الاحجار التي تتحرك


Racetrack Playa

على سفح جبل Cottonwood Mountains, يوجد سهل صحراوي خالي. ولايكتفي في غرابة منظره، حيث يبدو وكأنه من صنع الانسان، بل ويحتوي على واحدة من اغرب الظواهر الطبيعية.

المنطقة تسمى " ملعب الاحجار" Racetrack Playa وهي منطقة جافة للغاية ومسطحة كالطاولة وطولها 3 اميال. في الصيف تبدو المنطقة جافة ومتشققة وفي الشتاء تكون متجمدة ببلورات الثلج. والاغرب وجود بضعة الاف من الاحجار المتناثرة بغير انتظام، تبدأ احجامها من حجم كرة التنس وتنتهي بحجم غسالة. كل حجر من هذه الاحجار يتبعها اثر على التراب . بعض هذه الاثار مستقيمة ولايزيد طولها عن بضعة امتار في حين ان البعض الاخر متعرج بزوايا حادة ويمتد بمسافة ملعب كرة قدم.

 هذا المنظر يسبب الاستغراب. الصورة تعطي الانطباع ان الاحجار تزحف من مكانها بأرادتها الخاصة، في ذات الوقت نعلم ان ذلك مستحيل.

 Alan Van Valkenburg, حارس في منطقة وادي الموت يصف الامر فيقول:" صمت الموت يعم المكان، ويبدو وكأن الاحجار تلعب مع نفسها بسرية. لاأحد رأى الاحجار وهي تتحرك".

 الاقتراحات التي حاولت تفسير اسباب حركة الاحجار وصلت الى حدود اللامعقول، مثل المغناطيسية وحقول طاقة غريبة. بعض الزوار أصبحوا يسرقون الاحجار بحيث أصبحت مشكلة جدية، لربما معتقدين ان هذه الاحجار تملك قوة سحرية، ولكن فور مغادرتهم المكان تختفي القدرة السحرية للاحجار.

 ولكن، إذا كانت الاحجار ليست بسحرية، فماهو سبب تحركها؟

 عام 1948 انشغل الجيلوجيان جيم مكاليستر وآلين كنو (Jim McAllister and Allen Agnew ) بالبحث عن جواب لهذا السؤال. كان اقتراحهم ان غبار الصحراء ، جزئيا، سبب حركة الاحجار، محتمل بالتضافر مع فيضانات موسمية في المنطقة. عام 1952 قام جيلوجي اخر بالتحقق من هذه الفرضية حيث قام بأغراق منطقة بالماء ثم استخدم مراوح طائرة هيليكوبتر لخلق رياح قوية. النتائج كانت غير مرضية.

 على مدى الاعوام اللاحقة توجهت النظريات نحو الاعتقاد بالجليد الذي يتشكل احيانا في الشتاء. خلال السبعينات قام روبرت شارب ودويت كاري —Robert Sharp of Cal Tech and Dwight Carey of UCLA— بمحاولة حسم المسألة بين الجليد والرياح. قام الفريق بزيارة المنطقة مرتين في السنة ومتابعة حركة 30 حجر. لقد قاموا بدق اوتاد خشبية حول الاحجار انطلاقا من أنه إذا كانت الصفائح الجليدية هي المسؤولة، فسيتجمد الجليد الى صفائح متقطعة، وذلك سيشل حركة الاحجار. ولكن بعض الاحجار استمرت بالهرب، وعلى الرغم من الزيارات المتكررة لم يحصل ان رؤا حجرا واحدا يتحرك.

 ومع ذلك بقيت فرضية الجليد هي الاساسية لعقود لاحقة. من عام 1987 الى عام 1994 قام البروفيسور جون ريد من كوليدج هامبشير ، بأصطحاب الطلاب لدراسة ظاهرة حركة الاحجار. وبسبب كثرة اثار الانتقال المتوازية اقتنع ان انتقالهم مع بعض على صفائح جليدية كبيرة قامت الرياح بدفعها.
Racetrack Playa
غير ان الجيلوجية Paula Messina استخدمت تكنولوجيا GPS لتحديد المواقع، لانشاء خارطة ديجيتال ترسم حركة الاحجار، ووجدت ان معظمهم، في الواقع، لايتحركون بخط متوازي. علاوة على ذلك، الوقائع القت الشك على النموذج القائم على الرياح عندما جرى حساب سرعة الرياح المطلوبة لتحريك الصفائح. اصغر الاحجار تحتاج الى مئات الاميال في الساعة الواحدة.

 الباحث في علم الكواكب Ralph Lorenz, من جامعة جون هوبكينز، بطلب من ناسا ، دخل الى معمعة بحث الارصاد، عام 2006. كان ذلك كجزء من مشروع انشاء شبكة من محطات الارصاد جوية في المنطقة، لكونها تملك مناخا قاسيا بما فيه الكفاية ليماثل الجو على المريخ. كانت الاجهزة تستخدم في الصيف. بعد ذلك اكتشف ظاهرة الاحجار المتحركة، وافتتن بالبحث عن سببها، خصوصا مع امتلاكه للوسائل لمتابعتها في فصل الشتاء ولفهم الظروف الموجودة حقاً.

 عندما بدأ الباحثون دراسة صور الطقس لاحظوا ايضا ان الاحجار كانت وكأنها تتحرك في عالمها الخاص. لورينز كان مطلع على ان الجليد يملك قوة طفو تستطيع حمل كتل الاحجار ونقلها، في فترة المد، كما يحصل على سواحل القطب الجنوبي، خالقة بذلك اسوار من الحجر على طول الشاطئ. هذه الفكرة جرى التحقق منها. لورينز يقول:" لقد شاهدنا حجر ينتقل من مكانه ليصطدم بحجر اخر ويرتد، ولكن الدرب لايدل على انه وصل الى الصخرة الاخرى، بل وكأنه موصود بينهما بطريقة او بأخرى". ويقول:" نعتقد ان هناك طوق من الثلج حولهما، لهذا السبب من السهل ان نتصور لماذا ارتد".

 في النهاية، قام لورينز بتجربة لاختبار الفكرة الوليدة. اخذ صخرة صغيرة ووضعها في وعاء وملأه بالماء ليصبح هناك شبر واحد من الماء والصخرة في الوسط. ثم وضعهما في المجمدة لتخرج قطعة من الجليد متعلقة فيها صخرة. وضع ذلك مقلوبا، في علبة بها مياه ورمال في القعر. ومن خلال النفخ عليها فقط رأى كيف ان بأمكانه ارسالها متزلحقة الى مسافات بعيدة تاركة خلفها جرحا على الرمال، بسبب انها محمولة على الجليد. بذلك يبدو اننا حصلنا على الجواب المعقول.

 عام 2011 قام لورينز بتقديم تفسيره للنشر، حيث قال:" صفيحة من الجليد تتشكل حول حجر ومستوى الماء يتغير بحيث ان الحجر ينحمل خارجا من الطين. انها صفيحة جليد طافية صادف ان فيها حجر بارز من الاسفل قادر على جرح الارض الطينية".

 الحسابات تشير الى ان حركة هذه الصفيحة الجليدية على الماء لاينتج عنها كبح تقريبا، بحيث ان الحجر يتزحلق بسهولة. هذا الموديل يوضح الامر افضل من اي موديل اخر لعدم الحاجة الى قوة ريح كبيرة او ثلج قاري للتزلج.

 وعلى الرغم من الوصول الى تفسير لهذه الظاهرة يذكر حارس المنطقة الى ان الزوار غالبا يستفسرون منه عن سبب حركة الاحجار، ولكن، عندما يحاول الاجابة على استفساراتهم يبدو انهم لايريدون ان ينصتوا. " الناس احجية، انهم يفضلون الاسئلة التي لااجابة عليها". لذلك ستبقى هذه الاحجار تثير الخيال.

الهلوسة والرؤى الروحية




على مر الازمان كان العديد من الناس يصابون بالهلوسة، (عبارة عن رؤى مشابهة للادراكات الحسية)، وهي معايشات تنشأ في الدماغ بدون ان تكون صادرة عن مصدر فيزيائي عبر قنوات الحواس ومع ذلك يعايش المرء (الدماغ) صدى قوي او ضعيف عن حقيقة فيزيائية خارج الذات. والهلوسة تختلف عن الوهم، التي هي سوء تفسير لمعطيات الحواس عن العالم الخارجي. وعالم الهلوسة ، لعب دورا كبيرا في نشوء تصوراتنا وطقوسنا الدينية والميثالوجية.

الهلوسة ليست فقط قاصرة على الصور والاشكال وانما ايضا يمكن ان تكون معايشة روائح واحاسيس او اصوات او طعم، وبالتالي الهلوسة جميع الانطباعات الممكنة حسب خبرتنا القادمة من جميع الحواس ويمكن ان تكون بمستويات مختلفة تصل الى حد التطابق مع الواقع. في حالة الهلوسة الخفيفة والتي بالكاد تلاحظ نسميها pseudo-hallucination.

المصاب يمكن ان ينتبه في مرحلة ما الى انه يعاني من نوبات الهلوسات العميقة. ومعايشات الهلوسة يمكن ان تتشابه مع الواقع بدرجة من الدرجات. الاصوات القادمة من داخل الدماغ يمكن ان " يسمعها" المرء مثل الصوت العادي تمام في حين ان انواع اخرى من الهلوسات يمكن ان تكون نادرة وشخصية ومن الصعب وصفها والتعبير عنها للاخرين. وتتميز الهلوسة الكلاسيكية بأن المصاب لايستطيع التحكم برؤيته وإدارتها في حين ان المعايشات التي يمكن التحكم بها بسهولة يستحسن تسميتها وهم او تخيلات.

عام 1988 قام البسيكولوجيين الانكليز Peter Slade & Richard Bentall بوضع تعريف تطبيقي للهلوسة، حيث تكون الهلوسة ( التي هي مشابهة الادراكات الحسية) ماينطبق عليه التقديرات التالية:
1- كل تصورات تحدث بدون مسبب خارجي.
2- بقوة تتطابق مع قوة الظاهرة الفيزيائية الطبيعية او تعبيراتها،
3-ولايمكن السيطرة عليها من قبل الشخص المعني.

ماهي العوامل والقوى التي تطلق الهلوسة؟

ترتبط الهلوسة في الثقافات الغربية بالامراض النفسية والعصبية وعلى الاخص الشيزوفرينا. والتقديرات تشير الى ان كل واحد في المئة من البشر في العالم مصاب بهذا الخلل بشكل من الاشكال. الهلوسات النفسية - المرضية تتوجه الى المصاب بالادانة والتعنيف والتعليقات والسخرية والمخاطبة او حتى الشتائم. في تسعينات القرن الثامن عشر قامت Society for Psychical Research بإجراء بحث في لندن على 17 الف شخص ليظهر ان كل عاشر شخص منهم سمع، احس او رأى بصورة واضحة اشياء لم يمكن العثور على مصدر فيزيائي خارجي لها. اغلب الهلوسات عبارة عن رؤية لاشخاص على قيد الحياة. ابحاث العالم D. J. West 1948 اعطت نتائج مشابهة.



الهلوسات قد تأتي بدون سبب واضح في حين ان هلوسات اخرى يمكن تحفيزها بالمخدرات او الامراض الجسدية او النفسية، وحتى بسبب الجوع والعطش او نقص النوم او عدم القدرة على النوم والاجهاد او التنويم المغناطيسي . ويمكن ايضا اثارة الهلوسات على الظهور من خلال الطقوس مثل الرقص والترنح والغناء ذو الايقاع الثابت ( مثلا الزار والاناشيد الصوفية) والتأمل الصوفي او التنفس بطريقة غير طبيعية. بل وحتى موجات صوتية منخفضة ( تحت العشرين هرتز) infrasound يشعرها الانسان فقط كأهتزازات يمكنها ان تخلق هلوسات. مثل هذه الاصوات يمكن يمكن ان تأتي من مصادر طبيعية مثل القنوات الهوائية او مجاري المياه او بسبب الصواعق والمكائن.



البسيكولوجي الامريكي Ronald Siegel ، عام 1977، شبه الهلوسة كالشخص الذي ينظر من خلال زجاج النافذة طيلة النهار. وطالما هناك ضوء في الخارج يرى صورة الواقع ولكن عندما يختفي ضوء الشمس تظهر امام الناظر صورة انعكاس الغرفة على الزجاج فيبدو الامر وكأن الغرفة امام الناظر وليست خلفه.

Charles Bonnet syndrom

خلل تشارليز بونيت تظهر اعراضه عند اشخاص لديهم تضرر في البصر يؤدي الى رؤيتهم الى اشباح مع انهم اصحاء عقليا ونفسيا، وسببه هو تشوه الانطباعات البصرية. هؤلاء الناس يمكن ان يروا اطارات ملونة تتحرك ولكنهم غالبا يرون اجساد او اوجه ، احيانا مشوهة، ومرات كما لو انها افلام كارتون تتحرك. مضمون هذه الصور المتحركة مجهولة بالنسبة لهذه النوع من الاصابات الامر الذي يجعلها مختلفة عن المصاب بالهلوسات نتيسجة اسباب نفسية مرضية. حوالي 10% من المصابين بتضرر الرؤية يعايشون هذه الظاهرة (بعض المصادر تشير الى 30%). غير ان الغالبية لاتذكر معاناتها حتى لاتتهم بالجنون.

DE JA VU

هي الاحساس بتذكر معايشة لحدث ليس بالضرورة قد حدث.
70% من الناس مروا بهذه التجربة، ومع ذلك فإن هذه الظاهرة ايضا احدى عوارض epilepsi

ولكنها ايضا يمكن ان تظهر عدة مرات في اليوم في الفترات التي ينام المرء فيها بشكل سئ ويكون تعبان في النهار

احدى النظريات تقول ان بعض الاحداث لايجري توثيقها اولا في الذاكرة القصيرة وانما تقفز على الفور الى الذاكرة الطويلة ولذلك يعايش المرء مايحدث امامه وكانه قد حدث سابقا. وتوجد نظريات اخرى عن اسبابها

بعضها يقول ان تكاثر الاحداث اكثر من طاقة الدماغ للحظة معينة بحيث الحدث يسبق الدماغ وعندما يصل اليه يعتقد انه واجهه في السابق ( النظرية السابقة)
- الدماغ يملك قدرة على توقع ماسيجري (تقريبا علاك)
- الدماغ يرسل اشارتين متتاليتين عن الحدث نفسه بحيث منطقة التلقي تعتقد انه حدث سابقا
- الدماغ يغلق لثانية ثم يفتح من جديد فيتصور ان ماحدث قبل الاغلاق حدث قبل زمن طويل وجزء من خبرته.
-احدى العينين ترسل الانطباع قبل العين الاخرى فيعتقد الدماغ انه رأى الامر سابقا

دينيا: يعتقد البعض انه وحي من الله او تواصل صوفي او انه قادر على الحلم بما سيجري في المستقبل، وبعض الاديان التي تؤمن بالتقمص ( الدروز والهندوس مثلا) تعتقد انها ذكريات من حياة سابقة.

Epilepsi

الصرع مرض شائع للغاية وكان الاعتقاد ان جني او شيطان يسكن في جسم المريض وتجري طقوس دينية لاخراجه منه. الموسيقي البولوني الشهير فريدريك شوبين Frêdêric Chopin, كان يعاني صورة ثقيلة من الصرع، حيث كان يرى خلال النوبات صور وخيالات تثير فزعه. اليوم يطلق على هذا النوع من الصرع الهلوسي اسم temporallobsepilepsi.
الاصابة بهذا الخلل الدماغي يؤدي بالمصاب الى رؤية اشباح تتحرك لها صور مرعبة. يمكن للمريض ان يتصور ان هذه الاشباح تتكلم معه.


نماذج عن رؤى دينية

وفي ميثالوجيات الاديان نجد العديد من الروايات التي لو قيل مثلها اليوم لكانت من اعراض الاصابة بالهلوسة العقلية وهنا نماذج

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع - الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (4641) ومسلم (161) .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
: ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح ، (بِالأفُقِ الْمُبِينِ) أي : البين ، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة) ، وهي المذكورة في قوله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم/5 –10 ، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره ، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل عليه السلام .

