعون وقومه، ولم يؤمن بدين سيدنا موسى(ع) إلا عدد قليل من السحرة، بينما اعترض عليه غالبيتهم. كذلك لم يكن أوائل المؤمنين بعيسى(ع) من علماء اليهود وأكابرهم حتى يمكن القول ان الدين المسيحي اعتمد في بداية انتشاره على مبدأ العقل والمعقول والمنطق والمحاججة، فقد كان من بين الحواريون من يمتهن النجارة والرعي وصيد السمك والزراعة، وهؤلاء كانوا من طبقات المجتمع الدنيا، فبطرس(ع) وهو من اعتمد عليه المسيح في نشر دعوته ومثـّله بصخرة دينه، كان صياد سمك لا يعرف حتى أسماء أيام الأسبوع، وعندما كان يخرج من بيته الى البحر لممارسة عمله، كان يأخذ معه سبعة أرغفة من الخبز، ليأكل كل يوم رغيف، وعندما يتبقى معه رغيفا واحدا، يعلم انه يوم سبت وعليه ترك العمل والعودة الى قريته. أما أكابر علماء اليهود وقضاتهم مثل حنان وقيافا فكانوا أول المعترضين على السيد المسيح(ع) ودعوته وهم الذين وافقوا على حكم قتله لاعتقادهم بأنه مدع كذاب. أما عن أوائل المؤمنين بالرسول المصطفى محمد(ص)، فكان غالبيتهم من العبيد الضعفاء ورعاة الإبل وكذلك من غير الأعراب من لا يجيدون اللغة العربية أو فهم فصاحة القرآن بشكل تام مثل بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم، فأين موقع العقل والاقناع من هؤلاء الصحابة العظام. وفي المقابل كان أول المخالفين للدعوة الاسلامية أبا الحكم أكبر حكماء العرب آنذاك مما جعل سيدنا محمد(ص) يطلق عليه لقب أبو جهل لشدة اعتراضه وكفره.

 ان جميع أتباع وصحابة الرسل الأوائل على العموم كانوا من الأميين والجهلة والعبيد، وهذا ليس عيباً فيهم بل شرفاً لهم، لأن ايمانهم اعتمد في الأساس على طهارة قلوبهم وصفاء نواياهم، لذلك كان للكلمة الإلهية آثاراً خلاقة على أرواحهم الطاهرة وقلوبهم السليمة، كما قال تعالى (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(88،89 الشعراء)، وكذلك قوله الكريم (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(83،84 الصافات)، لذا فازوا أولئك الأخيار بخلعة الايمان قبل غيرهم من العلماء والحكماء وكانوا مصداقا للآية المباركة (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)(5).

 ان الكلمة الإلهية لها تأثيرات وقوى خاصة مؤثرة على الأرواح فتقلّب قلوب الرجال، قوة لا تمتلكها غيرها من الكلمات، هذا بالإضافة الى قوة الرسل الروحية المستمدة من الوحي الإلهي وروح القدس والنفحات الإلهية، وهذا ما يفسر قدرتهم على تغيير العقائد التي عجز عنها غيرهم من الدعاة المدعين. إضافة الى كل ذلك، ان لله طرقا خاصة في نشر أديانه، فهو لا يعتمد على كبار القوم وعلمائهم أو على الملوك والرؤساء، لأن هذه الطريقة تبطل الغاية الحقيقية من ظهور أي دين جديد، ألا وهي الفصل بين المؤمنين والكافرين، لأن ديدن الناس أن يكونوا على دين ملوكهم، وإلا لكان الله قادراً على تبديل أيمان قلوب الملوك والأباطرة والرؤساء، وبالتالي أيمان شعوبهم من بعدهم. يمكن ببساطة تشبيه فجر الديانات الإلهية بيوم القيامة ويوم الحشر والطامة والساعة والحاقة، ففي يوم القيامة يفصل المؤمن عن الكافر ويجازى كل منهما حسب فعله، وكذلك في فجر ظهور الديانات يحصل نفس الهدف وذات الغاية فالذين يؤمنون بالرسول الجديد يذهبون الى الجنة ومن يكفر به يذهب الى النار.

عندما جاءت رسالة سيدنا موسى(ع)، كانت رسالة كاملة تامة ضمن زمانها لا نقص فيها آنذاك بشهادة القرآن الكريم (قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ..)(6)، وكذلك (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(7)، فالمنهج الإلهي لا يمكن ان يكون ناقصاً (حاشا لله) وما ظهور السيد المسيح(ع) بعد ذلك إلا إعلانا بانتهاء أمة اليهود من دراسة المنهج السابق (شريعة التوراة) وتحقق الهدف والغاية من الديانة اليهودية وازوف وقت الانتقال. ولكن باعتراضهم عليه وتكذيبه وإصرارهم على بقائهم في فصلهم ودينهم السابق، استحقوا عذاب الله وسخطه، فكان لهم ذلك الجزاء الذي شهد التاريخ على ما حل بهم على يد جيوش ملك بابل وقيصر الرومان وغيرهم من سبي وقتل وأسر وتشتيت وتدمير مدينتهم المقدسة أورشليم، وبهذا الاعتراض خسر اليهود مكانتهم الروحية وباءوا بفشل عظيم.

 كذلك ما حصل للنصارى بعد ظهور سيدنا محمد(ص)، فهو تكرار لما حدث سابقا، إذ كان المسيحيون أحباب الله سبحانه وتعالى (أحباء الله) في تلك الدورة، حيث انتقلت اليهم الرحمة والبركة والعناية الإلهية واصبحوا هم المختارون وطلاب المرحلة الجديدة ومحط العناية والبركة الإلهية رغم كل ما عانوه من عذاب واضطهاد، حتى زمن بعثة الرسول محمد(ص)، وفي لحظة الظهور تلك، أي ظهور دعوة الإسلام، انتهى منهج الإنجيل السابق ولزم على أتباعه الانتقال الى المرحلة الجديدة والايمان بها وبرسولها، لكنهم عاندوا مثل سابقيهم في قبول رسالته (الا قلة منهم) وفشلوا في ادراك الحكمة الإلهية من التغيير والتجديد ورفضوا الانصياع الى أوامر خالقهم، فكانوا مصداق معنى الآية الكريمة (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(8) مما أدى الى اختيار الله قوما غيرهم وتفضيلهم عليهم، فوقع الاختيار على ملة العرب واصبحوا فيما بعد (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(9).(من كتاب قبسات-سيفي سيفي)