عند الإمام مسلم (177) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) .

مصدر خُرافة عذاب القبر

في بحثٍ سابق خصصناه لدحض عقيدة.."عذب القبر"..المنتشرة لدى عامة المسلمين وبعض فقهائهم..قلنا أن الإسلام-كدين-لم يُشرّع وبالتالي لم يُشير إلى وجود حياة ما بين موت الإنسان وبعثه يوم القيامة ، وأن كافة ما وُرد في هذا الشأن يُشير إلى.."البرزخ"..وهو الحاجز الذي يفصل ما بين الحياتين الدنيا والآخرة، وأن الشعور بالزمان والمكان وراء هذا الحاجز معدوم .

 هذه الفكرة طافحة في القرآن لدرجة التكرار في أكثر من موضع وضمن وحدة موضوعية مختلفة في كل سورة، وأن كل ما وُرِد إلينا في عذاب القبر جاء عبر الأحاديث والتي لا تكفي لإقرار عقيدة إيمانية مفصلية على غرار البعث يوم القيامة وحساب الآخرة والصراط والجنة والنار وما إلى ذلك، فضلاً عن أن هذه الأحاديث لم تبلغ مبلغ التواتر وعرضنا اختلاف الأئمة في الحديث المتواتر فمنهم من أنكر وجوده ومنهم من قال بأن المتواتر واحد ومنهم من قال خمسة أو أكثر ، وأن روايات عذاب القبر جميعها أخبار آحاد يعني على فرض صحتها فلا يجب التسليم بها في العقائد..

  فالتعامل مع الحديث يختلف عن التعامل مع القرآن، لأن القرآن كله متواتر والإيمان به -وبكل ما جاء به -فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل ولا يختلف في ذلك اثنان من المسلمين، أما الأحاديث فمنها الصحيح ومنها الضعيف، وأن الإجماع على صحة أيٍ منها يكاد يكون معدوم إلا في مواضع قليلة أجمع فيها المسلمون على صحة بعض الأحاديث...ليس من ضمنها عذاب القبر.

  هذا يعني أن هذه العقيدة كانت- ومن أول وهلة- لابد وأن يُنظر إليها بمنظور الإمكان وليس الوجوب..بمعنى أنه يُمكن أو لا يُمكن وجود أحداث في القبر وبالتالي فلا يُقطع بها ولا تكون من أصول العقائد الإيمانية لاحتمال حدوث النقيض، وبالتالي لا يجري الدعاية لها أو التحذير منها ، فالدعوة"الدينية" لشئٍ ما أوالتحذير منه يعني أن وجوده مُسلّمُ به ولم يتبقى سوى العمل له أو تجنبه في حين أن هناك أشياء أولى للاهتمام بها والعمل لها أو ضدها..وأحسب أن فكرة عذاب القبر نشأت بهذه الطريقة إلا أنها تطورت بتطور مفهوم الحديث وإدخال" الرواية مع السُنة"ضمن مفهوم واحد، فكان كلما ذُكرت الرواية يجري فهمها على أنها السُنة والعكس.. وهذا خطأ كبير نتج عن نزعات التقليد و تقديس الرجال التي اعترت المسلمين فصولاً من الزمن إلى يومنا هذا.

  ولكن طالما أن هذه العقيدة موجودة فهذا يعني أنها كانت حقيقة لدى البعض نقلها المسلمون عنهم سواء من جِهة المجتمع والعُرف والثقافة أو من جهة الدين والنقل والاتباع..وأنا أرى أن عذاب القبر انتقل إلى المسلمين من الجهتين ولكنها أخذت شكلاً أكثر تفصيلاً لديهم مع تعدد الروايات الدالة.. 

ولو نظرنا إلى قصة منشأ هذه العقيدة- في تلك الروايات- سنجد أن من بشر بها المسلمين هم اليهود.. وذلك ضمن رواية اليهودية التي حذرت السيدة عائشة من عذاب القبر فخافت السيدة عائشة وسألت رسول الله عنه فصدقها، وهذه الرواية على شرط الصحيحين أي أن رجال السند هم رجال البخاري ومسلم ولكن الرواية لم يُدونها أو يُصححها أحدهم، فتم قبول الرواية وأخذها المسلمون بموضع التسليم وتم ربطها بالروايات الأخرى التي تحذر من فتنة القبر وتحكي كيفية وقوع بعض صنوف العذاب والعرض على المَلَكين وما إلى ذلك من أحداث ثَبُتَ بُطلانها في البحث السابق.. 

ولإحكام ما سبق لابد من تبيان أن قواعد الرد على العقائد "الغيبية" يجب أن يكون عبر ترابط كِلا الدليلين.. "العقلي والشرعي"..معاً..لأن من الغيبيات ما لا يجوز فيها النَظَر العقلي ولكنها مثبتة بالشرع، يعني أن كافة العقائد الإيمانية التي تحكي أحداثاً فاصلة ومهمة لابد وأن يُصرّح بها الشارع ولا يتركها للقيل والقال والاختلاف. 
وبما أن اليهود هم أصل هذه العقيدة عند المسلمين فهذا يعني حدوث واحد من أمرين اثنين:

1-إما أن اليهود-حينها-كانوا يؤمنون بالحياة في البرزخ،وأن البعث يكون مرتين الأولى في القبر والثانية يوم القيامة، وبالتالي فهم يؤمنون بثلاثة أنواع من الحيوات... 

وهذه العقيدة هي نفسها عقيدة من يؤمن بعذاب القبر من المسلمين!!

 2-أو أن اليهود لم يكونوا يؤمنون بالبعث يوم القيامة أصلاً..ولكن يؤمنون بالبعث في القبر، وأن الحساب الأخروي لديهم موجود بداخله، وهذا يعني أن عذاب القبر لديهم هو نفسه عذاب الآخرة. 

وأنا أرجح الثانية من ثلاثة وجوه..
 الأول: أن هذا الاعتقاد هو بعينه اعتقاد المصريون القُدماء، فنشأة اليهود بالأصل كانت مصرية حتى مع الخلاف حول هذه النتيجة ولكنها كانت رؤية دينية عامة منتشرة في الشرق القديم، فالمعبود المصري يُقابله المعبود الفينيقي أو البابلي..حتى أن عقائد اليونان القدماء لم تَخلُ من هذا الطرح ..وعقيدة الحساب والجزاء لديهم كانت في القبور وهذا ما حملهم على دفن متاع الميت معه. 

الثاني: أن كُتب وأسفار اليهود الكُبرى خلت من أي إشارة للبعث يوم القيامة، وأن الإيمان بيوم القيامة لدى اليهود لم يأتِ إلا متأخراً وبالتحديد بعد كتابة التلمود بشِقيه.." المشناة والجمارا"..والتلمود مكتوب بعد أسفار التوراة بسبعة قرون تقريباً..وهذا يعني أن اليهود عاشوا قروناً طويلة وهم يعتقدون بأن القبر هو المآل الأخير للميت، وأن الحساب الأخروي يكون فيه. 

الثالث: أنه لا يوجد أحد من اليهود الآن يقول بعذاب القبر.. بمعنى أنهم يعتقدون في أن البعث يكون يوم القيامة ، وهذا يُثير التساؤل كيف وأن هذه العقيدة كان منشأها لدى اليهود ثم يُنكرونها الآن..والإجابة جاءت في الوجه الثاني بأنهم كانوا يقولون بذلك قبل كتابة التلمود، وبعدما جاء التلمود بعقيدة البعث يوم القيامة متأثراً فيه بالإنجيل...حينها آمن اليهود بأن البعث واحد يوم القيامة وأن الحياة اثنين في الدنيا والآخرة.

 أخيراً لا أريد أن أسترسل في البحث عن القصة بأكملها.. ويكفينا الإشارة بأن فكرة عذاب القبر عند المسلمين كانت فكرة دينية أخذت بُعداً اجتماعيا نتيجة لتطورها على أيدي المتصوفة..أيضاً ومن أثر عُمقها الضارب في أذهان القُدماء الشرقيين، وهي تعني أن عذاب القبر لديهم كان هو العذاب الأخير لأنهم كانوا لا يعتقدون بيوم القيامة الذي يبعث الله فيه العباد ويُحاسبهم على أعمالهم فمن كان صالحاً دخل الجنة ومن كان طالحاً دخل النار، وأن الأساطير المصرية والعراقية واليهودية القديمة كانت متشابهة في البعض ومتطابقة في البعض الآخر ..وفي قضية عذاب القبر نكاد نرى تطابقاً عجيباً بين عقائد اليهود والفراعنة وبلاد العراق-خاصة السومريين والبابليين- قبيل ظهور التلمود وتأثر اليهود بالأناجيل التي أفصحت عن شكل الحياة بعد الموت وبأن هناك يوماً ستُرد فيه الحياة للأجساد وهو اليوم الأخير للعالم وبعدها يأتي الحساب..

فكرة تجسيد شخص الله

ان فكرة تجسيد شخص الله ضرورة اساسية لتمكن المؤمن من تصور وجوده ...فتصور ان الله ليس شخص مشكلة عويصة ...لانه بدون تشخيص الله لا يمكن اطلاقا تصور وجوده في ذهن الانسان ...فالمؤمن الذي يتعبد الله يخاطبه و كانه يخاطب شخص اخر و لكنه افضل منه مقارنتا بصفاته هو و لهذا السبب فالانسان أقرب الى تشخيص و تجسيد الله منه الى تجريده و هذا نجده في كل الديانات و التي تصور الله على صورة ...البشر

رغم ان معضم الاديان اليوم صارت ترفض فكرة تشبيه الله بالانسان و تميل اكثر الى تجريده باعتبار ان التجسيد هو نوع من النقص و ذلك بتاويل النصوص الدينية التي تقر بتجسيدها لله في صورة من الواضح انها صورة البشر له يد و عين و ساق جميلة يكشفها للمؤنين يوم القيامة حسب النسخة الاسلامية

المسلمون و لو انهم في السطح يرفضون فكرة تجسيد الله الا انك حين تقلب صفحات النصوص الاسلامية و تتدبر فيها ستكتشف ان الله في الاسلام هو شخص ايضا بل و الاغرب من هذا ستكتشف انه جسد شبيه بالانسان ايضا فبداية بالصفات ...صفاته كلها انسانية ..فهو يغضب و يحب و يكره و يبتسم و يمكر و يبطش و يعاقب و يبتكر و يكلم و يرسل الرسل و ينشر الكتب و يغير رايه و يتردد (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن...)حديث قدسي اضف الى كل هذه الصفات الانسانية انه أيضا عاقل و ذكي و جميل و عليم و اضف الى كل هذا ان له ساق و عين و يد(يد الله فوق ايديهم) و هو ينفخ ايضا و يتكلم

ورد في صحيح مسلم و صحيح البخاري الحديث الاتي : ( خلق الله ادم على صورته) و في رواية : (خلق الله ادم على صورة الرحمن) و في رواية ( اذا قاتل احدكم اخاه فليجتنب الوجه، فان الله خلق ادم على صورته) يتفق كل المسلمين بكل طوائفهم شيعة و سنة على ان هذا النص صحيح و لم يطعن فيه أحد يقول النووي: من المؤمنين من يمسك عن تاويل هذه الروايات و يقول نؤمن بانها حق و ظاهرها لها معنى يليق بها و هذا مذهب جمهور السلف و هذا احوط و اسلم و قال بعضهم ان الضمير يعود على ادم و هذا فيه ضعف (شرح النووي ج16 صفحة 142) و قال بن حجر العسقلاني: و زعم بعضهم ان الهاء في قوله (خلق الله ادم على صورت(ه)) تعود على ادم و هذا محتمل (فتح الباري ج5 صفحة 492) أي يصبح الحديث بمعنى : خلق الله ادم على صورة ادم ؟؟؟ااا و كان الله قام بخلق صوة ادم ثم خلق ادم على تلك الصورة ...و طبعا هذا معنى مستبعد و الواضح من اعتماده هو البحث عن مخرج لتاويل حديث صريح وواضح يبين لنا كيف كان ينضر الاسلام في مرحلته البدائية الى الله كجسد

و الدليل ما قاله احمد ابن حنبل في القرن السابع الهجري و هو احد ائمة اهل السنة و أحد مؤسسي أحد مذاهب اهل السنة ...يقول عن هذا الحديث : من قال ان الله خلق أدم على صورة ادم فهو جهمي ، و أي صورة كانت لادم قبل أن يخلقه؟ا (طبقات الحنابلة ج1 ص 285) و الجهمية هي فرقة ظهرت في القرن الهجري الثاني أي في نفس عصر ابن حنبل و كانت ترفض اسقاط الصفات البشرية على الله و تعمد الى تاويل كل الصفات التي وردت في النصوص و تجريدها و بظهور الجهمية بدات اول محاولات في الاسلام لتجريد الله و ابعاده عن التجسيد لاحظ ان تفسير الجهمية لهذا الحديث الذي يرفض اعادة الضمير(الهاء) على الله كان مرفوضا في بدايات القرن الثاني الهجري صار اليوم هو التفسير المعتمد في القرن الرابع عشر

يقول ابن تيمية : لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة ) نقض التأسيس 3/202 لاحظ هنا عزيزي القارئ كيف يؤكد لنا ابن تيمية ان مسالة تنزيه الله عن التجسيد او أي تشبيه بالبشر مسالة مستحدثة في الاسلام و لم يكن هذا الحديث ليزعج الصحابة او السلف التي لم تكن نظرتهم الى الله كنظرة المسلم اليوم

ثم لاحظ عزيزي القارئ ان نفس النص مذكور في التوراة بالسياق الاتي : خلق الله الانسان على صورته ، على صورة الله خلقكم ذكرا و انثى (تكوين 1)...فمن الواضح جدا ان النص الاسلامي (خلق الله ادم على صورته) مسروق حرفيا من التوراة فكيف يريد اقناعنا هؤلاء ان الهاء التي يقصدها محمد لا تعود على الله؟ا كنت سابقا كتبت عن موضوع المسيح الدجال في مقال ذكرت فيه الرواية التالية من صحيح مسلم كتاب(الفتن الكبرى و اشراط الساعة): عن عبد الله قال ذكر الدجال عند النبي فقال: (( ان الله لا يخفى عليكم ، ان الله ليس باعور و أشار بيده الى عينيه و ان المسيح الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية)) و في رواية : ((.ما من نبي الا و قد انذره قومه...و لكن أقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلموا انه اعور و ان الله تبارك و تعالى ليس باعور))

اذا من الواضح من خلال هذا الحديث هنا ان الله عند السلف هو صورة تشبه ادم و لهذا سيحدث ارتباك عند المسلمين حين ياتي المسيح الدجال الذي سيدعي انه هو الله ...فكيف سيعرفون ان كان هو او لا....محمد اعطاهم السر الذي يفرقون به بين الله الحقيقي و الله المزيف في قوله ((اقول لكم قولا لم يقله نبي لقومه: انه اعور و الله مش اعور))) اذا (((خلق الله ادم على صورته)))يصبح حديثا مفهوما بان محمد يقصد هنا المعنى الظاهر و هو ان الله يشبه ادم في الصورة و ليس في الصفات فقط و هذا ما فهمه السلف و كل الصحابة و لم يختلف فيه اثنين على قول ...ابن تيمية

هذا الكلام قد لا يعجب المسلمين اليوم و لكن لو فكرتم مليا فستجدون انكم لا تستطيعون التفكير في الله كذات مجردة عن التجسيم و التشخيص و مطلقة ...لانه سيصبح حينها لا شيء...و لكن حين تحاولون التفكير في الله بمنظور بشري كشخص يشبهنا على الاقل يصبح من السهل تقبل وجوده في مخيلتك ....و هذا دليل أخر بان مخيلتك نفسها هي التي خلقت الله

خرافة نوح

ان الشيء المذهل في الانسان هو قدرته على الاعتقاد بشيء سخيف ...ألا تلاحظ أن أديان كثيرة في هذا العالم تتسم بالسخافة و السذاجة و يبقى الناس متمسكين بها ...يؤمنون بها بعمق و يدافعون عنها في معركة يدركون انها خاسرة ...و لكن حاجتهم الى الايمان بها أقوى من تلك السخافات التي في تلك الاديان و التي قد تجعلهم يتخلون عن ايمانهم بمصداقيتها
هناك من المتعلمين الحاصلين على اعلى الشهادات العلمية و مع ذلك عقولهم ليست مدربة للتفريق بين قصة ممكنة و مستحيلة الحدوث و مثالا على.. أحد القصص الخيالية التي تنتعش بها الاساطير القديمة ..هي قصة سفينة نوح التي تنتشر أيضا في الاديان السماوية (تلك التي سقطت من السماء)...قصة سفينة نوح و التي سماها القرءان (الفلك)..تنص القصة باختصار ..ان النبي نوح قام ببناء سفينة عظيمة ليختبئ فيها هو و اهله بعد ان قرر الهه الشرير إغراق كوكب الارض بما فيه بسبب قوم رفضو تصديق ادعاءات نوح و لا ادري الى الان ما هي العبرة من اغراق كوكب بأكمله بسبب هؤلاء الجماعة فدعونا الان نطرح مجموعة من التساؤلات على هؤلاء الذين يصدقون هذه القصة السخيفة حتى نضع النقاط على الحروف ...لعلهم يستيقضو و يدركو انهم يصدقون سخافة ما هي الا أسطورة يهودية مسروقة من الديانة ............الهندوسية

 هل سأل هؤلاء أنفسهم كيف استطاع نوح جلب الحيوانات القابعة في القارات الاخرى اليه؟ ..كيف عبرت الحيوانات التي تعيش في أستراليا و امريكا المحيطات لتصل الى نوح و عادت الى موطنها مرة اخرى؟
اولم يكن من المفروض على كاتب القصة ان يقول ان نوح سافر بنفسه عبر سفينته الى القارات عبر المحيطات لانقاذ الحيوانات التي تعيش هناك؟...ثم كيف يستطيع الوصول الى عمق الصحراء لاحضار زوجين من الحيوانات التي تعيش في الحر الشديدة و الى عمق الجليد لانقاذ زوجين من الحيوانات تعيش في البرد الشديد؟
 هل سال هؤلاء انفسهم كم من فصيلة يوجد في النوع الواحد من الحيوانات؟ فهل انقذ نوع كل الفصائل فلو اخذنا الحصان مثلا فهناك مئات الفصائل منها...و لا تتزاوج بينها...فهل بحث نوح عن كل الفصائل الموجودة عبر العالم؟
ا هل سال هؤلاء انفسهم كيف عادت كل هذه الحيوانات الى مواطنها الاصلية؟...هل عبر الدب القطبي الصحاري و المحيطات ليصل الى القطب الشمالي؟ و هل سبح التمساح في المحيطات المالحة ليصل الى موطنه ؟ هل سال هؤلاء انفسهم كيف استطاعت أسماك المياه العذبة البقاء بعد ان اختلطت المياء المالحة بها على اثر الفيضانات ؟
  هل سأل هؤلاء انفسهم من اين جاء نوح بكل الطعام اللازم لكل ذلك الكم الهائل من الحيوانات و كيف استطاع حمايتها من بعضها و كيف استطاع تبريد أقفاص الحيوانات التي تعيش في البرد و تدفئة اقفاص الحيوانات التي تعيش في الحر؟
 ان هؤلاء الذين يصدقون هذه القصة السخيفة..يبدون غارقين في التشفي في الكفار الذين راحو ضحية الفيضان و لم ينتبهو الى سخافة فكرة ...سفينة تنقض الكائنات الحية التي تعيش على كوكب الارض ....انه لمن الشيء المخزي ان تسمع زغاليليو النجار و هو يحاول ان يفسر هذه السخافات علميا ....أليس من الاكرم لهؤلاء الاعجازيين ان يقولو للناس ان الله ارسل ملائكته و اخذو الحيوانات و انقذوها بطريقتهم السحرية و اخذوهم الى السفينة ثم أعادو توزيعهم الى مواطنهم عبر ارجاء الارض بمعجزة سحرية اخرى و لم يحتاجو الى طعام و لا وجع راس ....لماذا يريدون عقلنة الخرافة مادام الناس في كل الاحوال ستصدقها مهما كانت سخيفة؟
 الحقيقة ان المعجزة ليست في هذه القصص بل في من يصدقها ...و الأمر من هذا هو في اولائك الذين يحاولون البحث عن مبررات عقلية و علمية لها ...هؤلاء يحاولون الحفاظ على ايمانهم بعقلنة الخرافة و هم يعرفون ان ذلك مستحيل و لكن الحاجة الى الايمان بها هو ما يدفهم الى ان يختارو تصديقها ثم تبريرها

لماذا تتعدد الأديان وما سبب الاختلاف بين أتباعها؟

البشرية بحاجة الى من يداوي عللها ويبرئ أمراضها ويمنحها الصحة والعافية من أوبئتها الاجتماعية وآفاتها الفكرية والسياسية ليخرجها من قبور الأوهام والتخلف وينهضها من لحود السبات والغفلة. فالغاية هي الوصول الى علاج مفيد ودواء ناجع تتناوله مجتمعات البشر حسب إرشادات طبيب حاذق مهما كان مرّاً وقاسياً للحصول على نتيجة إيجابية تفي بالمطلوب للخروج من هذه الهاوية، وربما أدت الى الخروج بفكر جديد يقارب في تأثيره السليم ما فعله الدين الإسلامي الحنيف بعرب الجاهلية، لمواكبة ركب شعوب العالم المتقدم. وكل ما يرجى من القارئ اللبيب، نبذ التعصبات جانباً، فالتعصب بعينه هو جرثومة المرض دينياً كان أو مذهبياً أو فكرياً أو وطنياً، لتصويب بعض الأفكار والمعتقدات دون انحياز الى فئة دون أخرى.

تسود العالم اليوم موجة شديدة تدعو الى الابتعاد عن الدين والتقرب من المادية، ويتفاخر بذلك بعض أنصاف المثقفين وينسبون الى الديانات وأفكارها السبب الأساس في تخلف الشعوب واختلافهم وتجدد المنازعات والحروب التي حصلت وما زالت تحصل بين الأمم. لكن هذا الرأي يحتاج الى وقفة تأمل، رغم امتلاكه شيء من الحقيقة، لأن كثير من أتباع الديانات الجاهلين بحقيقة سماحة دياناتهم، كانوا أنفسهم سبب المآسي والحروب بما حملوه من مفاهيم دينية خاطئة. فالديانات السماوية دعوة صادقة للمحبة والاتفاق والسلام وساهمت بشكل كبير ومباشر في نقل الشعوب نقلات حضارية كبيرة. ومن المؤكد ان سبب تعددها كان نتيجة ضرورية وحتمية لتطور المجتمعات ورقي الشعوب، فالبشرية في حالة تطور وتقدم مستمر ولابد من تغير وتجدد القوانين الشرعية لكل دين حسب مقتضيات الزمان والمكان والمجتمع، مثل أحكام الطلاق والمواريث والقصاص والتعبد والطقوس والصلاة وغير ذلك، أما جوهر وحقيقة الديانات فتبقى ثابتة على حالها دون تغيير، فكلها تدعو الى الخير والعمل الصالح والمحبة والصدق والصفاء والقناعة والشرف والاتحاد والسلام، ولو كان الغرض الحقيقي من تعاقب الديانات وتسلسلها هو عبادة الله فقط، لكان من الأفضل استمرار اعتناق البشرية بتمامها لدين سيدنا إبراهيم(ع) حتى هذا اليوم ولا ضرورة لتعدد الديانات ونزول الرسل والأنبياء. ولكن بما ان صفة التطور والتقدم والرقي والتفتح الفكري هي من الصفات الملازمة لطبيعة الإنسان لذلك كان التجديد والتغيير في الشرائع ضرورياً ومستمراً.

لنضرب مثلاً على سبب تعدد الأديان: لو كان لرجل، ولد راشد يسكن بعيداً عنه يقوم بعمل معين نيابة عن والده، وكتب الوالد رسالة لولده بخط يده وختمها ووقعها وأرسلها بيد صديق موثوق به عندهما. فمن المؤكد ان الابن سوف يلتزم بأوامر الرسالة ولن يجد بُداً من تنفيـذ ما جاء فيها، هذا إذا كان الابن محباً ومطيعاً لوالده.

 ولنفترض أن جاء الابن صديق آخر بعد فترة يحمل رسالة أخرى تحمل نفس توقيع الوالد وختمه وبخط يده، إلا انها تحمل بعض الأوامر الجديدة التي تختلف في الظاهر عن أوامر الرسالة السابقة! فما يتوقع ان يفعل الابن؟ هل يترك الرسالة الثانية لأنها تختلف في بعض أوامرها عن الأولى؟ أم يعمل بها ويوقف العمل بأوامر الرسالة الأولى؟ وهل يتردد في التنفيذ ويقول ان والدي متذبذب لا يستقر على رأي وانه حيرني فيما يريد وشتت أفكاري، أم يشرع في التنفيذ دون مناقشة أو تردد؟ من المؤكد إنْ كان الابن واثقاً من حكمة أبيه ورجاحة عقله وقدرته وحسن تصرفه، فإنه سيقول في نفسه ان والدي أعلم مني بمستجدات الأمور وهو أعرف بما يريد وبطريقة التصرف، وهو صاحب المال والعمل، وما أنا الا عامل لديه ومستخدم عنده ومن واجبي تنفيذ ما يريد، لأن الرسالة الأخيرة هي بخط يده وبتوقيعه وختمه ويحملها صديق عزيز ثقة لا يرقى إليه الشك.

 ان الله العليم الخبير هو أقدر من البشر وأعلم من عبيده على فهم احتياجاتهم ومصلحتهم، كما انه أكثر رحمة بهم من أنفسهم، فعندما يبعث رسولاً الى قوم يختارهم، فما عليهم ان كانوا يؤمنون بعلم الله وحكمته، سوى الطاعة والتنفيذ، وإلا سيكونون مستحقين لعذابه وسخطه إذا قالوا ان الرسالة الجديدة تخالف الرسالة القديمة في بعض نصوصها وأحكامها ومفاهيمها وتقضي بأوامر لم نسمع بها من قبل، ونحن ننتظر شخصاً معينا بذاته ليجدد ديننا ولا ينسخه، أو ننتظر نفس رسولنا السابق ليأتي حاملا أوامر جديدة وليس هذا الرجل الغريب المجهول الذي لا نعرفه، أو ان هذا قاتل أو غير معروف الأب أو يتيم فقير.

 لذا وجب عدم الاعتراض على تتابع وتوالي الشرائع السماوية مهما كانت متباينة في الظاهر ومهما اختلفت هيئات الرسل ومهما تباعدت مواطن ظهورها فـ (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(1)، لأن المرسل هو الله الحكيم الخالق الجبار وما البشر الا عباده المأمورين بالتنفيذ، دون التفوه بكلمة: لِـمَ أو بِـمَ، فهذا هو شأنهم ومقامهم الحقيقي، انه مقام العبودية لله الحق، بل ان التنفيذ والطاعة هو أساس وجودهم وحقيقته، ألم يأخذ الله عهده منهم في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)(2). فكيف يحق لأحد منهم اعتراض أو الصد والإنكار؟

 ان البشر مثل طلاب مدرسة، فبالرغم من دراستهم جميعاً في مدرسـة واحدة وخضوعهم لنظام واحد ومدير واحد ومنهاج واحد، الا ان مناهج الدراسة وكتبها تختلف باختلاف مستوياتهم، فمنهج الصف الأول غير منهج الصف الثاني، والثالث غير الرابع وهكذا، فلا قدرة ولا قابلية للتلميذ وهو في مرحلة معينة على ترك مستواه الدراسي والانتقال الى مستوى آخر أعلى منه، وما عليه إلا الاجتهاد في دراسته وقراءة منهاجه والمواظبة على الدوام حتى يحقق نجاحه. فإن خالف جزءاً من النظام تعرض للمساءلة، واذا تمادى فمن المحتمل أن يفصل من المدرسة.

 عندما يبعث الله الرسل بشرائع وكتب جديدة، فغاية ذلك هو تعليم البشر وتثقيفهم وتطويرهم بتعاليم تتناسب مع مراحل تغير الزمن واختلافه وتجدد متطلبات الحالة الاجتماعية، وليدركوا ان مرحلة رسولية ورسالية قد انتهت وحلّت محلها مرحلة جديدة ورسالة جديدة، وما عليهم سوى الاستبشار بهذا الخير، فهذا دليل النجاح في المرحلة السابقة وليس دليل الفشل والرسوب. ولو أدرك البشر كم هي العنايات الرحمانية والروحانية والعلمية التي تحل عليهم عند قبولهم ديانة جديدة، لما تأخروا لحظة واحدة في قبول رسالات الله. فالاختلاف الظاهري الذي يشاهد في بعض أحكام الديانات مثل الصوم والصلاة والزواج والطلاق والمواريث والعبادات والقبلة ومكان الحج والطقوس الدينية وطرق نشر الدين وتبليغه والتعامل بين أفراد المجتمع وحدود القصاص وغير ذلك، ما هو الا بسبب قصور عقول البشر عن ادراك ضرورة التغيير وحتمية تجدد القوانين الاجتماعية واختباراً لايمانهم وطاعتهم، فالإنسان مخلوق متطور ليس فقط خلال مراحل تاريخه الطويل بل حتى خلال سنين حياته الفردية، فما يوافق عليه اليوم يرفضه غداً، وما يعقله في صغره يستنكره في كبره. فالله واحد ورسله متفقة، كما قال سبحانه وتعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)(3) ومنهجهم واحد لا تباين ولا اختلاف فيه، كما قال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(4) ولا سبيل أمام عباد الله سوى الطاعة والموافقة على الانتقال الى الفصل الجديد ودرس الدين الجديد. أما ما يبدو من اختلافات وفروق بين أتباع الديانات والمذاهب، فذلك بسبب تعنتهم وجهلهم وتعصبهم لدينهم ورسولهم وليس مرده الى تباين حقائق الأديان أو أسسها.

 أما من يعتقد ان انتشار الديانات وإيمان الصحابة وأوائل المؤمنين بها قد جاء عن طريق الإقناع والمنطق والمناقشة واستعمال العقل، فتاريخ الأديان وأحداثها الواقعية تخالف هذا المفهوم وتقول بغيره تماما، فالديانات جميعها لم تعتمد في فجر ظهورها على مبدأ العقل والإقناع فقط، فالاسرائيليون كانوا أمة عبيد وأقنان أسرى وأذلاء وعمال سخرة لدى فرعون وقومه، ولم يؤمن بدين سيدنا موسى(ع) إلا عدد قليل من السحرة، بينما اعترض عليه غالبيتهم. كذلك لم يكن أوائل المؤمنين بعيسى(ع) من علماء اليهود وأكابرهم حتى يمكن القول ان الدين المسيحي اعتمد في بداية انتشاره على مبدأ العقل والمعقول والمنطق والمحاججة، فقد كان من بين الحواريون من يمتهن النجارة والرعي وصيد السمك والزراعة، وهؤلاء كانوا من طبقات المجتمع الدنيا، فبطرس(ع) وهو من اعتمد عليه المسيح في نشر دعوته ومثـّله بصخرة دينه، كان صياد سمك لا يعرف حتى أسماء أيام الأسبوع، وعندما كان يخرج من بيته الى البحر لممارسة عمله، كان يأخذ معه سبعة أرغفة من الخبز، ليأكل كل يوم رغيف، وعندما يتبقى معه رغيفا واحدا، يعلم انه يوم سبت وعليه ترك العمل والعودة الى قريته. أما أكابر علماء اليهود وقضاتهم مثل حنان وقيافا فكانوا أول المعترضين على السيد المسيح(ع) ودعوته وهم الذين وافقوا على حكم قتله لاعتقادهم بأنه مدع كذاب. أما عن أوائل المؤمنين بالرسول المصطفى محمد(ص)، فكان غالبيتهم من العبيد الضعفاء ورعاة الإبل وكذلك من غير الأعراب من لا يجيدون اللغة العربية أو فهم فصاحة القرآن بشكل تام مثل بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم، فأين موقع العقل والاقناع من هؤلاء الصحابة العظام. وفي المقابل كان أول المخالفين للدعوة الاسلامية أبا الحكم أكبر حكماء العرب آنذاك مما جعل سيدنا محمد(ص) يطلق عليه لقب أبو جهل لشدة اعتراضه وكفره.

 ان جميع أتباع وصحابة الرسل الأوائل على العموم كانوا من الأميين والجهلة والعبيد، وهذا ليس عيباً فيهم بل شرفاً لهم، لأن ايمانهم اعتمد في الأساس على طهارة قلوبهم وصفاء نواياهم، لذلك كان للكلمة الإلهية آثاراً خلاقة على أرواحهم الطاهرة وقلوبهم السليمة، كما قال تعالى (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(88،89 الشعراء)، وكذلك قوله الكريم (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(83،84 الصافات)، لذا فازوا أولئك الأخيار بخلعة الايمان قبل غيرهم من العلماء والحكماء وكانوا مصداقا للآية المباركة (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)(5).

 ان الكلمة الإلهية لها تأثيرات وقوى خاصة مؤثرة على الأرواح فتقلّب قلوب الرجال، قوة لا تمتلكها غيرها من الكلمات، هذا بالإضافة الى قوة الرسل الروحية المستمدة من الوحي الإلهي وروح القدس والنفحات الإلهية، وهذا ما يفسر قدرتهم على تغيير العقائد التي عجز عنها غيرهم من الدعاة المدعين. إضافة الى كل ذلك، ان لله طرقا خاصة في نشر أديانه، فهو لا يعتمد على كبار القوم وعلمائهم أو على الملوك والرؤساء، لأن هذه الطريقة تبطل الغاية الحقيقية من ظهور أي دين جديد، ألا وهي الفصل بين المؤمنين والكافرين، لأن ديدن الناس أن يكونوا على دين ملوكهم، وإلا لكان الله قادراً على تبديل أيمان قلوب الملوك والأباطرة والرؤساء، وبالتالي أيمان شعوبهم من بعدهم. يمكن ببساطة تشبيه فجر الديانات الإلهية بيوم القيامة ويوم الحشر والطامة والساعة والحاقة، ففي يوم القيامة يفصل المؤمن عن الكافر ويجازى كل منهما حسب فعله، وكذلك في فجر ظهور الديانات يحصل نفس الهدف وذات الغاية فالذين يؤمنون بالرسول الجديد يذهبون الى الجنة ومن يكفر به يذهب الى النار.

عندما جاءت رسالة سيدنا موسى(ع)، كانت رسالة كاملة تامة ضمن زمانها لا نقص فيها آنذاك بشهادة القرآن الكريم (قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ..)(6)، وكذلك (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)(7)، فالمنهج الإلهي لا يمكن ان يكون ناقصاً (حاشا لله) وما ظهور السيد المسيح(ع) بعد ذلك إلا إعلانا بانتهاء أمة اليهود من دراسة المنهج السابق (شريعة التوراة) وتحقق الهدف والغاية من الديانة اليهودية وازوف وقت الانتقال. ولكن باعتراضهم عليه وتكذيبه وإصرارهم على بقائهم في فصلهم ودينهم السابق، استحقوا عذاب الله وسخطه، فكان لهم ذلك الجزاء الذي شهد التاريخ على ما حل بهم على يد جيوش ملك بابل وقيصر الرومان وغيرهم من سبي وقتل وأسر وتشتيت وتدمير مدينتهم المقدسة أورشليم، وبهذا الاعتراض خسر اليهود مكانتهم الروحية وباءوا بفشل عظيم.

 كذلك ما حصل للنصارى بعد ظهور سيدنا محمد(ص)، فهو تكرار لما حدث سابقا، إذ كان المسيحيون أحباب الله سبحانه وتعالى (أحباء الله) في تلك الدورة، حيث انتقلت اليهم الرحمة والبركة والعناية الإلهية واصبحوا هم المختارون وطلاب المرحلة الجديدة ومحط العناية والبركة الإلهية رغم كل ما عانوه من عذاب واضطهاد، حتى زمن بعثة الرسول محمد(ص)، وفي لحظة الظهور تلك، أي ظهور دعوة الإسلام، انتهى منهج الإنجيل السابق ولزم على أتباعه الانتقال الى المرحلة الجديدة والايمان بها وبرسولها، لكنهم عاندوا مثل سابقيهم في قبول رسالته (الا قلة منهم) وفشلوا في ادراك الحكمة الإلهية من التغيير والتجديد ورفضوا الانصياع الى أوامر خالقهم، فكانوا مصداق معنى الآية الكريمة (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(8) مما أدى الى اختيار الله قوما غيرهم وتفضيلهم عليهم، فوقع الاختيار على ملة العرب واصبحوا فيما بعد (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(9).(من كتاب قبسات-سيفي سيفي) 

صيغة مختلفة لسورة الفاتحة

د.آرثر جيفِري (بروفيسور في اللغات الساميّة, معهد الدراسات الشرقية, القاهرة)
إن السورة الأولى من القرآن تحمل في صورتها الدليل على أنها لم تكن في الأصل جزءا من النص, بل دعاء قد ألف لأجل أن يوضع في بداية المصحف المجموع, ولكي يتلى قبل قراءة الكتاب, وهي عادة نجدها غير غريبة إن نظرنا إلى الكتب المقدسة الأخرى للشرق الأدنى. إن الأسلوب القرآني, من بداية القرآن إلى نهايته, يصور الله مخاطبا الإنسان, كما هو معروف جيدا . إلا أنه في الفاتحة نجد أن الإنسان يخاطب الله, والتفسير الشائع الذي يقول أنه يجب أن تفهم كلمة "قل!" في بدايتها هو , وبشكل واضح, ناتجا عن الرغبة في جعل هذه السورة منسجمة مع أسلوب باقي القرآن. بالإضافة إلى ذلك, فإننا عندما نفحص السورة, نجدها , بشكل أو بآخر, مختارات من الاأفكار والتعابير المأخوذة من أجزاء أخرى من القرآن. بالطبع, إن من المحتمل أنها كدعاء قد صيغت من قبل النبي نفسه, إلا أن استخدامها وموقعها في قرآننا الحالي يعود إلى الجامعين, الذين وضعوها هناك, ربما على الصفحة الواقية (البيضاء في أول الكتاب. المترجم) من المخطوطة القياسية. إن تقسيمها إلى سبع آيات حسب التقليد الإسلامي "القويم" قد أسس للفكرة التي تقول أنها ألفت كنظير إسلامي للصلاة الربانية (صلاة "أبانا الذي في السماوات" المسيحية,  المترجم).




 لقد لوحظت الطبيعة المميزة للفاتحة من قبل الباحثين الغربيين(1) منذ نولدكه فما بعده, إلا أنه ليس رأيا غربيا معاديا فحسب, لأن فخر الدين الرازي(2) قد ذكرأن أبي بكر الأصم (313)(مصدر3) كان يقول أنه لا يعتبرها (الفاتحة) جزءا من القرآن ويبدو أن أقدم التفاسير تبدأ بسورة البقرة. إن من المعروف أيضا أن الفاتحة لم تضم إلى مخطوطة ابن مسعود(4). ويقال أن بعض المخطوطات الكوفية المبكرة للقرآن قد وجد أنها تستهل بالسورة الثانية, وأنها إن كانت تحتوي الفاتحة فإنها توجد في النهاية فقط, إلا أنني لم أرى إطلاقا مثالا على ذلك.
إذن  يجب علينا  أن لا نتفاجأ إن وصلتنا سورة الفاتحة بأشكال مختلفة نوعا ما. أحد هذه الأشكال المختلفة قد تناقلته المصادر الشيعية لفتارة طويلة. ففي كتاب "تذكرة الأئمة" لمحمد باقر المجلسي (طبعة طهران, 1331, ص. 18) نجد:

نُحَمِّدُ اللهَ ربَّ العالَمِينَ* الرَحمَنَ الرَحِيمًَ* مَلَّكَ يَوْمَ الدِينِ* هَيَّاكَ نَعْبُدُ وُوَيّاكَ نَستَعِينُ* تُرْشِدُ  سَبِيلَ المُسْتَقِيمِ* سَبِيلَ الذينَ نَعَّمتَ عَلَيهِمْ* سِوى المَغْضُوبِ عَلَيهِم ولا الضَالِينَ*

لقد صادفت في الصيف الماضي في القاهرة نسخة مختلفة بشكل مشابه. لقد كانت موجودة في كتيب في الفقه, كانت بدايته مفقودة, للأسف, لذلك ليس بإمكاننا أن نعرف اسم المؤلف. إنه مختصر غير مهم لفقه الشافعي, قد كتب قبل حوالي مائة وخمسين عاما, أو قبل ذلك بقليل, إن كان من الممكن أن نغامر فنحكم بذلك اعتمادا على طبيعة الخط,, وذلك خط النسخ, وقد كتبت النسخة المختلفة على الغلاف الداخلي تحت عنوان" قراءة شاذة للفاتحة." إن المحطوطة توجد في مجموعة شخصية, ومع أن المالك كان راغبا في السماح لي بنسخ العبارة, واستخدامها إن وجدت ذلك ملائما, فقد كان غير راغب في أن يُفصح عن اسمه, لئلا واجه خلافا مع جيرانه المحافضين دينيا لكونه قد سمح لشخص غير مؤمن بأن يرى مثل هذه النسخة غير الشرعية من السورة الإفتتاحية لكتابهم المقدس.لقد صادفت في الصيف الماضي في القاهرة نسخة مختلفة بشكل مشابه. لقد كانت موجودة في كتيب في الفقه, كانت بدايته مفقودة, للأسف, لذلك ليس بإمكاننا أن نعرف اسم المؤلف. إنه مختصر غير مهم لفقه الشافعي, قد كتب قبل حوالي مائة وخمسين عاما, أو قبل ذلك بقليل, إن كان من الممكن أن نغامر فنحكم بذلك اعتمادا على طبيعة الخط,, وذلك خط النسخ, وقد كتبت النسخة المختلفة على الغلاف الداخلي تحت عنوان" قراءة شاذة للفاتحة." إن المحطوطة توجد في مجموعة شخصية, ومع أن المالك كان راغبا في السماح لي بنسخ العبارة, واستخدامها إن وجدت ذلك ملائما, فقد كان غير راغب في أن يُفصح عن اسمه, لئلا واجه خلافا مع جيرانه المحافضين دينيا لكونه قد سمح لشخص غير مؤمن بأن يرى مثل هذه النسخة غير الشرعية من السورة الإفتتاحية لكتابهم المقدس.

إن نص هذه النسخة المختلفة فيه تشابه مع نص النسخة المذكورة آنفا, حيث يقول:

بِسْمِ الله الرَحمنِ الرَحِيمِ* الحَمْدُ للهِ سَيِّدِ العالَمِينَ* الرزّاقِ الرَحِيمِ* إنَّ لكَ نَعبُدُ وَإنَّ لكَ نَسْتَعِينُ* أرْشِدنا سَبِيلَ المُسْتَقِيمِ* سَبِيلَ الذِينَ مَنَنتَ عَلَيهِمْ* سِوى المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وغَيرِ الضالّينِ*

تحت النص نجد العبارة التالية: "رواية أبي الفتح الجبّعي عن شيخه السوسي النهرزواني عن أبي سعدة الميداني عن المرزباني عن الخليل بن أحمد"
سنلاحظ بقرائتنا النصين: أن استبدال "سيد" ب "رب" هو مجرد حالة من استبدال بمرادف, لقد استخدمت كلمة سيد في سورة يوسف: 25 للدلالة على سيد يوسف في مصر, وفي سورة آل عمران: 39 للدلالة على يوحنا المعمدان, والذي وصف بأنه سيد, وحصور, ونبي, واستخدمت الكلمة بالجمع في سورة الأحزاب: 67 للدلالة على الرؤساء الذين اتبعهم الكفارفضلوا. إلا أنها لم تستخدم للدلالة على الله.
"الرزاق." قد ذكرت كاسم من أسماء الله في الذاريات: 58 "إن الله هو الرزاق."
"مَلَّك." هي قراءة تنسب إلى القاريء الكوفي الثالث من بين القرّاء اليبعة, وهو القيسي (180), أنظر كتاب "روح المعاني" للآلوسي, الجزء الأول, ص. 78 و "البحر" لأبي حيان, الجزء الأول, ص. 20. من المثير للاهتمام أن كلا النصين المختلفين يتفقان في هذه القراءة. ربما تكون "مَلَّك" أكثر دقة من تركيزا من الأشكال البديلة مَلِك, مالِك, مَليك, والتي يعتبر الأولان منها الأكثرثبوتا, والثاني هو القراءة المقبولة.
"إن لك."  إن هذه الكلمة, بالإضافة إلى هِياك, ووِياك, وأياك, وإياك التي تعتبر القراءة المقبولة, تبدوا كلها محاولات مستقلة لتفسير الصيغة الهيكلية غير المشكلة أوالمنقطة التي كانت في المخطوطة الأصلية. إن هَياك وهِياك كانت قراءة أبي السوار الغنوي (180) وأبي المتوكل (102), وقرئت "وِياك" و"وَياك" من قبل رجاء (105).
"أرشدنا" تعني نفس ما تعنيه كلمة "إهدنا" في القراءة المقبولة وكانت قراءة مخطوطة ابن مسعود (الزمخشري, وابن خالويه ص. 1),إن صيغة الأمر هذه لا توجد في مكان آخر من القرآن, إلا أن أشكالا أخرى من الجذر استخدمت بشكل شائع, والشكل الشيعي المختلف قد استخدم النوع غير التام من الشكل الرابع.
"سبيل" هي كلمة أكثر شيوعا من"صراط" المستخدمة في القراءة المقبولة, وهي أكثر استخداما بكثير في القرآن, بالرغم من أن كلا الكلمتين أجنبيتان, مقتبستان من الآرامية. إن اعتبار "سراطَ المستقيمِ," إضافة, حيث تعتبر "المستقيم" إسما لله, هو قراءة أُبي, وجعفرالصادق, وعبد الله بن عمر, لذلك فللتعبير شهادات مبكرة وجيدة لوجوده. إنها قراءة ممكنة ومناسبة, بالرغم من أن "مستقيم" ليس واحدا ن أسماء الله التسعة والتسعين. إن من المثير للاهتمام ورود تعبير "سراطَ المستقيمِ" في كلا النصين.
"مَنَنتَ" و "نَعَّمتَ" هما بديلان بسيطان استخدما كمرادفين لكون ذلك لا يؤثر على المعنى. إن الصيغة الرابعة من المصدر الثلاثي "نعم" هو أكثر استخداما من الصيغة الثانية, والتي استخدمت مرة واحدة في سورة: الفجر: 15, إلا أن "منَّ" التي تحمل نفس المعنى هي أكثر استخداما من ذلك.
"سوى" و"غير" هو استبدال مشابه مرادف, بالرغم من أن "سوى" لم تسنخدم في موضع آخر في القرآن.
"غير" بدل "لا" كانت قراءة عمر, وعلي, وأُبي, وابن الزبير, وعكرمة, والأسود من بين القراء المبكرين, وقد دعمت من قبل جعفر الصادق وزيد بن علي, لذلك فللكلمة الحق في أن يُدعى أنها القراءة الأصلية مدعومةَ من سلطان ذات مكانة. وهي لا تغير في المعنى.
يلاحظ أن معنى سورة الفاتحة هو نفس الشيء بالضبط سواء استحدمنا القراءة الأصلية أو أي من هذه القراءات المختلفة. ليس هنالك من سبب محدد للقراءات المختلفة. هي ليست تغييرات وجدت لصالح صياغة نحوية أكثر دقة أو من أجل الوضوح, كما أنها لا تحتوي على أي مغزى عقائدي. إنها فقط الصيغ المختلفة التي يتوقعها المرء خلال نقل دعاء قد حفظ في البدء بشكل شفهي , ومن ثم ثبّت عند جمع القرآن.
إن الصيغة المختلفة الثانية قد أتتنا عن طريق الخليل بن أحمد, والذي, باعتباره قارئا, كان منتميا إلى مدرسة البصرة بالرغم من ما يقال عن كونه قد أخذ الحروف من عاصم الكوفي وابن كثير المكي, من بين القراء السبعة, بل أنه قد ذكر أنه من نقل الصيغة المختلفة "غير" من ابن كثير (ابو حيان, "البحر", 298. ابن الجزري, "الطبقات,"ج. 1, ص 177, 275. ابن خالويه, ص. 1). إلا أنه قد عُرف أنه قد نقل عن عيسى بن عمر (149)(ابن خلكان, ج. 2, ص. 420) وأنه كان تلميذا لأيوب السختياني (131), وكان كلاهما بصريبن ومعروفين بنقل القراءات الشاذة. لذلك فمن المحتمل جدا أنه قد كان للخليل منفذ إلى تقليد قديم جدا في قراءة الفاتحة. لا استطيع الاستفادة من باقي الإسناد من الخليل إلى الجُبَّعي, ومن الممكن أن يكون بعد الخليل بكثير.

هتلر صلى الله عليه وسلم

لا أنسى يوماً فيه قص لى جدي قصة الحاج محمد هتلر .. وكيف أنقسمت قريته إلى آحزاب .. حزب قالوا عن هتلر أنه مبعوث العناية الإلهية للانتقام من الأستعمار الإنجليزي الذين عثوا فى الارض فساداً وغطوها بالطغيان .

وحزباً قالوا : أنه مُسلم تقي مُتخفى برداء التقية وراء أسم هتلر .. وهو ولي من اولياء الله الصالحين أسمه الحقيقى الحاج / محمد بن هتلر رضى الله عنه .

بل وكان الكثير من شيوخ مصر يدعون له من على منابرهم فى معظم المساجد المصرية قائلين : إللهم أنصر هتلر .. فيصرخ جموع المصلين قائلين أمين !
ربنا لا تشمت فيه الكفرة من أحفاد القردة والخنازير .. أمين !! من الصهاينة والفرنجة والإنجليز .. أمين !
بل وكان جموع المصليين يهتفون قائلين : " إلى الأمام يا روميل " { القائد الالماني الملقب بثعلب الصحراء } حتى يدخل روميل مصر .. وهذا هو السر فى تسمية الناس أولادهم فى ذاك الوقت بـ "هتلر" .. فنجد من تسمى بأسم هتلر طنطاوى .. هتلر محمد .. وخلافه من الأسماء الهتلارية .

وكم كنت أتمنى أن أقرأ كتاب " كفاحي " لآدولف هتلر .. وبالفعل وجدته .. وبينما كنت أقراءه أكتشفت أموراً عجيبة .. كنقاط التلاقي والتشابهات الكبيرة والكثيرة بين شخصية محمد وهتلر .. وتيقنت من أن هتلر كان أكثر نقاء وتحضر وانسانية من محمد .. و أهم نقط التلاقي والتشابه بين محمد وهتلر كالأتي :

أولاً : كلهما مريض بجنون العظمة " البارونويا " :
 فمن أهم أعراض مرض البارونويا
Paranoid: 1- شخصية المريض تبدو متماسكة ومنتظمة نسبياً .. وأتصال المريض بالواقع لا بأس به .. وسلوكه العام يبدو عادياً إلا بقدر ما تحدثه الفكرة المتسلطة .. والهذيان بأنه عظيم .. وأنه مضطهد .
 2- يشعر المريض بأنه عظيم وعبقرى ويستطيع أن يفعل ما يعجز عنه البشر ولذلك يطلق عليه جنون العظمة .
3- يتميز المريض بالقدرة على المناقشة لساعات طويلة وتبدو مناقشة منطقية غير أنها تقوم على أساس فكرى خاطئ .
4- يشعر مريض البارونويا بمشاعر الكراهية على الآخرين .
5- مريض البارونويا – فى هذاء العظمة – يكون متقلب المزاج سريع الغضب والعدوان يسعى إلى أكمال أعماله .. لذلك فهو لا يكمل عملاً يبدأه وهو غير راض عن أعماله أو أعمال غيره لأنها لم تصل إلى حد الكمال .
6- مريض البارونويا – فى هذاء الإضطهاد – ينعزل ويملؤه الخوف وقد يعتقد مثلاً أن جميع أجهزة المخابرات تتجسس عليه .. ويكون شكوك ويغلب عليه الإكتئاب والحزن .
و من تصنيف المرض نجد أن مرض جنون العظمة بلغ مداه عند هتلر وهو يري أن غيره نكره لا يُعتد به .. ولا قيمة له .. وكأنه هو وحده الذي يستحق الحياة .. ومعه بلاده المانيا .. أما بقية الافراد في اي شعب آخر غير الشعب الآري .. فهم بعيدون عن التقدم والحضارة والمدنية .. ولا يستحقون الحياة أصلاً !
و كثيرا ما كان يرد علي لسانه وهو ينعت فرداً من الأفراد .. أو شعباً من الشعوب بأنهم " حثاله " وأنهم " مجرد ديدان " أو " انصاف قرود " ! بل انه كان يري ان الغباء يتجسد في الآخرين، وأنهم يسيرون وهم في طريقهم إلي الحياة بغريزة القطيع .. اي الناس عنده كالقطيع ( قطيع المواشى ) لايحسنون التصرف أو التفكير .. أو إعمال العقل .. بل يسيرون بغباء شديد .. كقطعان الحيوانات التي لا يحكمها إلا غريزة القطيع .
ويبلغ جموح هتلر وأفكاره المدمرة القمة عندما يوجه سهام النقد إلى الشعب الفرنسي .. فيقول : " أن فرنسا أكبر عدو فظيع .. وستبقى كذلك .. فهذا الشعب الذى يتحول بقوة إلى زنوج .. ويوطد روابطه بأهداف السيادة اليهودية على العالم .. أنهم خطر داهم على بقاء الجيش الأبيض فى أوربا .. لآن التلوث بالدم الزنجى على نهر الراين فى قلب أوربا يحافظ على التعطش السادى للأنتقام من هذا العدو الوراثي لشعبنا مثل حساب اليهود الشديد البرودة .. وهكذا يبدأ فى تلويث القارة الأوروبية فى قلبها نفسه .. ويجرد الجنس الأبيض من أسس بقاء الملكية عن طريق العدوى بالإنسانية الأقل ..". وظل هتلر ينادي كما جاء فى كتابه كفاحي :
" بأن أهم مايجب أن تعنى به الدولة وهو تكوين شباب قوي مقتدر قادر على تحمل التبعات .. وأن تربى الشباب على الخضوع والطاعة العمياء .. والأنقياد للأوامر .. وأن نربي فيهم القوة البدنية بالتدريب العسكري .. والطاعة .. وحتى يمكن خلق جيل قادر على تحدي الآخر .. وان تعليم البنت يجب أن يكون بهدف أن تصبح أماً قادرة على تربية أبنائها وأعدادهم للحياة " .

المراة ضحية التحرش الجنسي

إنّ المرأة في مجتمعنا العربيّ خاصّة طالما اغتصبت فكرا،جنسا ووجودا وطالما كانت مقصيّة من الحراك المجتمعي،دورها تحقيق رغبة مغتصبها ذلك المجتمع ألذكوري الذي ألزمها على البقاء في المنزل لتربية الأبناء وتلبية الحاجات الحيوانيّة للرجل.

مع أواخر القرن التاسع عشر بدأت حركة تحرير المرأة في مجتمعنا العربي تبزغ و تظهر خاصة بعد كتاب المرأة في الشرق، تأليف مرقص فهمي المحامي دعا فيه أساسا إلى كسر حاجز النقاب وتقليد المرأة الغربيّة هذا ما أثار انتقادات الكثير واتّهموه بأنّه يريد تشويه المرأة المسلمة وهناك حتى من أبحا دمه.في سنة 1899 نشر قاسم أمين كتابه تحرير المرأة بدعم من محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفي السيّد قال فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى إزالته ليست خروجاً على الدين.

ولأنّ الخروج على السائد ومحاولة تغييره إلى الأفضل لا يروق دعاة الخطاب الديني المتعصّب والمتحجّر فقد شنّ هؤلاء حملات عدوانيّة ضدّ كلّ نفس حرّ يريد تحرير المرأة والخروج بها من وحل الاستعباد والعبوديّة.

في تونس سنة 1930 أيضا كفّرت الجهات الرجعية والأصولية الطاهر حداد ردا على نشر كتابه *امرأتنا في الشّريعة والمجتمع* و اتّهموه بالزندقة جرّدوه من شهادته العلميّ كما طالبوا بمنعه من حقّه في الزّواج بمسلمة وقد منع من العمل.

واصل نضاله في سبيل تحرير المرأة ودافع على مواقفه بكلّ شراسة كلّ هذا يدفعنا إلى مواصلة النضال من أجل تحرير المرأة على درب الذين مثّلوها ودافعوا عنها على اعتبارها خصوبة وزهرة المجتمع ولأنّ مسألة تحرير المرأة مسألة تتطلّب دراسة معمّقة إلا أنّنا سنلتزم بطلب المتمدّن لنسلّط الأضواء على مشكل التحرّش الجنسي على المرأة في الدول العربيّة أسبابه؟ و الحلول الممكنة .

 دعونا قبل أن نشرع في كشف أسباب التحرش الجنسي على المرأة أن نعرّف ما معنى التحرّش الجنسيّ.

تحرّش وراود أفعال تنسب عادة إلى الجنس وهي أفعال حركيّة ولفظيّة تنتهك المرأة أساسا قد تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية وهذا السلوك هو سلوك تطفّلي ومرضيّ يجعل المرأة مهدّدة في أمنها وسلامتها بدنيا ونفسيا.

أوّلا:أسباب التحرّش الجنسي على المرأة في الدول العربيّ

لعل أبرز هذه الأسباب يعود إلى مشكل التربية والتعليم في بلداننا فالذات العربية من الحضانة إلى الوصول إلى الجامعة عاشت اغترابا فكريا وثقافيا وعلميا وروحانيا و تربويا.
 إن طريقة تعامل المعلّمين والأساتذة مع التلاميذ هي طريقة لا حضاريّة ولا أخلاقيّة وليست عادلة بالمرّة ثمّ يتساءلون عن سبب رداءة المستوى وعن تفشي الظواهر الاجتماعية كظاهرة التحرّش الجنسي على المرأة وظواهر عديدة أخرى.

إن الوسط العائلي بدوره قد أردى الكثير مريضا ومهووسا جنسيا ففي أوساطنا العائليّة المسألة الجنسية:"البلوغ الجنسي" من المحرّم الحديث عنها أو التحاور في شأنها إن المسألة الجنسيّة هي أهمّ المشاكل التي يتعرّض لها الطفل في سنّ البلوغ إن لم يجد موجها وناصحا قد يدخل في متاهات لن يخرج منها إلا مريضا نفسيا وبدنيا.

إن أكبر قوة في الإنسان هي القوة الجنسيّة"اللوبيدو"**فرويد*،استغلّتها الشعوب المتقدمة في التنمية البشريّة وخلق ذوات نموذجيةّ ساهمت في تطوّر المجتمع أما نحن فهذه الطّاقة لم تستغلّ لأنها لم توجّه ولأنّنا استهلكنا الإعلام الموجه وشربنا كلّ الأفلام الإباحية في عضلات ذهنيّة قد شربت هواء باردا وصورا مططت واستهلكت كلّ الذاكرة ما جعل من الكثير مهووسا جنسيا و مدمنا جنسيا. 

هذا ومع لومنا على الذكور فان المرأة نفسها قد ساهمت في هذا الشرخ النفسي إما بانصياعها للمعاكسات والتحرّشات وإما بمراودتها الرّجل لنكتشف هنا أنّ المرأة نفسها تعيش مشكل الاضطراب النفسي وهيجان الجنس أو القوة النفسية الغير مستغلّة هذا ما سيفتح لنا بابا آخر سنتحدّث فيه وندرسه في مقال آخر. 

نظرتنا للمرأة

إن النظرة اللاهوتية للمرأة على أنها بجسدها و صوتها تابوا محرما وعورة جعل المجتمع يكبتها ويكبت نفسه أو لنقل يحرمها ويحرم نفسه من ذلك التلاقح الإلهي والطبيعيّ الذي يطوّر المجتمع ويضمن استمراريّة تقدّمه بشريا،ثقافيا،علميا فتحد المرأة من حراكها الاجتماعي ويختصر دورها على جسد تفرغ فيه كلّ الحاجات الحيوانيّة إن المرأة تحمل رسالة الإنسانية السامية بدورها الإنجابي والتربوي والتعليميّ.

الأسباب كثيرة وتحليلها يطول لذلك سأرجئ النظر فيها إلى عمل آخر أدق وأوسع. في هذا المقال سنحاول إيجاد مدخلا بطرح بعض أسباب هذه المعضلة الاجتماعية وبعض الحلول

الحلول التي نتصوّرها 

أوّلا :الاهتمام الجاد من قبل المنظمات النسائية بإقامة حملات توعية بموضوع التحرش الجنسي للنساء والرجال ،يجب على الإعلام أن يساهم في ذلك وكلّ المجتمع المدني ولا بدّ أيضا من تشجيع النساء بالإبلاغ عن واقعة التحرش وعدم الخوف.. ليكون العمل في حيز قانوني عادل يضمن الحماية للمرأة أطالب بتشريع قانوني يجرم التحرش الجنسي في تونس وكلّ الدّول العربيّة و أنا بصدد كتابة المطلب صحبة جمعيّة مناهضة التحرّش الجنسي ليوقّع عليه الكلّ رجالا ونساء.

هذا من ناحية من ناحية أخرى يجب النهوض بتعليمنا وإرساء منظومة تعليميّة وتربويّ وطنيّة منضبطة تراهن على الإنسان وتحترمه لأنّه مستقبل الوطن والأمّة وهو الحضارة والتاريخ. 
التوعيّة الجنسية بالنسبة للبالغين لا بدّ من دخولنا هذه التجربة وكسر حاجز المقدّس والحرام الذي سيطر على أذهاننا لمدّة قرون"لا حرج في الدين" لا بدّ من العائلة أن تقوم بدورها بمراقبة أبنائها و الخوف عليهم من الثقافات الرجعية والواهية التي اخترقت مجتمعاتنا كالأفلام الرديئة و أفلام الإيحاءات الجنسية"بونوغرافي". 
المراهنة على طاقات الشباب في الرّياضة و العلم والفنّ وخلق مناخ للحرّية لكي يبدع التلميذ والطالب، يبدع في الخيال العلمي والسلوك الأخلاقي لا في الخيال السلبي و التحرّش الجنسي.ّ

المعتقد الديني والفكر العلمي

كان ثمة رجل يحب العلم ويحرص على تعليمه الى الاخرين , وراح شباب القرية يتوافدون عليه ويزداد عديدهم , الامر الذي اثار حفيظة رجل الدين واغاضه وهو يجد قلة زوار مجلسه يوما بعد اخر , وعبثا حاول ان يقنع الشباب بخطل ما كان يتعلمونه عند رجل العلم ذاك , وما ان وجد نفسه عاجزا من الاتيان بشيء يحد به من نشاط منافسه , حتى دعا الى اختبار يجري بينهما امام اهالي القرية ليحكموا بأنفسهم اي من الاثنين هو صاحب العلم والمعرفة , وحددا موعدا لذلك ... ويوم الامتحان قال رجل الدين للثاني , هلا كتبت لنا (( حية )) اي افعى فما كان من الرجل الا ان استل قلمه وكتبها , حينها قال رجل الدين ... لقد شاهدتم ما فعل الرجل والان سأقوم انا بالكتابة , فأخذ القلم ورسم حية , ولما كان اغلبية اهل القرية لا يقرأون ولا يكتبون اشاروا الى الرسم , وعبثا حاول البعض القليل ممن كان متعلما ان يفهم من عاد الى الحضيرة السابقة , بحقيقة الامر .




يوم بدأ الانسان الموغل في القدم , يتحسس الاشياء من حوله ويدركها ويعيها , راح يبحث عن فكرة نشوئها وتكوينها , وصار وهو في لجة بحثه وتأمله لما كان يراه من ظواهر مادية وطبيعية , يفسر كل شيء على ضوء فهمه لها , فهذه شجرة وتلك حجارة وهذا ماء ... غير انه ظل عاجزا عن الكثير من الظواهر الاخرى كالعواصف والا مطار , والليل والنهار ... ولم يكن امامه ازاء هذا العجز سوى ان ينسبها الى المجهول والغيب او القوى الخفية ... ومع مرور الزمن تحولت هذه القوى الى الهة , اغدقوا عليها هالة عالية من القدسية وصار لكل ظاهرة الاها وتخصصت في واجباتها , فهذا اله الخصب وذاك للمطر وغيره للموت ... واختلفت الطقوس من واحد الى اخر , وكذلك الفرائض التي تقدم اليها , وجائت الاساطير التي استمدت مادتها من هذه الالهة لتضيف اليها المزيد من الطاقات الخارقة وتفصل في معتقداتها وتضفي عليها صورا زاهية جميلة , ناهيك عن صفات الوسامة والاستقامة والمقدرة وكما يريدها الاخرون كنموذج لا يشوبه عيب او خطل , خلافا لالهة الشر التي تتصف بالعدوانية والشراسة والانتقام ... وقد تناغمت هذه المعتقدات مع انفعالات الانسان لا على الادراك الملموس والعقلي بل على اساس الايحاء والاعتقاد , كونها لا تمتلك ولا تعتمد البراهين والادلة , بل انها مجرد صيغ رمزية لا تخضع للاثبات والنفي بالتقصي العلمي والتحليل الفلسفي .

وما يجدر ذكره هنا ان الديانات التي تعاقبت مؤخرا , كاخر الاديان , استطاعت ان تضع حدا لفوضى كثرة الالهة وتعددها , حينما بلورت صورة قد تبدو متشابهة الى حد ما للرب , ونسبت اليه كل الظواهر الحياتية بدء من الخلق وانتهاء بالموت , ليحدوا بذلك ويوقفوا انتشار الكثير من المعتقدات الاخرى التي اعتمدت التمر الاها والشمس والقمر والحيوانات ...

مما هو معروف ان الفلاسفة والعلماء استقوا مادتهم من الاساطير , فيما استمدت الاساطير , التي تعد من اهم المظاهر الثقافية الانسانية واول نتاج فكري ابداعي للبشرية , نظامها الخاص من الالهة والقوى الغيبية , وقد اعتمد العلم على تفسير كل شيء وفق نظام من المباديء والقوانين تقف الواحدة فوق الاخرى , بينما ترتبط الاساطير التي تمتعت بسطوة كبيرة فيما مضى , والتي يلعب الالهة وانصاف الالهة ادوارها الرئيسة , ترتبط بنظام ديني معين يهدف الى توضيح وشرح معتقداته وتكتسب من خلاله قدسيتها وسيطرتها المطلقة على ادراك ونفوس من اقتنع بها ... ايضا ان هذه الاساطير لما تزل الى يومنا هذا متماسكة رغم ان العلوم الحديثة استطاعت ان تحد من انتشارها وتركنها في بعض الاحيان على رفوف ضيقة وذلك من خلال الانجازات والاكتشافات العلمية الهائلة ... ولكن ورغم كل ذلك ظلت المعتقدات الدينية صامدة امام النقد العلمي والموضوعي والمنطقي , ولم تستطع الحضارات الانسانية وهي بلغت اوجها ان تقنع من اعتنقها بلا معقولية الكثير مما احتوتها هذه المعتقدات ذلك ان جميع الاديان تعاملت مع الانسان على ضوء الثواب والعقاب , اي هات وخذ , وعرف منظروها وواضعي مبادئها كيف يضعون يدهم على الجرح , حينما راحوا يوهمون اتباعهم بذلك الكم الهائل من الامتيازات اذا ما التزموا بنصوصها , مقابل عقوبات قاسية لمن انكرها وكفر بها , غير ان هذا لا يعني ان كل من امن بمعتقد معين كان خالص الايمان , فكثير منهم كان يقف مذهولا امام البراهين والادلة التي تدحض الكثير مما ورد في معتقده وتثبت زيفه وعدم مصداقيتها , رغم تحصين المعتقدات الدينية لنفسها واكتسابها مناعة تدحض به كل تفسير علمي من خلال نسب كل فعل او عمل او اكتشاف الى القدرة الربانية , عندما هيأت للانسان كل شيء بما في ذلك الابداع وسعة الفكر الذي قاده الى هذا الاكتشاف او ذلك المنجز , فالرب هو من اختار زيدا او غيره ليبدع ويكتشف ... ولي ان اشير الى اية في القرأن تقول (( وعلمنا الانسان ما لم يعلم )) واخرى (( ولا تنفذوا الا بسلطان )) وعندما نتأمل هاتين الايتين نجد من الصعوبة جدا ان نقف عند حدودهما , وحتى بعد الاف اخرى من السنين اذا ما جاء احدهم بعلم او بمنجز فما هو حسب اعتقاد المسلم , الا من عند الله ومن ذلك العلم الذي من الله به على عباده ... ولكي اكون اكثر قربا لما اريد ان اقوله , استشهد بما كنت قد قرأته قبل ايام من ان العلم الحديث توصل الى امكانية تخلص جسم الانسان من الشحنات الكهربائية الزائدة عن طريق وضع جبهته على الارض حيث ستتسرب هذه الشحنات الزائدة , فما كان من بعض المزايدين المسلمين الا ان هلل وكبر ذلك ان المسلمين يمارسون هذه العادة منذ اكثر من الف عام ولخمس مرات في اليوم الواحد ولاكثر من مرة خلال صلاتهم , عليه فلا جديد في هذا الاكتشاف فدينهم والنبي ما فعل ذلك الا لهذه الحكمة ... غير ان المنطق يرفض كليا هذه الحجة ذلك ان المسلم ما ركع الا مذلة لربه ولو كان النبي يعرف ذلك لاخبرهم ان ثمة حكمة فيزياوية تقف وراء هذه الركعة ... عموما ان المؤمن في اي معتقد , عادة ما يلزم ويجبر نفسه على الابتعاد عن كل ما يثير في دواخله الشكوك والظن , فهو اثم وسوف يسأل عنه ذات يوم ...

اذن فالمعتقد الديني , دون استثناء , يعتمد كما قلنا على صيغ رمزية اكتسبت من خلالها مناعة كبيرة امام النقد العلمي , وظلت الى يومنا هذا فاعلة ومؤثرة في مسيرتنا الحياتية رغم لا معقولية الكثير مما ورد فيها , فمثلا ان الكوارث الطبيعية التي حلت بقوم نوح وعاد وثمود وصالح ولوط ... والتي اودت بحياة الكثير منهم , يعتبرها الدين غضبا الاهيا وعقابا جماعيا لمن عصا اوامره وخرج عن جادة الصواب واقترف الاثام والمعاصي ... في حين ان للعلم رأي ووجهة نظر اخرى ومغايرة تماما لاسبابها , بل انه يثبت وبصورة لا تقبل الجدل بصحة وجهة النظر هذه من خلال التجارب والبراهين واختبارات صحة النظرية واثباتها , بل ان العلم تمكن من التوصل الى معرفة وتحديد الوقت الذي ستحدث به هذه الكوارث ...

وختاما فأن المعتقد الديني الذي اطاح ذات يوم بالفلسفة الاغريقية , وصموده القوي الى يومنا هذا امام التطور العلمي الهائل الذي يشهده العالم , لا اعتقد انه سيتمكن من مواصلة مشواره هذا وهو يجابه القوة الجبارة للتطور التكنولوجي العارم الذي راح يضع النقاط على الحروف ويفك الرموز ... فمن كان يعرف قبل حين ما في الارحام ... وما نشاهده من صحوة دينية في بعض الدول او هنا وهناك , لا ارى فيها سوى صحوة ربما ستكون الاخيرة , لتركن بعدها كل المعتقدات الدينية على ذات الرفوف التي تضم العديد من الحضارات الانسانية القديمة والثقافات التقليدية .

لؤي الخليفة

لماذا نعتقد ومن أين تأتي الحاجة إلى هذا الإعتقاد


لن تقتصر دراستنا فى هذه الساحة على فكرة الأسطورة ومنشأها وتأثيرها على كثير من معتقدات الأديان الحديثة .
بل يكون جميلا وممتعا أن نتناول ماهى الحاجات النفسية التى دفعت الإنسان إلى الأعتقاد والتماهى مع هذه الفكرة .

لدينا مقال مترجم للعالم جان – فرانسوا دورتيي ...يكون هو بداية الدرب فى الخوض فى أصل الحاجة إلى الأعتقاد .

منذ أعوام قليلة شرع بعض الباحثين في التفتيش داخل خبايا الدماغ للكشف عن العمليات الذهنية القديمة التي تدفعنا إلى الاعتقاد في وجود الآلهة.




يجري المشهد بجامعة نيوكستل بقاعة صغيرة وضع فيها الشاي و القهوة تحت التصرف الحر لكل راغب في تناول تلك المشروبات، ووضعت بنيقة صغيرة كتب عليها ثمن الشاي و يساوي 30 سنتا و ثمن القهوة ويساوي 50 سنتا. و قامت الباحثة "ماليسا باتيسون" بالاختبار البسيط التالي : وضعت فوق تلك البنيقة صورة تمثل عينين كبيرتين مفتوحتين. و كانت النتيجة أن متناولي الشاي يشعرون بأنهم مراقبون و يتركون مبلغا ماليا يفوق مرتين و نصف المبلغ الذي يقع جمعه عندما تكون الصورة تمثل باقة من الزهور. كانت الخلاصة بالنسبة لـ"باتيسون" بسيطة وهي أنه توجد نزعة قوية تجعلنا نتصرف بأكثر أخلاقية عندما نشعر بأننا مراقبون. و بالرغم من أن الأشخاص يعرفون أن هاتين العينين هما من حبر ومن ورق فإن آلية ذهنية قد انطلقت بشكل ما داخلهم و أدّت إلى أنهم أصبحوا يشعرون بعدم الراحة في صورة ذهابهم من دون دفع.

تربط "باتيسون" هذه النتيجة مع ظاهرة من الظواهر الدينية و تعلن أن الأديان تسعى إلى فرض قواعد سلوكها الحسن انطلاقا من عملية من هذا القبيل : (انتبه ! إنك مراقب من فوق !) إنه مفعول "بابا نويل" إذا صح القول.

انبثاق علم اللاهوت العصبي


تقام منذ بضع سنين دراسات تهدف إلى البرهنة على أن الدماغ البشري "مبرمج كي يعتقد"، وهكذا برز علم اللاهوت العصبي في أواسط التسعينيات. "اندريو ناوبارغ" من جامعة بنسيلفني يعدّ أحد رواد هذا الميدان(1) و قد جالت بخلده فكرة أن يصور بالأشعة على الماسح الضوئي (scanner) دماغ أشخاص بصدد ممارسة التأمل الربّاني. و تثبت مجموعة الصور الدماغية أن النشوة الباطنية مرتبطة بانخفاض نشاط منطقة محددة من اللحاء الجداري (cortex pariétal)، غير أن هذه المنطقة هي بالضبط الرقعة الدماغية المسؤولة عن الاهتداء في المجال الفضائي، وتعطيلها أو تثبيطها يؤدي إلى شعور باللاتميّز بين الذات و الغير. ولا شكّ إن بين هذه المعطيات وادعاء العثور على "مركز الدين في الدماغ" على غرار وجود مركز المتعة ومركز النطق خطوة وقع اجتيازها بسرعة.  فالأمور  ليست بهذه البساطة، أوّلا  لأن تجارب مماثلة قد أجريت على راهبات كرمليات و هن بصدد التعبّد. فعارضت نتائجها نتائج التجارب السابقة،  وهنا يؤكد "ماريو بورقار" من جامعة مونريال (2) أن "التجربة الصوفية تستنفر مناطق متعددة  في الدماغ لا مركزا واحدا"، وإضافة إلى ذلك، أن تكون هناك مناطق دماغية منشطة  عند حصول التجارب الصوفية  فهذا لا يعني في شيء أن الدماغ كان مبرمجا للاعتقاد. فإذا ما عزفنا مثلا على آلة السكسوفون أو إذا ما قرأنا ألبوما لـ"تان تان" فإن مراكز دماغية سوف تنشط في مكان ما داخل المخ، ولكن هذا لا يعني مطلقا أن العزف على السكسوفون أو أن قراءة شريط مصور كانا مبرمجين أو أنه توجد مراكز مخصصة  لهذه الأنشطة ، هذا علاوة على أن المتصوفين يمثلون قسما هامشيا ضمن المؤمنين. فحتى إذا ما تطابقت الغشية الصوفية  مع حالة خاصة من الوعي، فإن هذا لا يكفي لتفسير الاعتقادات العادية.

يرى عالم الانتربولوجيا "دافيد سلوان ويلسن" أننا يجب نبحث عن الجذور السيكولوجية للدين في اتجاه آخر. إن نزعة البشر- التي لا يمكن كبحها -  نحو التكتل حول ألوهيات، تستجيب إلى سلوك منتخب للتطور بغرض تحقيق هدف تكيّفي. ففي مؤلفه) Darwin' s Cathedral)(3) يعتبر هذا العالم الدين كآلية "انتقاء المجموعة"* أي كسلوك تم إفرازه خلال عملية التطور من أجل تفضيل التعاون بين الأفراد و جعل المجموعة أكثر قدرة على البقاء. فمن خلال مقارنة بين عديد الأديان في العالم – من الكلفينية إلى اليهودية  ومن مسيحية البدايات  إلى الديانات التقليدية ببالي – استنتج أنه كلما شجعت المجموعات البشرية ( و بالتأكيد المجموعات  أكثر من النظم الدينية) القيم المشتركة و الأخوّة و السلوكيات الأخلاقية، كانت فرص بقاء المجموعة أوفر. وهكذا يكون السلوك الديني إذن آلية لضمان بقاء الجماعة مثلما هو الحال بالنسبة للسلوكيات القرابية  أو للدفاع عن الأرض. غير أن نظرية "د.س. ولسون" لا تفسر لماذا يجب المرور عبر معتقدات  وطقوس على قدر ما من الغرابة – مثل وجود الكائنات اللامرئية  و أساطير عجيبة  و عادات وعبادات وصلوات جماعية – لإنتاج التضامن داخل المجموعة. فبقطع النظر على كل اعتبار نجد أن هناك سلوكيات "أخلاقية"  قد برمجت لدى أصناف من الحيوان عن طريق آليات بسيطة  ومباشرة مثل التعلق وغريزة الأمومة والإيثار على النفس والخوف والتراتب.

ولكي نفهم كيف انساق البشر إلى الاعتقاد في وجود كائنات غير مرئية أصبحوا يكنون لها تعلقا (وينذرون لها عبادة )، يقدم لنا علماء النفس التطوريون ( المنتسبون إلى نظرية التطور والنشوء ) فرضية مغايرة. فحسب عالم النفس "بول بلووم" يشكل الاعتقاد في وجود "الأرواح" ظاهرة شاملة تظهر مبكرا جدا زمن الطفولة. و ليس هذا الاعتقاد إلا فرعا طارئا أو عرضيا من ميكانيزم بسيط  ألا وهو أننا نستشعر أنفسنا ككائنات متمتعة بعقل أي بإرادة ورغبات و أفكار وذلك بصورة مستقلة عن جسمنا. و نحن نسند هذه الخصائص بكل تلقائية إلى الآخرين أيضا.  (4) إذن كان من الطبيعي أن نسحب هذه الخصائص ليس فقط على البشر الآخرين بل كذلك على الحيوانات و على القوى اللامرئية. إن تخيل الشمس والرعد والنجوم ككائنات حية تتمتع بإرادة ذاتية هو معتقد عفوي أو تلقائي للأطفال. و يعتمد " دبوراه كلمان" على هذه المعاينة لـ"بلوم" ( والتي سبق أن قام بها "جان بياجي" من خلال نظريته عن الإحيائية الطفولية") لكي يؤكد أن الأطفال هم تلقائيا "ألوهيين" .(5)

يمكن ، إذن، أن نفسر المعتقدات الدينية كنتاج ثانوي لعملية ذهنية عادية.(6) وعلى النحو ذاته وعندما يقع لنا مكروه ( كمرض أو إخفاق ) يتدخل هذا الميكانيزم السببي ليجعلنا ننسب ما جرى لنا إلى إرادة خارجية. و كذلك يشكل التوجه إلى هذه العلة اللامرئية لنطلب منها الصفح أو المعونة عند المعاناة جنوحا تلقائيا. فنحن نطابق العلة الخارقة على العلة الطبيعية. وعند هذه النقطة  يلتقي علم النفس التطوري مجددا بفرضية قدمها "سيغموند فرويد".ففي مؤلفه "مستقبل توهم" يعزو مخترع علم النفس الحاجة إلى الاعتقاد إلى نكوص نفسي للراشد نحو انفعالات الطفولة.  فخضوع البشر إلى الرب يضاهي سلوك الطفل الصغير تجاه والديه، فهو أمام محن الحياة يشعر بأنه بلا ذخيرة وهو يستنجد بصورة الأب المثالية باعتبار أنها ستجلب له الدعم و الحنان.

وقد حل علم اللآهوت العصبي أو علم النفس التطوري محل سلسلة طويلة من الفرضيات حول "الحاجة إلى الاعتقاد". فمنذ القرن التاسع عشر وقع تفسير المعتقدات على التوالي بانبهار أو خوف البشر أمام قوة الطبيعة و بالقلق النفسي أمام الموت و بأمل العيش في عالم أحسن كسلوان نتجاوز به آلام الحياة.(7)

و قد سبق لعالم النفس الأمريكي " وليام جيمس" أن أكد أننا حسب رأيه  لا نستطيع أن نحصر الشعور الديني في تجربة واحدة. و قد اعتمد في كتابه ( تنوع التجارب الدينية - 1902)  على العديد من شهادات المؤمنين كي يبين أن العلاقة مع الرب ليست متطابقة بالنسبة للجميع. فالصوفي الذي يسعى إلى المطلق يربط علاقة مع المقدس تختلف عن تلك التي يربطها ذلك الذي يبحث عن مؤاساة أخلاقية أو ذلك الذي يطالب بقيم و نماذج للسلوك، وهؤلاء يختلفون أيضا عن ذلك المتعصب الذي يرتبط اعتقاده بمذهب أو عقيدة دينية.


نظريات السحر في الأنثروبولوجيا الفرنسية و الإنجليزية


إننا نفرق بين ثلاث نظريات تناسب ثلاثة أنساق في السحر. نسق عقلي عند تايلور و فرايزر، نسق لغوي و سياقي عند مالينوفسكي و نسق اجتماعي رمزي عند ماوس و ليفي ستروس.

النظرية الأولى هي نظرية التطور و التي يذهب أصحابها إلى أن جميع المجتمعات تتطور في اتجاه واحد ابتداءً بالسحر و مرورا بالدّين ثم انتهاءً بالعلم. هذه النظرية تبنّت نوعا ما جدليةً مفادها أن السحر نوع من أنواع العلم لأنه يحاول الفعل في الطبيعة، و لكنه علم غير صحيح لأنه لا يقترح إلا تفسيرات جزئية، فَوَجب المرور بالتّعميم الشمولي الذي جاء به الدّين ثم الوصول بعد ذلك إلى العلم الحقيقي. و يذهب أصحاب هذه النظرية إلى أن هذا النسق الفكري قد صاحبه تطهير على المستوى العاطفي، فالسحر يرتكز على الخوف، و الدّين يعلم التّقديس و العلم يكتشف حب الحقيقة.

السحر يعتمد، حسب تايلور، على خطأ يكمن في الخلط بين الإرتباطات الخيالية و الإرتباطات الواقعية، فالعقل السحري يريد أن الدّيك يصيح عند طلوع الشمس، فإذا ما تمكّنّا من جعل الدّيك يصيح فإن الشمس ستطلع. هذا النوع من الخطأ هو الذي أدّى إلى ظهور الدّين الروحي (الإعتقاد بأن لكلّ شيء روح)، فتايلور يشرح هذا بالخلط بين الشخص الذي يُرى بالحلم و بين ظل الشخص. و لكن هذا الخطأ أدّى إلى إنتاج أفكار عامة و سمح بظهور العلم.

أمّا فرايزر، فإنه يرى أنّ للسحر مبدأين يحكمان إشتراك الأفكار في العقل الإنساني، و يتعلق الأمر بمبدأ التحاكي و مبدأ التّماس. و قد اعتمد فرايزر عليهما لوضع تصنيف لأنواع السحر.

سحر التقليد، و يحكمه مبدأ التشابه، و الذي يقضي مثلا بغرز إبر في دمية على صورة العدو لإلحاق الضرر به.

سحر العدوى، و يحكمه مبدأ التّماس، و الذي يقضي بأخذ شيئ من جسم العدّو كالأظافر أو الشعر، فيكون الفعل على الجزء ساريا على الكل.

يعتقد فرايزر كتايلور أنّ السحر هو إشتراك خاطئ للأفكار، لهذا فهو يصف السحر بالسذاجة لأنه يفترض وجود ارتباطات لا وجود حقيقيا لها. لكن السحر عند فرايزر ليس فقط نظرة بسيطة للعالم، فهو يرى أنّ له فعالية حقيقية لتدخله في طقوس السلطة. ففي المجتمع الذي يحكمه ملك و يكون ساحرا و تكون الأشياء في ذلك المجتمع محكومة بمبدأ السذاجة، فالسحر ليس فقط علما خاطئا، بل يلعب أيضا دورا سياسيا.

إن نظريات تايلور و فرايزر جعلت من السّحر إشكالية انثروبولوجية برفضهم تفسير الظاهرة السحرية على أساس افتراض وجود كائنات غير مرئية و بردِّهم تنوّع تطبيقاتها التجريبية إلى وحدة المبادئ التي هي مبادئ العقل الإنساني، و بجعلهم السحر منتوجا لهذا العقل على غرار الدين و العلم.

أعضاء عديمة الفائدة في جسم الإنسان من بقايا التطور

بقيت هذه الأعضاء في الجسم كأثر و دليل على تطوره من الثديات. معظم هذه الأعضاء لا زالت موجودة و مستخدمة في كثير من الحيوانات عدا الانسان. سأترجم بعضا منها:

عضلات الأذن: لاتزال هذه العضلات موجودة في جسم الانسان، على الرغم من أنها أصبحت ضعيفة جدا. و من المعروف أن هذه العضلات هي المسؤولة عن تحريك الأذن عند ثديات أخرى كالأرنب أو الكلب.

أسنان العقل: ربما ساعدت هذه الأسنان الانسان في بداية ظهوره على سطح الأرض، خاصة عندما كان يتغذى على النباتات، فصف إضافي من الأسنان الطاحنة ساعده على الحصول على المزيد من الحريرات ليتمكن من البقاء. أما اليوم فلا يملك سوى 5% من الناس أسنان العقل بحالة صحية جيدة، و كثير من الناس يضطر إلى قلعا للتخلص من مشاكلها الصحية.

أضلاع الرقبة: أضلاع تظهر في 1% من الناس، ربما هي باقية من الزواحف. يؤدي ظهورها إلى مشاكل صحية عصبية و وعائية.

مجموعة كبيرة من العضلات: كان لبعضها دور في المشي على أربع، ثم صغرت و اضمحلت عندما بدأ الانسان بالمشي على رجلين. و لبعضها الآخر دور في التسلق و التعلق من الأشجار. و هناك أيضا عضلات كانت تساعد على التمسك بواسطة القدم.

الزائدة الدوديّة: ساهم هذا العضو في هضم السللوز عندما كان الانسان يأكل النبات أكثر من اللحم. يستأصل الكثير من الناس هذا العضو.

شعر الجسم: لا فائدة منه اليوم. كما أن لشعر الجسم عضلات صغيرة تنصبه في حالات معينه. تساعد هذه العضلات الحيوانات في إيقاف شعر أو ريش جسمها. أما بالنسبة للإنسان، فلا فائدة منها أيضا.

الثدي عند الذكر: لا فائدة منه بالنسبة للذكر، و مع هذا فإنه موجود بل و يمكن له أن يعطي الحليب إذا تم تنبيهه عند كثير من الثديات.

فقرات الذنب: بقي لدى الانسان عدة فقرات ملتحمة كانت ذنبا في ما مضى. لا زالت هذه الفقرات عند كثير من الحيوانات لأنها تساعدها على التوازن و التواصل. أما الانسان فلا يحتاج لها بعدما أصبح يمشي على اثنتين.

هناك أعضاء زائدة أخرى كثيرة، ولكنني انتقيت أكثرها اثارة للاهتمام و أقربها فهما لغير المختص، خاصة و أنني لست بمختص أنا الآخر.

لم يتضمن الجسم كل هذه الأعضاء غير المفيدة؟ أولم يخلق الانسان في أحسن تقويم كما تقول الأديان؟ قد يقول القائل أن العلم لازال لايعرف فائدتها، ولكن هذا غير صحيح، فالعلم يعرف تماما فائدة هذه الأعضاء بالنسبة للحيوانات، ولكن بالنسبة للانسان فلا فائدة منها بعد تغير عادات حياة الانسان عن غيره من الحيوانات. فبقيت هذه الأعضاء كدليل على التطور.

الله خارج حدود الزمان والمكان


حسب الطرح الديني فإن الله يصف نفسه بأنه خارج حدود الزمان و المكان. معنى ذلك بالنسبة للمكان ليس أنه أزلي فقط و لكن أنه لا تنطبق عليه حدود الزمان و ما هي حدود الزمان؟ إنها الماضي و الحاضر و المستقبل بمعنى أنه ليس له ماض و لا حاضر و لا مستقبل لأنه الله فهو البداية و النهاية و الحاضر و في كل حين و وقت و بمعنى أنه لا تتقلب عليه الأيام و لا السنين و لا الساعات.
إن ما سبق قوله هو نظرية، رأي، إعتقاد، إيمان.... أي شيء إنما هو ليس حقيقة ثابتة كحقيقة أننا كبشر تحدنا حدود الزمان.

و أية نظرية ( فلسفية أو علمية ) يجب أن نضعها قيد التمحيص و الفحص و القياس قبل أن نؤمن بها و نقتنعها خاصة و أنه يترتب على ذلك أمورا كثيرة أهمها اختلاف الأديان و بالتالي اتباع أحدها و بدء التناحر لإثبات من هو على صواب و  من هو على خطأ و إن كان على خطأ فهل يستوجب القتل أم التعزير أم غير ذلك؟؟ كيف يمكن لله أن يكون خارج حدود الزمان و هو الذي فرض قوانين الزمان؟ كيف يمكن له أن يكون ماضيا و حاضرا و مستقبلا ؟

و ليس مستقبلا طبعا بالمصير لأن المصير معناه المستقبل لكن المصير بمعنى النهاية. أحد التشبيهات التي ستقرب لنا هذا المفهوم أن نشبه الزمان بالكرة أو الدائرة التي لا يمكن لك أن تحدد نقطة بدايتها كما لا يمكن أن تحدد نقطه نهايتها فكل النقاط فيها بداية و كلها أيضا نهاية. لكن هذا يواجهنا بمعضلة خطيرة أن أي متتبع لحدود أو سطح هذه الدائرة و يسير معها لا بد إذا أن يعود لنقطة البداية سواء سار إلى الأمام أو إلى الخلف، كما أنه يعني تكرر الأحداث، أيضا يعني تشابك الأحداث حسب نقطة البداية بمعنى إذا كانت في نقطة ما حدث ما فإن الحدث ثابت لكن من يدورون حول الحدث ستختلف أوقات التقائهم بالحدث أما إذا كان هذا الحدث نفسه يدور فمعنى ذلك إن المنظومة كلها تدور و بالتالي ستكون ثابتة لأنها ستشبه الشخص الموجود مع مجموعة أشخاص في سيارة تدور حول محور مثل ما يحدث في مدن الملاهي.

أيضا الله نفسه إن كان خارج حدود الزمان فقد وضع نفسه فيه و قيد نفسه به بنص حديثه و كلامه. فهو الذي وضع ترتيبا للخلق و سير الحياة ثم العقاب بمعنى أنه أول ما بدء الخلق بدأ به حسب ترتيب زمني ثم جلس على عرشه و بدأ يراقب هذه المنظومة التي اخترعها و ها هو ينتظر أن تنتهي ليبدأ مرحلة العقاب و الثواب إذا طالما أنه ينتظر فهو خاضع لقانون الزمان ( المستقبل )

أما القول بأنه يشاهد الزمان بمعنى أنه يشاهد الأحداث كمن شاهدها مسبقا لأنه يعرف نتيجة الأحداث كلها فتعني أيضا الماضي أي أنه أيضا مر عليه زمان و بالتالي خضع لقانون الزمان.

الشيء الذي يجب أن نلتفت إليه عند نقاش الزمان هو الوقت، لأننا كبشر نقيس الوقت بالثواني و الدقائق و الساعات و الأيام و الأشهر و السنوات.... كلها مربوطة بكون الأرض و علاقتها بالكواكب خاصة الشمس و القمر.

فهل الله الذي هو خارج حدود الزمان يخضع لنفس التوقيت؟؟ بالتأكيد لا فما هو التوقيت الذي يتبعه الله؟ هل هو ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) .. السجدة الآية 5 .. ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) ... الحج الآية 47 .... ما يهمنا في هذا الموضوع ليس سنواتنا سواء كانت ألف أو غير ألف ما يهمنا هو ما يقابل ذلك الذي هو يوم الله ( اليوم عند الله ) لأننا نستنتج بوضوح أن الله له أيام و بناء على هذه الأيام فقد وعدنا بيوم الحساب و بالتالي اليوم الذي فيه الله الآن ليس يوم الحساب لأن يوم الحساب يوم آت لا ريب فيه إذا الله ينتظر قدوم هذا اليوم الذي سيحاسبنا فيه على شر أعمالنا إذا هذا اليوم هو مستقبل..... فهل خضع الله للمستقبل

فرض الله الصلوات و الحج و العبادات في مواقيت معينة إذا هو متتبع لهذه الأوقات و التي هي أيضا زمان!!! إن ترتيب نشر الديانات السماوية و بالتالي الكتب السماوية الذي يرتبط بالأحداث يعني أن الله متتبع لهذه الأوقات إذا هو ينتظر تقلب الأوقات ليبدأ فعل شيء ما إذا هو غير قادر حكما على أن يفعل الشيء إلا إذا جاء وقته إذا هوينتظر الزمان إذا أيضا هو خاضع لحدود الزمان إن الله و هو يتحدث عن نفسه بأنه سرمدي خارج حدود الزمان و يقول أنه كان البداية، لا يحدثنا أبدا عما قبل البداية؟؟؟؟ و لو من قبيل الإشارة!!!!! فإن كان هو البداية فمن أين بدأ و كيف بدأ؟

وشكرا على تتبعكم

ما لا تعرفه عن الحمض النووي

رسم توضيحي للحمض النووي DNA وهو عبارة عن شريط ملتف على نفسه ويحوي 3000000000 معلومة، وفيه كل البرامج التي تضمن سلامة عمل الخلية

في كل يوم يكشف العلماء أسراراً جديدة... ولا نبالغ إذا قلنا: في كل اكتشاف علمي لابد أن نرى إشارة قرآنية لهذا الاكتشاف، واليوم يحاول العلماء التعرف على المجرمين من خلال الشريط الوراثي المسمى DNA لنتأمل هذا الاكتشاف العلمي.... إنه جزيء صغير جداً يتوضع في أعماق كل خلية من خلايا الجسم، يحوي في داخله أكثر من ثلاثة آلاف مليون معلومة! ويحوي البرامج اللازمة لتكاثر الخلية، وفيه المعلومات التي تضمن سلامة الخلية وسلامة الجسم بشكل عام. ولكن من الأسرار التي أودعها الله في هذا الحمض النووي الذي يسمى DNA أنه لا يوجد اثنين في العالم يتشابهون في هذا الحمض. ولذلك فهو "بصمة وراثية" ممتازة للتعرف على شخصية الإنسان، وتميزه عن غيره. ومن الأخبار الملفتة للانتباه أنه يمكن من الآن فصاعداً رسم هيئة متخيلة للمتهم بجريمة، بشكل أفضل، بالاعتماد على آثار تحمل حمضه النووي. فمثلاً بقايا الريق على كأس قهوة أو قشرة متساقطة من الجلد، تكفي لتحديد بعض المميزات الخارجية مثل لون الشعر والبشرة. وقد اكُتشفت هذه الإمكانية بالمصادفة أثناء دراسة علمية أجراها فريق أيسلندي- هولندي مشترك، وكان الموضوع الأصلي للدراسة هو مرض السرطان. البروفسور بارت كيمناي من المركز الطبي رادباوت في مدينة نايميخن (شرق هولندا) هو الذي قدّم البيانات الهولندية التي كان الأيسلنديون في حاجة إليها لتدقيق النتائج التي توصلوا إليها. يشرح البروفيسور كيمناي كيف تم الاكتشاف بالقول: يهتم الناس كثيرا في أيسلندا بسرطان الجلد، لذا يعطون أهمية كبيرة لهذا الموضوع. وفي لحظة كانوا يقارنون البيانات الجينية لبعض أنواع السرطان التي عثرنا عليها نحن في نايميخن بنوع من البشرة التي كانت في حوزتنا أيضاً. وتبين فجأة أن هناك ارتباطاً مهماً بين هذا وذاك. تفيد المقارنة بين المعطيات أن هناك علاقة بين جينات معينة تحدد لون البشرة أو العينين. تمكن العلماء انطلاقاً من جينات شخص معين من معرفة ما إذا كان لون شعر الشخص أشقر أو أسود، وكذلك لون العينين والبشرة. لا يمكن التعرف على ذلك 100 % لكن العلاقة "قوية" جداً إلى حدّ يكفي لإعطاء وصف دقيق لشخص كان مجهولاً تماماً. ولم يكن هذا مجرد اكتشاف علمي بسيط، إن البحث بهذه الطريقة (بالاعتماد على الحمض النووي) يفتح أبواباً جديدة في مكافحة الإجرام. يشرح البروفسور كيمناي الكيفية الحالية التي تتم بها التحريات الجنائية المعتمدة على الحمض النووي بقوله: كان الإجراء المتبع في السابق أنك إذا عثرت على أدلة يتركها متهم في مكان حصول الجريمة، وهذه الأدلة تحمل نسيجه الحيوي أو حمضه النووي أو شيئاً آخر من هذا القبيل، فمن الضروري أن تتم مقارنة هذه المادة مع جينات الحمض النووي الموجودة في بنك المعلومات للمجرمين، وانتظار ما إذا كان المتهم المطلوب بينهم، وذلك للتعرف عبر الكومبيوتر على هويته كاملة. وإذا لم يتم العثور على الحمض النووي في بنك المعلومات، فلن تكون النتيجة في صالح الشرطة التي سيصعب عليها العثور على الهوية الحقيقية للمجرم. ولكن بواسطة الاكتشاف الجديد يمكن الآن التعرف على لون الشعر والعينين والبشرة للمجرم، حتى لو لم يكن له وجود في بنك المعلومات. هذا يختلف بالطبع عن تحديد الهوية بشكل كامل بالاسم والعنوان، حيث إن تحديد لون العينين والبشرة والشعر يقدّم خدمة عظيمة للشرطة أثناء التحريات.


من يحدد جنس الجنين ... الرجل أم المرأة؟







 الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الذكورة أسرع حركة وأقوى شكيمة


 من الذي سيحدد نوع الجنين وجنسه ذكراً أم أنثى؟ سؤال قديم اختلفت الاجابات حوله وجاء القرآن الكريم بفصل الخطاب قال الله تعالى: {ايحسب الإنسان أن يترك سدى، الم يك نطفة من مني يمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والانثى، اليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى}، ويقول سبحانه: {وانه خلق الزوجين الذكر والانثى، من نطفة إذا تمنى}. والنطفة التي تمنى هي نطفة الرجل أو ما يسمى اليوم الحيوان المنوي، كل خلية من خلايا الجسم في الإنسان تحتوي على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات التي تحمل اسرار الإنسان، اثنان وعشرون منها مسؤولة عن بنيان الجسم وصفاته وواحد منها فقط مسؤول عن تعيين الجنس ذكر أم أنثى ولا يمكن أن تشذ خلية فهناك ملايين الخلايا التي توضح هذه الحقيقة وتفصل بين الجنسين مثل خلايا الجلد والفم وخلايا الدم حتى خلايا المخ والعظام كلها تؤكد هذه الحقيقة وترد على أولئك الذين يتجاهلونها ويدعون تماثل الجنسين وهم بذلك يصادمون الفطرة التي فطر الله الناس عليها فليس الخلاف بين الذكر والانثى في الجهاز التناسلي فحسب بل في تكوين العظام والعضلات والاوتار وشدتها».

 ومن المعلوم ان خلايا الذكر تحتوي على الكروموسومات (XY) بينما خلايا الانثى تحتوي على الكروموسومات (XX) والحيوانات المنوية إذا انقسمت اختزالياً فانها تحتوي على حيوانات منوية مذكرة يشار اليها بـ (Y) وحيوانات منوية مؤنثة يشار اليها بـ (X) وكلاهما يختلف في تكوينه عن الآخر فالحيوان المنوي المذكر له وميض ولمعان في رأسه بينما الحيوان المنوي المؤنث يفقد ذلك اللمعان والنور كما توضحه الصور المتخصصة بذلك، كما ان الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الذكورة أسرع حركة واقوى شكيمة يستطيع ان يصل إلى البيضة في ست ساعات تقريباً فاذا وصل إلى البويضة جاهزة التلقيح الناضجة لقحها بأمر الله والا بقي ساعات ثم يموت. واما الحيوان المنوي الأنثوي فانه يسير بطيئاً في الغالب ولا يصل إلى موضوع البيضة إلا بعد أكثر من اثني عشرة ساعة فاذا اراد الله ووجد فرصة سانحة قام بتلقيحها. اما البويضة فتحمل دائماً اشارة الانوثة (X) فاذا اراد الله عز وجل ولقح البويضة حيوان منوي يحمل شارة الذكورة فإن النطفة الامشاج تحتوي على 46 كروموسوما على هيئة ثلاثة وعشرين زوجاً منها زوج واحد على هيئة (XY). اما إذا قدر الله ولقح البويضة حيوان منوي يحمل شارة الانوثة فإن النتيجة هي النطفة الامشاج التي تحمل شارة الأنوثة فقط (XX).
 إن الحيوان المنوي هو الوحيد الذي يحدد بارادة الله نوع الجنين ذكر أم انثى. إذ انه يحمل شارة الذكورة أو يحمل شارة الانوثة
 والنطفة التي تمنى تقرر نوعية الجنين وجنسه فهذا هو المستوى الاول الذي يتحدد فيه جنس الجنين. والمستوى الثاني هو مستوى الغدد وهذا يتحدد بإذن الله تعالى في الاسبوع السادس والسابع من التلقيح وتظهر خلايا الغدة التناسلية في الجنين في الاسبوع الثالث من عمره ولا تتميز في السقط قبل الاسبوع السادس.

 مواضيع ذات صلة:

الجنس تواصل لا تناسل
هل يمكن للرجل أن يحمل
الدماغ البشري

سلفادور دالي العبقرية والجنون



بعد ثلاثين سنة على معرض سلفادور دالي الاستعادي في مركز بومبيدو (باريس)، ينظّم القائمون على هذا الصرح الفنّي معرضاً ضخماً له يسلّط الضوء على طبيعة شخصيته الفذّة وعبقريته ويسعى إلى تفسير المبالغات التي اتّسم بها سلوكه. ولهذه الغاية، تم جمع أكثر من مئتي عملٍ فنّي له تتراوح بين لوحات ومنحوتات ورسوم وُزّعت بشكلٍ موضوعي وضمن مسارٍ يحترم تسلسلها الزمني.
ولأن دالي هو أحد روّاد فنّ الأداء وفنانٌ اعتبر الفن كحدثٍ اتّصالي شامل، يبرّز معرضه الحالي بشكلٍ خاص الأعمال والنشاطات التي ابتكرها في هذا السياق وثوّرت وظيفة الفن وممارسته.
وفعلاً، لم يكتف دالي بابتكار لوحات أو منحوتات مجدِّدة شكلاً ومضموناً بل شعر بضرورة كشف الأفكار التي تقف خلفها وتمنح تأويلاً جديداً للعالم. لكن هذا النشاط لم يأخذ قسطه من الاهتمام لدى النقّاد الذين ركّزوا جهدهم على عمله الفني التقليدي، الرائع بلا شك، ولكن على حساب تحرّكاته الإعلامية والميدانية التي اعتبروها مجرّد سلوكٍ ترويجي لنفسه. بعبارةٍ أخرى، رفض النقّاد من دالي ما قبلوه في ما بعد، وبإعجابٍ كبير، من أندي وارهول، أي تلك الموهبة الاتّصالية التي جلبت للاثنين شهرةً واسعة، علماً أن وارهول عاشر دالي في نيويورك بشكلٍ منتظم وتعلّم منه الكثير.
ومن النقاط الأخرى التي رفضها النقّاد لدى دالي، استمراره في الرسم بأسلوبٍ تصويري دقيق بعدما نبذ الفن الحديث هذا الأسلوب. وقد ذهب بعضهم إلى حدّ اعتبار رسم دالي نقلاً مبتذلاً لأسلوب رسّامي عصر النهضة، مهملين براعته الخارقة في استخدام التصوير الدقيق لإسقاط صورٍ من عالمٍ خيالي أو لابتكار تلك الأشكال الملتبسة أو الصور المزدوجة التي تستدعي تأويلات عدة. ومع أن هذه الأخيرة ظهرت بدورها خلال عصر النهضة، إلا أنها أبداً لم تبلغ هذا الحد من التعقيد والفعالية الملاحظَين في لوحات دالي ومنحوتاته.
وتفسّر مواقف هذا الفنان السياسية جزئياً نظرة النقّاد السلبية إليه والتجريح الذي تعرّض له من دون أن تبرّرهما، كموقفه الملتبس تجاه صعود النازية في الثلاثينات والذي دفع بأندريه بروتون ومجموعته إلى محاكمته غيابياً، أو التحاقه بفرانكو وزياراته المتكرّرة لهذا الطاغية ودعمه العلني لنظامه. ويردّ منظّمو معرضه الحالي افتتان دالي بوجوه السلطة (غييوم تيل، لينين، هتلر، فرانكو وملك أسبانيا ألفونس الثالث عشر) إلى دور والده في حياته الذي كان متسلّطاً وذا شخصية قوية، وفي الوقت ذاته، كان متفهّماً لطموحات ابنه.

معاناة الطفولة
أما رغبته الملحّة في الظهور ومفاجأة جمهوره وفتنه فيردّها منظّمو معرضه إلى معاناته في طفولته من خجلٍ مرضي كان يشلّ لسانه وجسده، من جهة، وإلى شغفه بالمجتمع الأرستقراطي وبتعبّد أفراد هذا المجتمع للجمال والأناقة والطقوس الاجتماعية، من جهةٍ أخرى.
ورسم دالي الذي يعتمد على التصوير الدقيق هو وسيلة لإسقاط المتأمل في لوحاته داخل عالمٍ آخر وُصف غالباً بالحُلُمي. لكن الفنان رفض هذا الوصف وأشار مراراً إلى أن هدفه من خلق ذلك العالم الآخر هو إظهار الجانب الخدّاع للعالم المادّي الذي نعيش فيه. ومن هذا المنطلق يجب فهم مثابرته على تلك الأفعال «الحدثية» التي تجسّد وتُثبت وجود عالمٍ نفسي ما وراء الواقع المادّي؛ أفعالٌ تتّسم بطابعٍ استعراضي وتقوم على إخراجٍ مسرحي منظّم.
وضمن هذا السياق يندرج نشاطه السينمائي والفوتوغرافي، علماً أن إنجازاته في الميدان السينمائي لم تكن دائماً موفّقة. فبعد بدايات مثيرة مع لويس بونيويل، لم يتمكّن دالي من التركيز على سيناريو محدّد. فذهنه الوقّاد كان يقوده إلى أفكارٍ كثيرة متناقضة لم يكن قادراً على الاختيار منها أو تشحيلها. ومع ذلك، استخدم التصوير السينمائي وتقنياته الخدّاعة ببراعةٍ نادرة، كلجوئه غالباً في أفلامه إلى قلب اللقطات المصوَّرة للعودة بالزمن إلى الوراء.

الفنان الفوتوغرافي
أما نشاطه الفوتوغرافي فرافقه منذ بداية مساره، كما تشهد لذلك سلسة الصور التي تحمل عنوان «شبح» ويظهر دالي فيها مختبئاً تحت كفنٍ أبيض، أو سلسلة صور «الملاك» التي صدرت في مجلة «مينوتور» ويتّخذ الفنان فيها وضعياتٍ مختلفة، جدّية بقدر ما هي مضحكة.
ومن التقنيات الأدائية التي اعتمدها دالي قبل غيره من الفنانين ويسلّط معرضه الحالي الضوء عليها: الرسم الحركي المنفّذ أمام عدسة الكاميرا والذي رأى الفنان فيه ممارسةً وتأكيداً لمهاراته «الرسومية» واختصره في النهاية بتوقيعٍ خاطف لاسمه، وقد فتح السبيل فيه لظهور حركة التجريد الغنائي؛ الرسم الذرّي الذي يقوم على تفجير رشّاشات تلوين داخل مكعّبات معدنية، وقد تبعه في ذلك الفنانَين تانغولي ونيكي دو سان فال؛ الرسم بأجسادٍ نسائية بعد طليها بألوانٍ مختلفة وتطبيقها على سطح اللوحة، وقد استبق في ذلك الفنان إيف كلاين؛ هرس آلات خياطة بمحدلة بخارية للحصول على صفائح محفورة، وذلك قبل لجوء الفنان سيزار إلى هذه التقنية؛ هرس أصابع تلوين مفتوحة بين لوحَين من البلاستيك الشفّاف، وذلك قبل قيام الفنان أرمان بأعمال مشابهة؛ الرسم بتقنية اللايزر فور ابتكارها...
باختصار، أعمالٌ أدائية رائدة تشكّل فكرة حضور دالي وتأديته الدور الرئيس فيها جزءاً أساسياً من سيرورة إبداعه منذ الثلاثينات، قبل أن يطوّر هذا العملاق في ما بعد مفهوم اللوحة الحيّة التي تسمّر الزمن وتعكس، أكثر من اللوحة التقليدية، ذلك الواقع الخرافي الذي سعى بكل الطُرُق إلى تجسيده. بالتـــالي، أخطأ النقّاد لدى اعتبارهم هذه الأعمال كنوعٍ من التحريض المجّاني أو محاولاتٍ للفت الأنظار إليه. فالحقيقة هي أن هذه الأعمال، وإن تميّزت ببُعدٍ تحريضي واستعراضي، فإنها تبقى مبنية على أفكارٍ مثيرة ومبتكَرة. وفيها، يظهر تأثُّر دالي بالمنهج الدادائي أكثر منه بالمنهج السرّيالي.

بعض من أعماله: